- صحف أمريكية: إسرائيل تركز على تهديد الحوثيين باليمن رغم أن صواريخهم تتجنب إيقاع خسائر غوتيريش: هجمات إسرائيل باليمن تشكل خطراً جسيماً على العمليات الإنسانية محمد صلاح المتألق يقود ليفربول لإسقاط ليستر سيتي بثلاثية عارضه الكابينت وشنته 100 طائرة.. تفاصيل الهجوم الإسرائيلي على اليمن بعد سلسلة غارات اسرائيلية.. تصريحات حوثية متناقضة حول موانئ الحديدة سوريا: قتيلان وجرحى من الأمن في مواجهات مع مسلحين بريف حمص مانشستر يونايتد يسقط أمام وولفرهامبتون والسيتي يواصل التعثر وفولهام يخطف فوز من تشلسي
صلاح الأصبحي
عزلة اليمن ثقافياً!
كتابنا| 29 نوفمبر, 2024 - 5:07 م
طوقت الحرب عنق اليمن، وفرضت عليها حصاراً خانقاً في الجانب الثقافي للدرجة التي أصبحت معزولة ثقافياً، والعزلة هنا تعني انفصالها عن المشهد الثقافي العربي من ناحية، وظهور ثقافة دخيلة ناشئة تؤكد هذا الانفصال وتعزز من حضوره، واستغلال ظرف الصراع السياسي لاستبعاد الهوية الثقافية المرتبطة بالهوية الوطنية، حيث التحول من أروقة الإبداع والفنون والمسرح إلى متارس القتال ومنابر التطرف، وخطاب العنف ولغة الكراهية، وتغييب الكُتب وقطع الصلة مع عالم التثقيف والقراءة والطباعة والنشر، وإحلال ثقافة الموت بدلاً عن ثقافة الحياة، وثقافة الرجعية عوضاً عن ثقافة التحضر والتمدن والحرية.
لهذه العزلة عدة صور بعضها مرئية مباشرة، وبعضها لا مرئية غير مباشرة، فعلى السطح يحضر الغياب الثقافي كعلامة بارزة، فمنذ لحظة الانقلاب انقشع المفهوم وتلاشت أدواته من حياة النخب، تهاوى المشهد الثقافي كلياً وفقد ملامحه.
فمن الناحية الرسمية تهشمت وزارة الثقافة واختفى أثرها، فلم يعد لها معنى في إطار حكومة الانقلاب أو الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً التي دمجتها مع وزارتي الإعلام والسياحة كحقيبة وزارية واحدة بوزير واحد، هذا التهميش الرسمي وضع الصفعة الأولى في جبينها، وقلل من أهميتها باعتبار اللحظة التاريخية لا تستدعي الاعتناء بالشأن الثقافي وتنشيط فاعليته .
عقد من الزمن لم يقم معرض كتاب دولي واحد في اليمن، بعد أن كانت صنعاء تحتضنه سنوياً، وإذا كانت صنعاء محتلة فعدن محررة لكن الوزارة الشرعية المعنية بالأمر لم يعد يخطر ببالها مثل هذا الحدث، أصبحت اليمن منسية بالنسبة لدور النشر العربية، ولم يدخل اليمن كتاب منذ ذلك الحين، لا بشكل رسمي ولا بشكل تجاري، ولم يعد هناك دور نشر محلية تستطيع طباعة الكتب محلياً وتسويقها عربياً في معارض الكتاب، أو حتى احتواء النتاج الإبداعي والفكري محلياً، والمصيبة أن مركز عبادي للطباعة والنشر أوصد أبوابه قبيل الحرب، وانتهى عصر الكتاب في الشارع اليمني.
عملت المليشيات الحوثية في صنعاء على شل حركة المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة، فقد حولت المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة إلى مراكز تجارية كالمركز الثقافي والاستيلاء على مبنى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في ذمار، ودمج مركز الدراسات والبحوث اليمني- الذي كان يترأسه عبدالعزيز المقالح ويتبع جامعة صنعاء- مع مركز البحوث التربوية وشتان ما بين مهامهما واختصاصاتهما كحيلة انتقامية لطمس دوره الكبير في توثيق تاريخ الحركة الوطنية والسياسية اليمنية لعقود واسهاماته العميقة في إرساء دعائم الوعي الوطني والثقافة الإبداعية محلياً وعربياً.
ونظراً للقمع الحوثي هناك فقد جمدت كثير من المراكز الثقافية الخاصة كمؤسسة إبداع والعفيف وبسمنت ومراكز أبحاث سياسية وفكرية، وتوقف إصدار المجلات والدوريات بشكل نهائي، ولم يعد هناك إلا الملازم الحوثية والكتيبات الطائفية ومقررات التشيع تغمر مختلف القرى والمدن القابعة تحت قبضة الانقلاب.
طبعاً هذا المشهد التثقيفي الحوثي ضخم جدار العزلة الثقافية لليمن، وزاد من بعدها عن خارطة الثقافة العربية سواء على مستوى السلوك أو على مستوى الإبداع، فالمبدعون اليمنيون القابعون في تلك المناطق هجروا مواهبهم، وتنصلوا عن تجاربهم الثقافية؛ طالما فقدوا حريتهم التي تعد شرطاً أساسياً لتدفق نتاجهم، أسماء كبيرة ولامعة اختفت كون المناخ الثقافي ملغماً بالقمع ومفخخاً بالتطييف.
كان من المفترض أن تقوم وزارة الثقافة الشرعية بدور تاريخي في إرساء الحضور الثقافي لليمن، ومضاعفة جهودها لاستئناف دوره داخلياً وخارجياً، لكنها همشته بشكل مخز، ولم تترك له ملمحاً يثبت بقاءه، فلا أنها أولت اهتماماً بالمبدعين ولا احتوت المثقفين ولا أشركتهم في الحياة السياسية أو حفزتهم لمواصلة دورهم في ظل التحديات الفكرية والثقافية، ولا أنها حافظت على المعالم التاريخية والقطع الأثرية اليمنية التي تناثرت في مختلف مزادات العالم، دون أن تبدي الوزارة أية ردة فعل إزاء هذا الانتكاس الثقافي والطمس التاريخي لهوية اليمن الثقافية، وتجفيف منابع وجدانها وخيالها وإبداعها.
سيمفونيات غنائية وجلسات موسيقية تقام في الخارج برعاية مؤسسات مجهولة ذلك كل ما تقدمه اليمن ثقافياً وتدعي وزارة الثقافة الإشراف عليها دون أن يكون لها يد في إقامتها، كمحاولة من القائمين الفعليين عليها للظهور بشكل رسمي ينتمي لليمن وثقافته وفنه.
الخيط الوحيد الرابط بين اليمن والخارج ثقافياً هو وجود داري نشر يمنيتين تجاريتين في القاهرة تشاركان باسم اليمن في معارض الكتاب، لكن هذين الدارين تطبع للمبدعين والكتاب اليمنيين المقتدرين على تحمل تكاليف النشر فيهما، أما بقية الكُتاب العاجزين عن طباعة أعمالهم في الخارج فهم كثر، ولذا تجد الإنتاج الثقافي اليمني ضئيلاً مقارنة بعدد مبدعيه ومفكريه وكُتابه.
يحاول كثير من المبدعين شعراء وروائيين وموهوبين كسر طوق العزلة بتقديم مشاركات عربية وعالمية لكنهم يسقطون في الجولات الأولى، حيث يعاملون بازدراء ودونية؛ نظراً لتدني مواهبهم أو للتجاهل المتعمد لقدراتهم إن كانوا على قدر عال من الاحترافية؛ كونهم ينتمون لبلد ممزق في الصراع والعجز كلعنة جغرافية يدفعون ثمنها باهظاً، وتتحمل الدولة التي ينتمون إليها جزءاً من خيبتهم وتقهقر حضورهم، بخذلانها لهم وإعاقة إبراز قدراتهم الفنية والإبداعية خارجياً .
وبإمعان النظر في أبعاد هذه الإشكالية سنجد أن التشظي السياسي صاحبه تشظ ثقافي متصل بالفعل السياسي القائم في كل مربع يمني، إذ غدت الثقافة كحالة وجدانية إبداعية متجاوزة كل الأطر الضيقة منكمشة في تبعية سياسية تتبنى أفكار مؤطرة وأوهام متقزمة أفرزتها اللحظة السياسية المتأزمة لينزلق الإنتاج الثقافي إلى إذكاء الملامح الطائفية والمناطقية والتشطيرية والنزعات الإيديولوجية.
فالتأثير السياسي على الثقافة أضعف نتاجها وحط من قدرها، كان الإبداع أفقاً ثقافياً جامعاً يمثل الفكر والهوية والقضايا الوجودية وملامح المستقبل والانغماس في معضلات الحاضر اليمني، أما معطياته الآن أصبحت مجرد تناقضات وتوهمات وتأطيرات شتت الوعي الثقافي اليمني وجعلت مخرجاته باهتة شعراً وسرداً وفناً وتشكيلاً وفكراً؛ فتعددت أسباب العزلة وتكاثرت صورها.
والأخطر من كل هذا أن هناك تآكلاً ثقافياً من داخل المشهد الثقافي، وتراجعاً إبداعياً غريباً، إذ صنعت الميديا جيلاً متطفلاً على الثقافة، مستهيناً بطبيعتها وأدواتها، مستسهلاً البروز باسمها وانتحال صفتها بناءً على وعي جمهور سطحي يتلقى نتاج هذا الجيل ويتخذه نموذجاً، وليس هذا وحسب؛ بل نسف المستوى الثقافي والإبداعي اليمني المنجز في العقود المنصرمة، والتقليل من شأنه ومكانته، بدلاً من اتخاذه نقطة انطلاق نحو التطور والتحديث وموازة الإبداع العربي وتمثل أساليبه التجديدية.
إذا لم تنبثق حالة تصحيح ثقافي تتبناها جهات رسمية وخاصة ونخب فكرية وثقافية وإبداعية تعيد تشكيل الوعي وترسم ملامح تجاوز عثراته، وتبطل دوافع ذلك الانحطاط والتردي، وتأخذ بيد المبدع الحقيقي وتقطع الطريق أمام كل متطفل سواء كان كاتباً أو ناقداً أو قارئاً من مدمني الترندات وصانعي موجات الشهرة بآرائهم العبيطة المثيرة للسخرية والغباء فإن اليمن سيتقوقع على ذاته وتزداد حدة انغلاقه وعزلته، وتتلاشى صورته الثقافية المشرقة التي عمل معظم رموزنا الثقافية على مدى عقود على إبراز حضوره الثقافي ومنافسة أقرانه من أقطار شقيقة وصديقة بأعمال كبيرة وتجارب عميقة ونتاج فني وفكري ونقدي مشهود في الثقافة العربية .
مقالات ذات صلة