الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

11 فبراير استلهام الذكرى لكسر تحديات اللحظة

‫كتابنا‬| 2 فبراير, 2025 - 4:03 م

 لطالما كان الحادي عشر من فبراير ثورة جامعة سقفها حالم بإيجاد وطن حقيقي خال من تعقيدات الماضي وإشكاليات الحاضر؛ فإن مفهومها يتجدد مع معطيات الواقع واستيعاب أبعاده ومخاطره، وقيمتها تتركز في استعادة ذلك الحلم وتداخله مع تحديات اللحظة الراهنة؛ للانطلاق صوب المستقبل وتجاوز عوائق الانشطار وبوادر الاستسلام للهزيمة، واستغلال كل الظروف لانبثاق حالة مستعصية على الانكسار، مستلهمة غاية الخروج من كل تأزم والتغلب على كل خيبة.

انحياز فبراير للنظام الجمهوري ومبادئه السامية في المقام الأول، وأفقها المفتوح المرن في العمل السياسي وإخلاصها الوطني البحت في المقام الثاني سيجعلها فكرة حيوية وعطاء، وسيسري فعلها الجاد في الحفاظ على مكتسبات أهدافها المحورية وممارسة نشاطها الجمعي وفقاً لقاعدة التخلق السياسي وتطوير الوعي الوطني وتحقيق مصالح كلية تشمل مختلف أطياف القوى الوطنية الفاعلة والساعية في استعادة الأرضية الجمهورية التي سينعم الكل بظلال الحرية والديمقراطية والعمل السياسي المشترك.

فقد أثبت لنا واقع محيطنا العربي أن الغايات الجمعية مصيرها الفلاح مهما تكبدت عناء الوصول، وواقعنا اليمني جدير ومؤهل لاحتضان زخم وطني جامع يستأنف ألقه النضالي ويستعيد توهجه السياسي لتشكيل موجة جارفة للتحديات ومتجاوزة للإخفاقات نظراً لاكتسابها تجربة ومعرفة في اكتشاف نقاط ضعفها، وتمكنها من تبني حالة جديدة من الوعي السياسي القادر على النهوض بلا أخطاء والتخطي بلا إخفاق.

فحين انبلج فبراير كثورة شعبية انطوت في ظلالها مختلف القوى الفاعلة في المشهد من أحزاب وتنظيمات ومكونات سياسية وحراكات تنظيمية ونخب ومثقفين وجماهير عريضة لما حمله هذا الفعل من التقاء للمطالب واستيعاب للمظالم ونأي عن سمة التطرف والإلغاء والتهميش كون هذه السمات الثلاث كانت تشكل نقاط الاختلاف والتنافروالتشتت، وما أحوجنا اللحظة لنفيها واستبعاد حضورها؛ لكي نصنع تحولاً في الحاضر ونظفر بالمستقبل؛ لأن الطبيعة الديماغوجية اليمنية تحتم علينا اختيار الصيغة السياسية الجامعة الملائمة لاحتواء حضورنا السياسي وأحلامنا الوطنية، فليس هناك غاية أخرى منحرفة عن سياق التوافق والتشارك والتنصل عن أوهام الفردانية والعصبوية والانحيازية المغلقة.

إذا كانت فبراير كثورة مبنية على كشف الأخطاء لا للبقاء في أروقتها وإنما لتركها خلفها وتأسيس صورة جديدة مستوعبة المخاطر الوجودية التي يتعرض لها مصير وطن يغرق في التيه، ويتشظى بالشرنقة ويجب تداركه قبل فوان الأوان، وفقدان السيطرة والقدرة على إنقاذه، وهذا الأمر يوجب علينا أن نتحمل مسؤولية تاريخية خطيرة نثبت أمامها ونحول دون وقوعنا في هاوية السقوط وتلاشي وطن ينازع أعتى عدو سلالي داخلي ويطمس هويته ومناخه السياسي الديمقراطي المنافي للعنصرية والقمع السياسي وكبت الحريات.

اليوم نقف جميعاً أمام تحد كبير مرعب يستدعي إذابة التحديات البينية المفتعلة والتي كانت تشكل حجرة عثرة بيننا؛ ليتسنى للتحدي الإمامي الأكبر التهامنا بكل تفاصيل اختلافنا وابتلاع جمهوريتنا كفكرة وواقع حتى استشعرنا ضعف وطنيتنا وهشاشة إخلاصنا لها، وضحالة تقديرنا لعظمتها ونعيمها الذي يرتبط مصيرنا ووجودنا وكرامتنا به كساسة وعامة، كشعب ودولة، كقبيلة ومجتمع مدني، وقد دفعنا ثمن تخاذلنا وثمن انحرافنا عن فعل الانتماء الحقيقي لها، ولذا فإن إعادة الاعتبار لهذا المسار الجوهري الجمهوري سيمثل بنية أساسية ضامنة لتشكلنا السوي ووعينا الوطني، وقد كان فبراير حريصاً على تعزيز هذه الروابط بيننا وبينه لكننا أهملنا ترشيده لنا، أما الآن فقد وعينا الدرس وأصبح وعينا وتفكيرنا ونضالنا وطموحنا يستمد حركته من هذا المسار باعتباره خطاً أحمراً لا جدال فيه كيقين ثابت وعقيدة راسخة.

والحقيقة الأخرى التي تضمنها فبراير أنه لم يستهدف سلطة قائمة لشخصها وإنما استهدف ذلك النمط الصنمي الأبوي الذي بات متفشياً في الواقع اليمني سياسياً واجتماعياً وثقافياً وأيديولوجياً، حيث يتوجب تبني التغيير ونبذ الصنمية كفكرة منهجية سارية في أنماط الفعل السياسي والاجتماعي، وبث قوى جديدة شابة تمتلك الإرادة والعزيمة كأساس لقبولنا بالتغيير كمنهج وليس كخطاب حتى لا يبقى هناك انفصام وجمود، وخاصة في هذه اللحظة الحرجة فإن إفساح المجال لقيادة شابة عندها حس وطني ناصع ووعي متقد بلا عقد ولا ولاء إلا للوطن سيغير حالة الجمود والترهل، ويقلل من كهولة النضال السياسي ويجعله فعلاً مؤثراً على الأرض وليس موقفاً مختزلاً في موقف خطابي متجمد.

فالثقة بجيل جديد مستنير برؤى وطنية مغايرة خطوة مهمة في تحريك المياه الراكدة في واقعنا السياسي، وتفعيل دور المرأة والعمل المدني وإرساء ثقافة التنوع والاختلاف والقبول بالآخر كلها نماذج سليمة تدفع نحو تخلق حالة صحية من الهوية الوطنية الحاضنة لأطياف عدة بعيداً عن التطرف والإلغاء والتهميش، فتلاشي هذه الأنساق الثقافية في الوعي السياسي سيقود لفعل وطني قادر على كسر ناموس الخطر وبلوغ مآربه .

بعد مرور عقد ونيف على انطلاق شرارة فبراير علينا إدراك حقيقة أننا كشعب من نمتلك القدرة على صنع تحول في الواقع وعلينا تقع مسؤولية زحزحة فشل الحاضر وبناء المستقبل، وكلما تنصلنا عن هذه المهمة زاد ضياعنا، ولذا علينا بناء معطيات تحديثية لردم الهوة، وخلق حراك وطني شامل على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، واستئصال جذور تشتت القوى الوطنية ومساندة تلاحمها وتوحيد جهودها ببناء دولة جامعة بجيش وطني واحد وقيادة مشتركة وإصلاح العمل المؤسسي وإدارة الموارد والمناصب بشفافية ومصداقية وتجنيب البلد مزيداً من الضعف والتهاوي.

فالاستناد على وعي وطني حقيقي مستشعر حزمة التحديات المحدقة كفيل بقلب طاولة التموضعات القائمة، وإسقاط كافة المشاريع الجزئية، وإفشال تثبيت خلافاتنا وتناقض تصوراتنا السياسية التي يراد بناء يمن جديد خاضع لأهدافها، واجتثاث منابع الصراع والمحاصصة وتقاسم النفوذ والهيمنة على الأرض والمناصب، فالخروج من هذه الدائرة سيكفل لكل مكون سياسي أو اجتماعي أو نقابي مكانته وأهدافه، وسنتخلص من استهداف الآخر وتشويه صورته ونوفر تلك الطاقة لدحض عدونا التاريخي وسنحقق انتصاراً وطنياً بإمكانيات توافقنا وتلاحمنا وإخلاصنا لقضية استعادة الدولة كشكل مؤسسي والجمهورية كنظام حكم وإنجاز التحرير والخلاص من المليشيات الحوثية العابثة بمصيرنا والقاتلة لوجودنا.

وكلما استعدنا ثقتنا بقدرتنا على التغيير وتخطينا دروب الانكسار والندم مضينا نحو إنجاز خطوة تصحيح مسار مثلما كان فبراير قفزة نوعية لهدم بركان الإشكاليات المعقدة ومغامرة فذة في استلهام قيم سبتمبر وأكتوبر وأهدافهما، وسعيه للمضي في طريقهما كذلك ينبغي استلهام ذكراه الثالثة عشرة في التفكير الجمعي بسبل مفارقة هذا الواقع العصيب الذي نقبع وسط عتمته.

| كلمات مفتاحية: فبراير|الثورة|الجمهورية

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024