- الشركة اليمنية للغاز تؤكد تغطية احتياجات السوق المحلية وتدعو لمراقبة الطرق والشواطئ

صهيب المياحي
معركة الوعي أمام السلالة
كتابنا| 18 فبراير, 2025 - 4:22 م
في كل عصور الاستبداد، لم تكن المخاوف الحقيقية للطغاة تكمن في الجيوش التي تهددهم، بل في الكلمات التي تكشف هشاشة سلطتهم، وتكشف زيفهم. الطاغية لا يهاب السلاح، لأن السلاح يمكن أن يُقابل بالقوة، ولكن ما يخشاه هو الحقيقة، لأنها لا تقاوم، ولا تُسكت، ولا يمكن تجنبها.
الحقيقة تهدم أسطورة القائد الذي لا يُقهر، وتفضح الطاغية الذي يدّعي أنه "مقدس" أو "مخلص". الطغيان لا يستمر إلا في ظلام الجهل، حيث يتحول القمع إلى فرض، والخرافة إلى حقيقة، والصمت إلى قانون مقدس. وعندما يبدأ القلم في فضح هذا الزيف، يتسارع الطغاة إلى كسره، لأنهم يعلمون جيدًا أن سقوط الكلمة الحرة يعني بداية زوالهم.
لا يُفاجئنا أن أول ما يفعله الطغاة في كل مرة هو تكميم الأفواه، ومطاردة الصحفيين، وإحكام قبضتهم على وسائل الإعلام. فالسلاح الذي يستخدمونه ليس الرصاص فقط، بل هو التزييف الممنهج، الدعاية المضللة، وإعادة تشكيل وعي الجماهير بما يخدم بقاءهم. الحوثي، كأي نظام استبدادي، لا يخوض حربًا عسكرية فقط، بل يخوض حربًا أيديولوجية قذرة، حربًا ضد العقل والنور، حيث يصبح الجهل سلاحًا قاتلًا، والخرافة عقيدة مقدسة، والتجهيل مشروع دولة. هو لا يسعى فقط إلى إسكات معارضيه، بل إلى إعادة تشكيل العقول، وإعادة تعريف الواقع. يريد مجتمعًا لا يرى نفسه إلا عبدًا، ولا يعترف فيه الناس إلا بأوهام سلطته التي يغذيها الظلام، حيث تصبح الكلمة الحرة جريمة يجب معاقبتها، والوعي المستقل تهديدًا ينبغي سحقه.
استهداف الصحفيين لم يكن حادثًا عارضًا، بل كان جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف إلى القضاء على الحقيقة. الصحفي بالنسبة للطاغية ليس مجرد فرد يحمل قلمًا، بل هو عدو وجودي، لأنه يملك القدرة على تحطيم الصورة المقدسة التي يبنيها الطغيان حول نفسه. الحوثي لم يكتفِ بحبس الصحفيين وقتلهم، بل مارس عليهم أقسى أنواع التعذيب، ليس بهدف الإيذاء الجسدي فقط، بل بهدف قتل الكلمة قبل أن تُكتب، وإخماد الفكر قبل أن يولد.
مئات الصحفيين قُتلوا، سُجنوا، أُخفوا قسرًا، بعضهم خرج من معتقلات الموت مشلولًا، وآخرون لم يُعرف مصيرهم بعد. هؤلاء لم يكونوا مجرد رجالٍ يقاتلون في ميدان عسكري، بل كانوا مقاتلين في ميدان الحقيقة، وكانت حرب الطغاة ضدهم حربًا على الوعي ذاته.
يدرك الحوثي أن معركته ليست فقط معركة سلاح، بل هي معركة سردية، معركة من يملك الحق في تشكيل التاريخ. الأنظمة الاستبدادية لا تسعى فقط إلى قمع الحاضر، بل إلى إعادة صياغة الماضي وتهميش كل رواية لا تخدم بقائها. لذلك، فإن الصراع معه ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هو صراع فكري، معركة على من يملك الحق في كتابة الواقع.
قد يهزم الطغاة عسكريًا، ولكنهم يستمرون في العيش في عقول الناس طالما أن أفكارهم لم تُهزم بعد. لا يكفي إسقاط الطاغية، بل يجب إسقاط أيديولوجيته، يجب تدمير الخرافات التي يستند إليها، وفك أُسطورة "الظل الإلهي" التي يبني عليها سلطته. الحوثي لا يخشى المعارك العسكرية بقدر ما يخشى المعركة الفكرية، لأنه يدرك أن الفكرة، عندما تنتشر، تصبح نارًا تأكل سلطته من الداخل. هي سلاح لا يمكن إسكاته، ووعي جديد لا يمكن استعباده.
ربما تُسكت الرصاصة صوتًا، ولكن القلم يحيي ألف صوت. ربما يقتل الطغاة بعض الكُتاب، ولكنهم لا يستطيعون قتل الفكرة التي زرعوها. في النهاية، ينهار الطغيان أمام ثقل الحقيقة، كما انهارت إمبراطوريات كانت تظن نفسها خالدة. القوة الحقيقية ليست في الجيوش التي تحرس الطغاة، بل في العقول التي ترفض الخضوع لهم، وفي الكلمة التي لا يمكن قتلها، وفي الوعي الذي لا يمكن استعباده.
المعركة الحقيقية مع الحوثي ليست فقط في ميادين الحرب، بل في ميادين الفكر. السلاح قد يقتل الجسد، ولكنه لا يمكنه قتل الفكرة. الرصاص قد يسكت الأصوات، ولكنه لا يمحو الحقيقة. الحوثي لن يسقط بمجرد هزيمته العسكرية، بل يسقط حين تُهزم أفكاره، حين تُفضَح أكاذيبه، حين ينهار المشروع الذي بنته الخرافات والدماء.
وفي النهاية، الكلمة أقوى من الرصاصة، والتاريخ لا يُكتب على فوهات البنادق، بل في العقول التي ترفض أن تعيش في الظلام.
مقالات ذات صلة
أراء | 25 يناير, 2025
بعد التشطير العملي.. ما أفق الانفصال في اليمن؟
كتابنا | 18 يناير, 2025
انتفاضة أخرى توأد في قيفة!
أراء | 5 يناير, 2025
إلى الحكومة اليمنية: قبل أن ينخرها النمل الأبيض
أراء | 30 ديسمبر, 2024
الحوثي.. الطلقة الأخيرة في مدافع آيات الله
أراء | 29 ديسمبر, 2024
الجماعة الحوثية في مواجهة القيادة الجديدة في سوريا