الأخبار
Image Description

صهيب المياحي

رمضان في زمن الحوثي

‫كتابنا‬| 6 مارس, 2025 - 8:12 م

رمضان، الشهر الذي كان اليمنيون يستقبلونه بشغفٍ يغمر القلوب، وبفرحةٍ تتجلى في الأناشيد والطقوس التي تناقلتها الأجيال، صار اليوم موسمًا آخر للوجع، فصلًا جديدًا من المأساة التي لم تنتهِ. لم يعد شهرًا للعبادة، بل صار موسمًا للنهب، سوقًا مفتوحًا للابتزاز باسم "الزكاة"، لقد تحولت الفريضة الدينية إلى ذريعةٍ لسرقة الفقير قبل الغني، والمواطن قبل التاجر، والجائع قبل الشبعان.

في زمن الحوثي، رمضان ليس شهرًا للتقوى، بل موسمٌ للإذلال. أنت لا تصوم لأنك تريد ذلك، بل لأن الحرب سرقت منك حتى القدرة على شراء كسرة خبز. وأنت لا تصلي لأنك وجدت السلام، بل لأن الخوف يحيط بك من كل الجهات. أما لياليك، فهي ليست للسكينة، بل لخطابات تتسلل إلى كل بيت كالأدخنة السامة، تفرض نفسها على سمعك وقلبك وعقلك، حتى تغدو أنت ذاتك جزءًا من هذه العتمة التي تحيط بك.

أن تكون يمنيًا في مناطق الحوثي يعني أنك مهدد في حياتك، في وعيك، في رزقك، في حتى أبسط حقوقك بأن تترك في حالك. أنت هناك، مجرد كائنٍ في قطيع، تُساق نحو محاضراتٍ ملغمة بالكراهية، تُجبر على الاستماع إلى رجلٍ لا يتقن شيئًا سوى اجترار الأوهام، رجلٍ يلوك الكلمات كما تلوك الحرب أرواح اليمنيين، خطيبٌ يجلس مختبئًا في كهفة، يوزع الوعود الكاذبة كما يوزع رجاله السلاح على الأطفال، يتحدث عن العدل فيما يسرق لقمة الجياع، ويتشدق بالأخلاق فيما يقتل الأبرياء بدمٍ بارد.

أية مأساة هذه التي تجعل شعبًا بأكمله يعيش رمضان وكأنه جولة جديدة من النهب؟ كيف تحوّل الشهر الذي كان شهر الرحمة إلى موسمٍ للإجبار والقمع والتعبئة الطائفية؟ ليس رمضان في مناطق الحوثي شهرًا عصيبًا فحسب، بل هو مرآةٌ كاشفةٌ لكل شيءٍ بشعٍ صنعته هذه الجماعة، لكل المعاني التي شوّهتها، ولكل الأحلام التي سحقها مشروعها الظلامي.

في زمن الحوثي، لا يُسمع أذان الفجر بقدر ما يُسمع أزيز الخطب المحملة بالموت، ولا تُرفع أكف الدعاء بقدر ما تُرفع أيدي المليشيا لتحصد مزيدًا من الأرواح. رمضان لم يعد شهر العبادة، بل صار شهر الامتحان القاسي لليمني: إما أن يحتفظ بوعيه رغم كل هذا القهر، أو أن يتحول، رغمًا عنه، إلى جزءٍ من هذه العتمة.

لم يكن رمضان يومًا موسمًا للخوف، لكنه في يمنٍ تسوّره العتمة، بات كذلك. كان الشهر الذي تتسع فيه القلوب، وتحلق الأرواح في فضاء الإيمان والطمأنينة، لكنه اليوم أصبح زقاقًا ضيقًا، يحشر فيه اليمني بين جوعٍ لا آخر له، وخطاباتٍ لا فكاك منها، ونظامٍ يتغذى على ما تبقى من روحه. لم يعد الشهر شهرًا للصيام بإرادةٍ طاهرة، بل بات صيامًا قسريًا، لا عن الطعام فحسب، بل عن الحياة ذاتها، عن الفرح، عن الطمأنينة، عن القدرة على أن تكون إنسانًا غير محاصرٍ بالموت.

في زمن الحوثي، رمضان ليس شهرًا للتقوى، بل سوقٌ مفتوحٌ للنهب، حيث تتحول "الزكاة" من فريضةٍ دينية إلى فأسٍ لقطع آخر خيوط الحياة من بين أيدي الفقراء، حيث تصير العبادة بابًا آخر للابتزاز، وحيث يُنتزع من الناس ما تبقى لديهم من فتاتٍ بحجة التقرب إلى الله، وكأن الله يرضى أن يُسلب الجائع خبزه ليُثري الظالم خزائنه. في مدن الحوثي، ليست يد الفقير ممدودةً نحو الله بالدعاء، بل مكبّلةٌ بالضرائب، بالجبايات، بسلطةٍ لا ترى في اليمنيين سوى خزائن يجب أن تُنهب، وظهورٍ يجب أن تُثقل بالمزيد من الأعباء.

أما الليالي، تلك التي كانت قديمًا تنبض بأصوات المساجد، وتترقرق فيها أرواح العابدين، فقد تحولت إلى ساحة أخرى للقهر. لستَ حرًا في أن تختار ما تسمعه، بل أنت مرغمٌ على أن يكون صوت واحد هو كل ما يملأ الأثير: خطبٌ تتسرب إلى كل بيت كالدخان، لا تستأذن، ولا تطرق الباب، بل تتسلل إلى مسامعك، تفرض نفسها كقدرٍ لا مهرب منه. في زمن الحوثي، حتى الصمت لم يعد خيارًا، حتى أن تغلق أذنيك بات جرمًا، فإما أن تصغي، أو أن تصنف خارج السرب، وخارج السرب لا توجد حياة.

عند الحوثي، الظلام سيد الأزمنة، يصبح عليك أن تستمع لخطابات زعيم الجماعة الضالة، يوزع على الناس الموت كما يوزع عليهم وعوده الكاذبة، يخطب عن الفضيلة فيما جيشه يجرد الناس من أبسط حقوقهم، يتحدث عن العدالة فيما مليشياته تنهب الأسواق، ويرفع شعار "المسيرة الشيطانية "فيما يطارد كل معنى للنور. أي سخرية تلك أن يتحول شهر الإيمان إلى موسمٍ لصناعة المزيد من الظلام؟

رمضان، الذي كان شهر الطمأنينة، صار اختبارًا مريرًا لليمني: كيف تحتفظ بروحك وسط هذا الجحيم؟ كيف تبقى إنسانًا بينما تُسلب منك إنسانيتك كل يوم؟ كيف تحافظ على يقينك بينما تُفرض عليك طقوس العبودية في كل ليلة؟ في يمن الحوثي، لم يعد الصيام طاعةً، بل صار قسرًا، ولم يعد الاستماع خيارًا، بل صار قهرًا، ولم يعد رمضان شهر الرحمة، بل صار موسمًا آخر لصناعة المزيد من العتمة.

| كلمات مفتاحية: رمضان|الحوثي|الناس

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024