الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

قلق وجودي يفتك بحياة اليمنيين!

‫كتابنا‬| 22 فبراير, 2025 - 5:02 م

لا شيء يرعب اللحظة اليمنية أكثر من ذلك المصير المجهول الذي تغرق في مستنقعه حياة اليمنيين يوماً إثر آخر، وسقوطها المفزع المقتلع لجذورها، والجارف لأساسياتها، وعجز المرء عن مجاراة تهاويها وخسارة تلك الملامح الباهتة منها، إبان افتراس الغلاء وانهيار قيمة الريال وانعدام الأمن الغذائي، وانغلاق نوافذ سد العجز والانتصار على المجاعة والفقر، وتعكر مستلزمات البقاء الضحلة، واستعصائها على الأسرة اليمنية التي تحررت من قبضة الكهنوت، واستبشرت بسلطة تضمن لها أدنى مقومات العيش المستور.

عاصفة انهيار العملة قلبت موازين المعيشة، وأثارت هلع المجتمع العاجز عن اقتناء ما يبقي رمقه للغد، وكل يوم تسقط أشياء كثيرة من قائمة احتياجاته، ويضع حداً لصلته بها بعد تباعد الهوة بين سعرها وقدرته على اقتنائها، لم يعد في خياله متسع لاستيعاب ما وصل إليه وضعه المعيشي من تدهور، وإنسانيته من استلاب، وكرامته من ضياع، وما من أمل في إنقاذه من هذه الهاوية.

طيلة عقد منذ ابتلاع الحرب للبلد لم يشهد اليمنيون في المناطق المحررة تأزماً معيشياً فتاكاً كهذا، رغم أنهم عايشوا كل أهوال الحرب والخوف والنزوح والتشرد، وكانت حياتهم أمنياً على كف عفريت، لكنها الآن باتت غذائياً على حافة التصحر وجفاف مصادر الدخل، وانعدام تدريجي لوسائل العيش من غاز وماء ودقيق وإغلاق للمدارس وإفشال مستمر لمقومات الحياة، هذا التهديد أصبح شبحاً يرهب الغالبية العظمى من الناس الذين بالكاد يتلصصون على الحياة أكثر من كونهم يعيشونها، وفي طريقهم لفقدان صلتهم بها وانحراف وجودهم عن صورها وأشكالها.

لم يعد هذا التأزم العارم مجرد إخفاق عابر وضيق لحظي ستتدبره السلطة الشرعية، وتعالج أضراره بيسر وتحكم قبضتها على منابع التدهور فيه، لكن الأخطر أنها وصلت إلى مرحلة الخروج عن سيطرتها، وتجاوزه طاقتها على ردعه، وسيرسو كواقع مأساوي قابل للتردي أكثر فأكثر، وسيصبح الشأن الاقتصادي بادرة الانهيار وعلامة الأفول، فقد صمتت هذه السلطة عن قضية إضراب المعلمين وتوقف المدارس نصف عام دون أن تسعى لاحتواء المشكلة وتلبية المطالب، وهذا يضاعف المخاوف حول الحالة التي وصلنا إليها قيادة وشعباً دون أي بوادر لتغيير هذا الوضع القائم وتفادي شمولية على كل دوائر الحياة.

فتحت فوهات الجحيم على هذا الشعب في آن واحد، كل فوهة تلتهمه من جانب وتمزق حياته أشلاءً وتعثرات، كيف ستستقبل غالبية الأسر شهر رمضان وهي عاجزة عن توفير وجبة "الشفوت" فقط؟ كيف ستحظى بمستلزمات الشهر وشراء كسوة من يعولون وهي تبحث من محطة إلى أخرى عن أسطوانة غاز صارت مستعصية، وكل يوم تزداد حياتها سوءاً، وتتعسر حداً لا يحتمل وقدراً لا يطاق .

لقد راكمت ثلاث حكومات متتالية برئاسة بن دغر ومعين عبدالملك وبن مبارك التحديات الاقتصادية التي تضخمت في فترة كل منها، ولم تضع أية منها أولوية لها في اعتبارات مهامها، بل ظلت كلها متجاهلة عواقب هذا الخطر، وتغض الطرف عن مسؤوليتها تجاهه، والأنكى أن مجلس القيادة الرئاسي احتفظ بصيغة انسجامه التوافقي سياسياً، ولم يكن للجانب الاقتصادي أي حضور في أدوارهم في قيادة البلاد، علماً بأن خطر التهاوي الاقتصادي يعم  كل الجغرافيا التي منحتهم تفويضاً لتمثيلها سياسياً،  هذا النأي القاتل عن استيعاب تحديات الاقتصاد وإسقاطها على الحضور والفاعلية السياسية داخلياً وخارجياً من قبل المجلس الرئاسي والحكومة أسقط ملايين اليمنيين في هاوية المجاعة وتهميش حياتهم، وعدم الاكتراث بالمصير الذي ينتظرها .

لا يمكن لهذا الشعب التطبيع مع هذا الوضع المخيف، أو احتمال تهاويه، ويظهر من أبعاده ومآسيه مضيه في الانفجار، وانقضاض هذا الشعب على افتراس من يجرعه هذه الويلات، لا شيء مثل الجوع يولد براكين الغضب والسخط بين العامة، ستعلو موجات الشغب ويزداد السعار بطرق عدة للبحث عن حلول ستفرضها حالة الغليان الشعبي، والتذمر الجماهيري حين يخرج مغامراً دون رجعة، وقد تساوت في نظره الحياة البائسة مع الموت الوشيك لكنه منهك وبطيء ينتزع نبض الحياة رويداً رويدا بقسوة ومرارة .

لستُ متشائماً هنا، لكني واحد من مجتمع تبدو عليه تجاعيد هذا القلق، ويلامسه عن كثب في بيئة المحيطة، وتتسرب إلى مسامعي سرديات التأزم وحكايات الفاقة التي تصدح من كل أسرة، فمن المنطقي استشعار تلك الأوجاع  والإصغاء إلى تلك الآهات، ووضع اعتبار لحجم المخاوف التي تهدد مصيرنا كشعب يتربص به عدو سلالي من ناحية وخوف غذائي من ناحية أخرى، فيصبح استبعاد انتصاره على الخطرين خياراً حتمياً، وقد سخر كل قوته وحياته ورؤيته في سبيل الظفر بحياة حرة كريمة، وفي النهاية يصل إلى طريق متخم بالإذلال والعوز والصراع من أجل لقمة العيش، والتنصل عن أحلام التحرير واستعادة الدولة وبناء وطن وخلق مستقبل مشرق.

ولذا فإن التركيز على هذا الشأن ينبع من التزام أخلاقي واعتبارات إنسانية وواجب وطني يحتم علينا كنخب وكُتاب رأي الإحساس بجائحة الشقاء وانعدام الأمن الغذائي، وتسخير الخطاب المقروء والمسموع لقراءة تأثيرات هذه المعضلة الإنسانية، وتجريم أي قوى وطنية لا تأبه بهموم الناس، وقلقهم الوجودي إزاء أكلهم وشربهم ومسكنهم، فالشعب لم يعد يستسيغ تلك الأوهام المصكوكة في ثنايا الخطابات الفجة والتزيفات الحزبية الباهتة التي خذلتنا كمجتمع وخيبت أملنا في  إسداء أي شيء يلامس حياتنا أو يبعث الاستقرار في حاضرنا.

| كلمات مفتاحية: العملة|الشرعية|المجتمع

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024