الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

ما الذي ينقصنا في معركتنا الوطنية؟!

‫كتابنا‬| 8 فبراير, 2025 - 6:37 م

تساؤل مشروع ومختمر بالمنطقية يدور في خلد كل يمني وطني حر سئم الصورة المتبلدة المرسومة على جبين طبيعة المعركة الوطنية ضد الحوثي التي تحولت إلى عقدة نفسية منهكة في البحث عن إجابات مغلقة لمثل هذا التساؤل المفتوح الذي يؤرق اليمنيين يوماً إثر أخر، وغالباً ما يتم الرد عليه بإحالة الموضوع إلى سياقات أخرى غير مفهومة أو غامضة أو التعلق بذرائع تقلل من تحملنا مسؤولية الوضع القائم واتساع الهوة بيننا وبين حلمنا في دحض هذه المعادلة، وفرض واقع يمني جديد سياسياً وعسكرياً واجتماعياً واقتصادياً.

كلنا مجمعون على عدواتنا للحوثي وخطره المزمن على مصيرنا كمجتمع ودولة، لكن ينقصنا ترجمة هذا الإجماع وتحويله من موقف إلى فعل، ورسم ملامح هذا الفعل في الواقع وإحداث تحول كلي في منظور المعركة وماهيتها والاستعداد لها، لكن ثمة اختلال يعيق هذه الخطوة ويشتت بلوغها والانشغال بمتاهات خارج صلب هذا التحدي والتجهيز الملائم له.

فبالمقارنة بين مشروعيتنا السياسية والدستورية والدولية وبين افتقار عدونا لكل هذا إلا أننا نجده أكثر إصراراً وعزيمة على المضي في تثبيت حضوره وتأكيد مشروعيته كما لو كان حقاً له ونحن حجرة عثرة في طريقه، وسعيه الكثيف في إجبار المجتمع على مساندته والوقوف معه بينما تقتصر المهمة عندنا على جيش مرابط في تخوم المدن وأطرافها، وانفصام المجتمع عنه عسكرياً، وخضوعه لتعليمات سياسية تقيد حركته وتكبح جماحه وتضعف استقوائه بالإهمال والتقصير وانقطاع الدعم عنه .

تمكن الحوثي من ملشنة مختلف شرائح المجتمع، وإخضاعهم لتعبئة طائفية ودورات ثقافية وتدريبات قتالية، ورفد الجبهات بالآلاف من حين لأخر، وكلما فقد الكثير منهم في المعارك دفع بتعزيزات أكبر من مخزون بشري لا ينضب، ولم يشكل نقطة ضعف فقده لكثير من عناصره في المعارك، وهذه النقطة مثلت أكبر تحد أمام القوى البشرية العسكرية للشرعية التي تعاني أو توقفت عن تجديد قواتها ومضاعفة جنودها لأسباب مادية وسياسية، ولم تتبنَ الدولة  طرق تطوعية للانضمام للجيش الوطني أو اعتماد التجنيد الإجباري كإثبات للمعيارية الوطنية من جانب أو لمساندة الجيش وموازته بعدوه، وتنشيط الجبهات بقيادات أكثر إرادة وأكثر حماساً لتحقيق تقدم على الأرض، واقتصر الأمر على الدفاع عوضاً عن الهجوم، ووضع الخطط لمباغتة العدو وإرباكه في أكثر من جبهة، وإعطاء مسألة الهدنة والالتزام بوقف الحرب أهمية قصوى نسفت كل جاهزية الجيش الوطني وجمدت برامجه، وجعلته عرضة للاستهداف الحوثي الدائم .

ولذا فإن المشروع الحوثي يولي جبهاته وعناصره وتحشيداته وتقوية عتاده أولوية قصوى، والاستعانة بخبراء تصنيع معدات عسكرية وتنشيط تهريب السلاح إليه من أكثر من مصدر، بينما الشرعية المعترف بها دولياً لم تضع في اعتبارها الاهتمام المماثل بهذا الجانب، والاكتفاء بدفع رواتب الجيش فحسب؛ دون العناية بتعزيز قدرة الجيش القتالية ودعمه بمعدات قتالية حديثة سواء بصورة ظاهرة التي توقف حدوث ذلك بعد وضع اليمن تحت البند السابع، لكن يمكنها اللجوء للطرق الخفية والتعاون مع جهات رسمية حكومية تود انتصار الشرعية في معركتها الوطنية كمصر مثلاً، وأن تكون مصرة على طرح مثل المطالب أمام أشقائها وأصدقائها المساندين لها كسلطة شرعية .

 ينقص معركتنا توحد كل القوى المنطوية تحت لواء الشرعية، وليس شرطاً الاندماج الكلي وإلغاء تموضعاتها العسكرية والسياسية، بل يفترض تبادل عناصر القوة العسكرية وتوافقها على تقوية هذا الجانب العسكري في إطار المعركة مع الحوثي باعتباره عدو الجميع، وليس منطقياً تمركز تلك القوات في مناطق خاصة بها دونما اشتراك في محيط وطني قتالي جمعي تسهم كل منها بقدر قوتها وطاقتها في إحداث تغيير لخارطة المعارك مع الحوثي واختراق تحصيناته، وإنتزاع ثقته بمليشياته دون إلصاق هذا التحرك بقرار سيادي من القيادة السياسية ومجلس القيادة وإرجاعه إلى موجات الكر والفر بين قوات الشرعية والمليشيات.

ومن ناحية أخرى ينقص المعركة الوطنية نجاح مؤسسات الدولة في تقديم الخدمات للمجتمع، ومكافحة فشل المؤسسات، وعجزها في إنجاز مهامها والقضاء على الفساد فيها، وتحسين الموارد والخدمات ومعالجة الأضرار التي يعاني منها الشعب، وتحقيق استقرار نسبي للعملة والتصدي للانهيار الاقتصادي، لكي تتوالد الثقة بين الناس والدولة، ويقف الجميع في صفها انحيازاً لمشروعيتها وتقديراً لجهودها في استتاب الاستقرار، فلا يمكن الانتصار ونحن بهذا التدهور المزري و المعانات المتفاقمة هنا وهناك، وانعدام الثقة بين الدولة والمواطن حال عجزها عن تحسين معيشته ومعالجة جزء من احتياجاته.

والحقيقة الغائبة في هذا السياق أن كل اليمنيين أفراداً ومكونات سياسية وأحزاباً وشخصيات اجتماعية وثقافية ورأس مال وتجاراً ونخباً بحاجة ماسة لإعادة تعريف علاقتنا بالمعركة الوطنية وتصحيح المفهوم  والمنظور الخاص بها، حيث الخطأ الفادح اعتبار أننا معفيين من إسهامنا في انتصارها، أو توهم أية أحلام أو طموحات فردية أو جمعية خارج نطاقها، وأن البعد عنها هو الهلاك، كون خطر خصمنا سيلتهم كل أوهامنا بالبقاء في ظل وجوده، شماله وجنوبه غربه وشرقه، باعتباره مشروع تدمير طائفي كلي لليمن، ولن يتزحزح أو يمكن التأقلم معه البتة، ولا يجدي معه إلا الانخراط في معركة وطنية جامعة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً لاستعادة مصير وطن، وتحرير إرادة شعب وإنقاذ مجتمع من الفناء، فلو امتلكنا قدراً مناسباً من الولاء الوطني والإحساس الإنساني والأخلاقي لما بقينا هكذا نحدق في الفراغ، ونبحث عن الحلول في كومة سراب، ونساعد عدونا في إنهاك بعضنا وإضعاف قدرتنا في التصدي له قبل أن يضعفها هو بيده.

ومن هنا فإن التفكير بشكل أعمق وبصورة أوسع سيجعلنا نرى الحقيقة علناً، وأن نتدارك إخفاقتنا، ونتمرد على حالة الجمود التي جلبنا عليها إقليمياً ودولياً وفرض علينا الالتزام بها على حساب مصلحتنا الوطنية ومستقبلنا الإنساني، لقد تعددت سبل معاناتنا، ولم يعد بوسعنا الاستمرار في مثل هذا التخلي، والاستسلام للمعطيات القائمة، ولن يصنع أحد غيرنا لنا وطناً، فنحن المعنيون باستعادته والقادرون على تحريره، سيتركنا الزمن خلفه والتاريخ في هامشه مالم نعيد صياغة حاضرنا، والشروع باختراق المحيط المغلق المجمد لمعركتنا.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024