الأخبار
Image Description

صهيب المياحي

الحوثية.. احتلال للوعي

‫كتابنا‬| 27 فبراير, 2025 - 6:54 م

الخطر الذي يُحدِق بنا ليس مجرّد حربٍ تُخاض بالسلاح، بل حربٌ تُخاض في الأعماق، في الجذور، في الذاكرة التي يُعاد تشكيلها، في اللغة التي يُعاد اختزالها، في الأجيال التي تُختطف قبل أن تدرك ذاتها، فتُعاد برمجتها على الطاعة العمياء، على التسليم الكامل، على فقدان القدرة على السؤال. الحوثي لا يقاتل ليحكم فقط، بل ليُعيد صياغة الإنسان، ليحوّله إلى ظلٍّ مطيع، إلى أداةٍ مسلوبة الروح، إلى كائنٍ لا يرى في ذاته إلا وسيلةً لتحقيق مشيئة الطغيان.

ما يفعله الحوثي ليس احتلالًا للأرض، بل احتلالٌ للوعي. إنه لا يسعى إلى السيطرة على المدن فحسب، بل على العقول، على اللغة التي نتحدث بها، على المفاهيم التي نصنع بها وجودنا. إنه مشروعٌ لاستبدال الإنسان اليمني بنسخةٍ مشوّهة، لا تفكر، لا تحلم، لا تمتلك أي انتماءٍ إلا لمعادلة الطاعة والخضوع. إنه لا يريد شعبًا، بل قطيعًا؛ لا يريد مواطنين، بل كائنات تسبّح بحمده، تردد خرافاته، وتقدّس عبوديّتها كما لو كانت قدرًا محتومًا.

اليوم، لا تُرتكب الجريمة في ميادين القتال فقط، بل في المدارس، في قاعات الدرس التي لم تعد أماكن للتعليم، بل مصانع لإنتاج العقول المُقيّدة. يتم خطف الأطفال إلى معسكرات الغسل الدماغي، حيث يُلقَّنون كراهية كل ما هو مختلف، يُبرمجون ليكونوا جنودًا قبل أن يكونوا أطفالًا، يُنزَع منهم الحق في أن يحلموا بمستقبلٍ مختلف. في زمن الحوثي، لم يعُد التعليمُ تعليمًا، بل صار سلاحًا لإنتاج جيلٍ بلا ذاكرة، بلا هوية، بلا قدرة على الرفض أو الفهم أو التمرّد.

هذه ليست حربًا على السلطة، بل حربٌ على المعنى نفسه، على الإنسان في جوهره. ما يحدث هو إبادةٌ فكريةٌ شاملة، حيث يُجتث السؤال من جذوره، ويُستأصل الفكر من منابعه، ويُستبدل الوعي بالخرافة. الحوثي لا يحكم بالمنطق، بل بالخوف، لا يبني دولة، بل يسوّر الناس داخل جدران الوهم. في زمنه، تصبح الحرية كفرًا، والمعرفة جريمة، والتفكير تمرّدًا لا يُغتفر.

إننا لا نخسر وطنًا فحسب، بل نخسر جيلًا كاملًا، يُعاد تشكيله ليكون انعكاسًا لرؤية الطغاة. الخطر هنا ليس أن نُهزم في معركة، بل أن نصحو ذات يوم على جيلٍ لا يعرف اليمن كما عرفناه، لا يفهم معنى الحرية، لا يرى في نفسه سوى ترسٍ في آلة الظلم، جيلٌ لا يُدرك أن هناك عالمًا خارج هذا السجن، أن هناك صوتًا غير هذا الصوت، أن هناك حقيقةً غير الحقيقة المشوّهة التي يُلقَّنها كل يوم.

الخلاصة: هي أنه لا يمكن لوطن أن ينجو حين يختطف وعي أبنائه، ولا يمكن لشعب أن يُبعث من جديد بعد أن يُعاد تشكيلة ليكون نقيض ذاته. أخشى أن نستيقظ يومًا ونجد أن اليمن، الذي عرفناه كأرضٍ وكفكرة، وكحلم قد تلاشى، ولم يتبقى منه إلا ظلٌ مشوّه، يسكن ذاكرةً تُعاد كتابتها بأيدي الطغاة.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024