- هل تتغير إستراتيجية واشنطن في مواجهة الحوثيين باليمن؟ تقارير أمريكية تضع سيناريوهات جديدة منها "استهداف القيادات" أبين.. مشادة كلامية تودي بحياة شاب طعنًا بالسكين والشرطة تضبط الجاني برنامج الأغذية العالمي يؤكد حاجته لتمويل بقيمة 16.9 مليار دولار برشلونة يتعثر أمام سيلتا فيغو وأتليتيكو مدريد ينجو من فخ ألافيس غزة.. استشهاد 120 فلسطينيا خلال 48 ساعة والاحتلال يجبر سكان حي الشجاعية على النزوح اليمن.. الأرصاد يتوقّع هطول أمطار متفاوتة الشدّة خلال الساعات القادمة الأمم المتحدة: فرص الحد من الإصابة بالكوليرا في اليمن لا تزال مقيّدة
صلاح الأصبحي
إب.. الغنيمة الحوثية الكبرى!
كتابنا| 18 أكتوبر, 2024 - 5:12 م
عقب انقلاب مليشيات الحوثي على الشرعية واندلاع الحرب عام 2015، احتفظت مدينة إب بشكل خاص من التعايش والتناغم مع الوباء الجديد الذي أصابها، وفضلت تجنب المقاومة؛ وأصبحت واجهة للنزوح من صنعاء أو تعز أو عدن باعتبارها المدينة الوحيدة في اليمن التي تنعم باستقرار نسبي، وحياة هادئة قصدها النازحون وأصحاب رأس المال والميسورون لاستئناف حياتهم فيها.
لكن المدينة كانت تجهل أن هذه السمة الايجابية فيها ستصبح نقمة تكلفها الكثير من المآسي الصامتة والخسارات العميقة إبان تحولها إلى مدينة مزدحمة بالسكان، ذات انتعاش اقتصادي وحركة تجارية نشطة، وتوسع عمراني في البناء وتمدد سكاني ربط المدينة بالحضر، وعجز في استيعاب الوافدين أدى إلى نموها المتسارع في الإعمار، والاستثمار في العقار ليغدو المحرك الأول للحياة والواقع فيها.
هذا التغير الديموغرافي الجديد فتح شهية الانقلاب، وأشعره بغنيمته الكبرى ودفعه لتحديد صيغة خاصة لإدارة المحافظة وإحكام سيطرته عليها، فأصبحت حالة استثنائية في نظر سلطة مليشياته، وممارسة تلك السلطة صلاحياتها ومهامها بنمط مغاير للصورة العامة للسلطة الحوثية في مختلف المدن، حالة قائمة على العبث والفوضى والاستحواذ، واستهتار متضخم، واستباحة مطلقة للأرض والإنسان؛ فبدت المدينة كغنيمة حرب وأرض مهدورة تلتهمها الأسر السلالية المتعطشة للنفود والسطو والثراء، كونها غنيمة مغرية بطبيعتها وجغرافيتها وأهلها المسالمين الذين يتجنبون شرور الجماعة بالرضوخ والمال.
فنالت نصيب الأسد من الاستلاب مع صمت مطبق وإذلال ممنهج واستقواء بشرعنة تلك السلوكيات باسم "مؤسسات الدولة"، كمكتب الأوقاف والأشغال العامة، أو بشكل تعسفي فردي لمشرفين نافذين، ويستعصي على المظلوم العثور على منقذ أو مجير ينصفه من الاستيطان الهاشمي.
يتهافت المشرفون السلاليون ويسيل لعابهم كلما حظيوا بمهام إشرافية وإدارية أو مناصب قيادية وتعيينات رسمية في نطاق مدينة إب أو في مديرياتها لممارسة شبق النهب، وبلوغ حلم الثراء والنفوذ بقليل من الحيلة والمخاتلة والتبختر بتطبيق القانون باسم الدولة؛ بل أن أغلب المشرفين يتبعون قيادة الصف الأول للجماعة ويتلقون أوامر مباشرة منها، ويحققون لها إيرادات خيالية عبر مناصبهم، ويديرون مشاريع استثمارية ضخمة تابعة لها حرفياً في المدينة، من عقارات استراتيجية ومولات تجارية وافتتاح شركات ومصانع وإقامة أسواق جديدة منافسة للأسواق القديمة-كما حصل مؤخراً في افتتاح سوق جديد للخضار في منطقة السبل وإغلاق السوق القديم في الظهار- كاستحواذ تجاري سلالي شامل على حركة الاقتصاد والبناء والعقار، لدرجة أن سعر العقار في إب يتفوق على دبي، بسبب الثراء الفاحش المفاجئ للأسر السلالية التي اتخذت من إب مركزاً تجارياً خاصاً بها بلا منازع وإقصاء كل منافس.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا يحدث كل هذا في إب؟ لأن التركيبة السيكولوجية للمجتمع في المدينة وريفها قائمة على اختلالات ونزاعات متداخلة بين الطبقات الاجتماعية بشأن الصراع على العقارات العامة الحرة والعقارات الخاصة التابعة للأوقاف، وهذه الإشكالية تعد مرتكزاً يشغل بال السكان الملاك والنافذين والمتهبشين والقضاء، وتكمن أسباب هذا الوضع العقاري المضطرب في تغلغل نفوذ المشايخ الإقطاعيين المتمرسين في هذا الجانب، وقدرتهم على فرض التبعية والانقياد المجتمعي ليتحولوا كسماسرة- هم وقيادات السلطة المحلية والأعيان- للمشرفين الحوثيين لنيل حظوة عندهم وتجنب السطو على ممتلكاتهم الخاصة.
هذا التواطؤ إضافة إلى غياب الوعي المجتمعي وتضخم الصراع البيني عند العامة، ورغبتهم العارمة في امتلاك الأرض دفع بالسلاليين إلى وضع الاستيلاء على الأراضي المهمة الأولى لحضورهم كسلطة، فعمموا شعار (كل أرض خاصة أو عامة تتبع الأوقاف)، فغرقت إب في مستنقع من النهب والسلب، وكل هذا سببه الثمن الباهض للأراضي والعقارات والتوسع المهول في الريف والحضر، وتدفق رأس المال واستثماره في إب من قبل التجار والمغتربين الذين يشكلون نسبة كبيرة فيها.
يتزعم مكتب الأوقاف مهمة قنونة الغنيمة وتحليل امتلاكها من خلال استحداث نظم مبتكرة، ولوائح جديدة تشرعن تحقيق رغبة العصابة السلالية في التملك غير القانوني والتصرف غير الشرعي، سواء بإخفاء الوثائق أو التحيز معهم ضد ملاكها الحقيقيين، حيث عمل المكتب على ابتكار تعيينات جديدة لمخبرين تابعين للمكتب في المدينة والمديريات، لتزويده بمعلومات يومية تتعلق بالأراضي التي لا سلطة قانونية له عليها، كما أصدرت وزارة العدل ومحاكم إب تعليمات برفض عقود بيع وشراء الأراضي إلا بموافقة الجهات المختصة لديها.
كما استدعت وزارة العدل الحوثية جميع الأمناء الشرعيين للتحقيق معهم واحتجاز معظمهم- وإطلاق سراح من تثق بهم وقَبِل العمل وفقاً لشروط الوزارة- ومنعهم من تحرير أية وثيقة بيع وشراء حتى يأتي البائع بوثائق الملكية الأصلية لمن سبقه، ورفض وثائق ملكيته الحالية ولو كانت معمدة في المحاكم قبل الانقلاب كذريعة للحيلولة بين المالك وما يملك.
ومن غرائب أوقاف إب إصدار تعميم يفيد بأن الأراضي المحيطة بأية مقبرة في عموم المحافظة تعتبر تابعة للأوقاف أوتوماتيكيا حتى لو كانت المقبرة نفسها موقَفة من قِبَل شخص ما، ولا تمتلك الأوقاف في المنطقة كلها شبراً واحداً، أما بالنسبة للمستأجرين من الأوقاف فقد ذاقوا الويلات، وفرضت عليهم أجوراً خيالية أو إجبارهم على الخروج من منازلهم هذا بالنسبة لمدينة إب، وإصدار قوانين بتحويل ملكيتها لصالح مشرفين مقربين من الجماعة ومن ذات الطينة.
وإذا كنا نسمع هنا وهناك عن عملية سطو فردية، أما في إب فإنها سلوك مركب ونظام مكتمل مقنون ومحمي باسم "الدولة ومؤسساتها"، والجدير بالذكر ليس مكتب الأوقاف من يمثل بنية الغنيمة فمكاتب الأشغال والبلدية والضرائب والواجبات هيئة الزكاة والقضاء، تعبث جميعها بالمال العام والخاص، وتنتزع مبالغاً خيالية حتى في الجبايات والإتاوات في المناسبات الحوثية المختلفة خلافاً لعملها في المحافظات الأخرى التي لا تؤدي مهامها بالشكل الاختلاسي السائد في إب.
ولأجل هذه الغنيمة التي أهدرتها الجماعة وزعيمها للمشرفين والتابعين لها يعبثون بها كما يشاؤون، كهبة إلهية لآل البيت والسلالة ككل فإن المليشيات تفرض قبضة أمنية حديدية على المحافظة وتمارس القمع والترهيب بشكل فضيع، خوفاً على مركزها التجاري ومصدر ثرائها ومنبع إيرادتها المهولة، حيث تغفل وسائل الإعلام والنخب في تعرية هذه القضية وفضح خيوطها وكشف صورها، لأن أبناء المدينة وقاطنيها يعجزون تماماً عن إبراز هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه إب تجنباً للبطش وخوفاً من التنكيل الحوثي الذي لا يرحم من يفضح سره وخاصة في الجانب المادي.
مقالات ذات صلة