- مختطفو العمل الإنساني لدى الحوثيين..الحكومة تنتقد الموقف الأممي الباهت و"هيومن رايتس" تطالب بتكثيف الضغوط على وقع التقدم المتسارع للمعارضة.. إيران تسحب عناصرها وقادتها العسكريين من سوريا اليمن..وزير الخارجية يبحث مع المبعوثين الأممي والأمريكي الانتهاكات الحوثية.. وواشنطن تقول إن "الصبر الدولي نفد" إب..مليشيا الحوثي تختطف أستاذاً جامعياً وتنقله إلى صنعاء "غوتيريش" يجدد دعوته للإفراج الفوري عن موظفي الوكالات الأممية والإغاثية المحتجزين لدى الحوثيين منذ 6 أشهر الجيش الوطني ينفذ عملية نوعية ضد مليشيات الحوثي شرقي "تعز" وقفة جماهيرية حاشدة في مدينة مأرب تندد بجرائم الاحتلال في غزة
صلاح الأصبحي
تعز بعد فتح المنفذ!
كتابنا| 15 نوفمبر, 2024 - 4:59 م
فرضت الحرب أولاً والحصار ثانياً على تعز نمطاً معيشياً خاصاً منبثقاً من طبيعة واقع الحرب عليها التي حولتها إلى خراب ومدينة أشباح بعد أن كان الموت يملأ حاراتها، ويلتهم سكانها بقسوة؛ فهجرت وغدت شبه خالية.
ومع تغير موازين الحرب وتشكل المقاومة بدأت الحياة تتأمن في بعض أجزائها بحذر شديد، وحين آل حالها إبان المعارك الضارية إلى حصار من ثلاث جهات انشطرت المدينة إلى نصفين، نصف مفتوح حوثياً لا يختلف عن باقي المناطق الحوثية، ونصف مغلق محرر شكل ملاذاً آمناً للسكان الذين فضلوا البقاء في كنف المدينة المبتور، وتماهوا مع شكلها الجديد بظروفه الصعبة، وخدماته المنعدمة وتشظي مصالحهم، وتشتت حياتهم التي ألفوها من قبل، فبدأوا استئناف حياة نجاة من الصفر كغرباء، على شاكلة المتاح والممكن والتموضع الذي بات واقعاً.
ظلت تعز محاصرة تسع سنوات حصاراً خانقاً حدد ملمحاً خاصاً بها، عزلها كلياً وقلل تدفق السكان نحوها، سواء العابرين إليها، أو العائدين للإقامة فيها، فلم تعد بذلك الزخم، وقد تبعثر أهلها في الداخل والخارج، ولم يبق فيها إلا المولع بها المقدس لمعناها ومبناها والمضطر والعاشق والذي لا يملك خياراً آخر.
بقيت مستوعبة عدداً محدوداً من السكان، يتوافق استيعابها مع عدد قاطنيها، ويظهر الانسجام بين السكان وظروف المعيشة بشكل نسبي مقارنة بالشطر الآخر من المدينة، ورغم قسوة الحصار إلا أن الحياة فيها كانت مستقرة نسبياً، ومكابدة الظروف أقل حدة من وقت لاحق سيقلب مزاج الواقع ويعكر صفو السكينة والاستقرار.
كان الاستبشار طاغياً والفرحة عارمة بفتح المنفذ بالنسبة لسكان المدينة بعد سنوات من العبور على طرق شاقة للأفراد والبضائع، وحلماً طال انتظاره، لتسهيل عملية الخروج والدخول منها وإليها، وتخفيف تكاليف إيصال البضائع الواردة من خارجها، واستبعاد أن يكون لفتح المنفذ أضرار جانبية محتملة تؤثر على حياتهم وتنغص معيشتهم.
فمنذ الوهلة الأولى لفتح المنفذ كان التدفق من خارج المدينة نحوها مرعباً، غير ما هو متوقع، بصورة تظهر أن المحاصرين من كانوا خارجها وليس من هم في الداخل، واستمر هذا التدفق في ازدياد مهول يوماً بعد آخر، وكان أغلب الظن أن هذا الكم الكبير من الوافدين مجرد زائرين فحسب، دفعهم الحنين للدخول، لكن مع مرور الأيام تبين خلاف ذلك، اتضح أن آلاف الأسر عازمة على السكن في المدينة بأي ثمن، فقد سأمت البقاء في نطاق سلطة المليشيات الحوثية.
أصبح الطلب على المساكن والشقق في المدينة كبيراً والمتاح قليلاً، فلم يكن هناك فراغ كبير يستوعب الباحثين عن سكن؛ فتغير منطق الواقع الإسكاني في المدينة، وبات البحث عن مسكن بورصة اللحظة، والاستئجار المغري كفيل بقلب موازين الاستقرار، وفتح شهية ملاك العقارات لتضييق الخناق على المستأجرين القدامى، ومطالبتهم بضعف ما كانوا يدفعونه قبل فتح المنفذ أو إخلاء بيوتهم لتأجيرها للوافدين بالعملة الصعبة، وهكذا بدأت أزمة السكن تتفاقم واستشعر السكان حجم الكارثة التي جلبها فتح المنفذ وانقلاب الابتهال إلى عجز في مجاراة هذا التهور.
تغير وجه المدينة بعد فتح المنفذ سلباً، وتبدلت تشكيلاته، كانت حركة السير فيها منتظمة وتمضي وفق قواعد مرورية منضبطة، لكن التدفق الكبير عليها وكثرة المقيمين الجدد فيها خلق أزمة خانقة في الحركة، الشوارع مكتظة بالمركبات والدراجات النارية وباصات الركاب، نظراً لضيق شوارعها، هذه المعضلة أحدثت شللاً في الحركة وتكدساً خانقاً في المرور.
الإقبال الشره على اقتناء بعض السلع والمستلزمات منذ الأيام الأولى عمل على انعدام بعضها أو ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، معدات طبية وبعض الأدوية التي تحتكر المليشيات استيرادها أو تعجز عن توفيرها كانت المقصد الأول لكثير من الزوار كظاهرة ملفتة أدت إلى شحة توافرها في صيدليات المدينة وارتفاع ثمنها إلى الضعف، كذلك استقبال مستشفيات تعز حالات مرضية قادمة من خارج المدينة تفوق طاقتها؛ مما شكل صعوبة لدى أبناء المدينة المرضى وافتقارهم للرعاية الطبية التي كانت سائدة سابقاً.
حتى المدارس نالت نصيبها من هذا التضخم، فالحكومية منها ممتلئة من جانب ومستواها التعليمي متدني من جانب آخر، وكانت المدارس الأهلية هي البديل الأنسب الذي لجأت إليها الأسر لإلحاق أبنائها بها وبأسعار معقولة، ألا أن العام الجديد كان مراً، زيادة الرسوم بعد تدفق تلاميذ جدد من أبناء أسر المغتربين الذين سكنوا مؤخراً.
وعليه فإن تأزم سكان المدينة في السكن والعلاج والتعليم مثل عبئاً ثقيلاً طارئاً، وبالأخص أن أغلبهم موظفون حكوميون معلمون وجنود لا تتجاوز مرتباتهم أكثر من أربعين دولاراً غير كافية لموازة هذا التغير المادي المفاجئ في واقعهم المزري.
قد يدعي البعض أن هذا التحول أحدث حراكاً اقتصادياً ، لكن لصالح أصحاب رأس المال من تجار الجملة والتجزئة وأصحاب القطاع الخاص وملاك العقار الذين وجدوا مستهلكين جدد مربحين لهم خلافاً للمستهلكين المعوزين ذوي الدخل المحدود الذين فوجئوا بسقوطهم إلى الهامش المادي لاستفحال الغلاء الفاحش في أسعار السلع ومستلزمات الحياة.
الذي أفرز هذا الوضع القائم أن المدينة تستقبل كل يوم كثير من الناس من مختلف المحافظات قادمين إليها للترفيه والزيارة بدافع أن فارق الصرف في العملة يتيح لهم الاستمتاع بقضاء عدة أيام فيها بتكاليف أقل مقارنة بالمناطق الحوثية.
قد يعتبر البعض أن هذه الإشكالية الجسيمة التي حلت على أبناء تعز بعد فتح المنفذ ليست حقيقية أو منطقية ووضع أي اعتبار لها يعد انحرافاً في الوعي السياسي وتحيزاً مناطقياً وتوهماً غير واقعي، لكني أؤكد أن هذه هي الحقيقة التي فاقمت الوضع المعيشي في تعز، وكدرت معيشة الغالبية العظمى من سكانها الذين قدموا أرواحهم ورؤوسهم من أجل تحرير المدينة والدفاع عنها منذ عشر سنوات، منهم الشهداء والجرحى والمرابطين في الجبهات، والمواطنين الذين تحملوا أقسى تهديدات الموت في الحرب الحوثية أو في السِلم متحملين صعوبة البقاء، مصارعين كل العوائق المانعة للبقاء فيها، والآن أصبح وجودهم فيها مهدداً بالنفي والتخلي عن بقائهم لعجزهم المادي وتكالب اللحظة عليهم بمستجداتها والطارئ فيها.
يجب النظر للمسألة عن كثب ووضع معالجات قانونية تنظم حالة الإسكان المزدحم وتوفر بيئة مناسبة للجميع بما يضمن التعايش والانسجام وتحمل قساوة الظروف على من هم في الداخل ومن جاؤوا من خارجها، فتعز حاضنة للجميع وصدرها واسع لاستيعاب الكل واحتضانهم بترحاب وأمان.
مقالات ذات صلة
كتابنا | 25 نوفمبر, 2024
لماذا يجب محاسبة نبيل شمسان؟
أراء | 16 نوفمبر, 2024
عن خيار المقاومة الذي ننظر باحترام إلى إنجازاته ونهرب من تبعاته
كتابنا | 16 نوفمبر, 2024
لا ثومة ولا بصل.. تفاح
كتابنا | 8 نوفمبر, 2024
الثابت والمتحرك في الشرعية اليمنية؟
أراء | 7 نوفمبر, 2024
ترامب رئيساً مجددا.. ماذا يعني هذا لليمن؟