الأخبار
Image Description

سلمان الحميدي

جمهورية تعز في صنعاء!

‫كتابنا‬| 25 فبراير, 2025 - 4:07 م

هذا الأسبوع صادفت هذا العنوان الكارثة: اجتماع بصنعاء يناقش آليات إعادة صحيفة الجمهورية. قد تراه عادياً وإيجابياً يتماشى مع مصطلحات التنمية الإعلامية المنتشرة هذه الأيام. لكنه ليس كذلك أبداً. هناك بعض الملاحظات ستساعدك بتخيل الكارثة:

1ـ الاجتماع في صنعاء للصحيفة التي مقرها ومطابعها في مناطق الشرعية بتعز، وكان الاجتماع بقيادة منتحل نائب وزير يسمى البخيتي.

2ـ الحوثية الإمامية تناقش آليات إصدار صحيفة تحمل اسماً لا يكره الحوثيون اسماً مثله: الجمهورية.

3ـ الشرعية المخولة بإصدار الصحيفة لم تسدد حساب العدد الوحيد الذي أصدرته المؤسسة خلال فترة تقارب من عشر سنوات.

تعد مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر من أبرز المعالم التي كانت تعزز صورة محافظة تعز كعاصمة للثقافة. كانت تصدر الصحيفة بشكل يومي، إضافة إلى إصدارات أخرى من بينها صحيفة الثقافية، وجريدة ماتش الرياضية، ومجلة المثقف الصغير، إضافة إلى الملاحق التابعة للمؤسسة، من بينها ملحق "أفكار" والديمقراطية، وملاحق أخرى مهمة للغاية مثل الكتب البارزة التي كانت تنشرها الجمهورية في رمضان، ثلاثون كتاباً في الشهر الفضيل.. هذا بعض ما كانت تنشره مؤسسة الجمهورية من تعز إلى ربوع البلاد.

فقدت تعز هذا الدا الدور بسبب الحرب التي شنها الحوثيون. القصف والرصاص كان الجزاء المباشر الذي تعرضت له مؤسسة الجمهورية بشكل مباشر أول الحرب. منذ ذلك الوقت، ضاع الأثر المهم للرسالة الثقافية التي يحملها الإعلام. لم يعد في عاصمة اليمن الثقافية نشاط ثقافي أو إعلامي ملموس يخاطب الأذهان في الوقت الذي ينشط فيه الحوثيون باستخدام الإعلام لغسل أدمغة الجمهور بمضمون واحد وعبر وسائل مختلفة: إذاعة، وتلفزيون، طابور صباح، دورات ثقافية حتى داخل المعتقلات، خطابات عبده الحوثي. وغيرها من وسائل التعبئة.

أهملت الشرعية الدور الريادي الذي تمثله مؤسسة الجمهورية في معركة الوعي. من المفترض أن الصحيفة قد عادت للصدور في السنة الأولى للحرب. من 2015 مرت السنوات سنة بعد أخرى، وتعز بلا صوت أعلامي مؤثر. كم استبشرنا بالالتفات المتأخر ناحية مؤسسة الجمهورية في أغسطس 2023 حين أصدر الرئيس رشاد العليمي القرار الجمهوري رقم 13 لسنة 2023 بتعيين بلال الطيب رئيساً لمؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر. أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي كما يقولون. خطوة في الصميم من قبل المجلس الرئاسي لاستنهاض الإعلام الرسمي المقروء وإعادة صحيفة الجمهورية إلى الشارع التعزي ثم إلى ربوع البلاد.

ولكن كيف؟

مبنى المؤسسة مدمر والمطابع ضائعة. لا شك بأن الحكومة أدركت تأثير الإعلام ولهذا اعتقدنا بأن هناك ترتيبات معينة لمعاودة الصدور. بحلول شهر سبتمبر، عادت إلينا صحيفة الجمهورية بعدد استثنائي بمناسبة الاحتفال بثورة 26 سبتمبر. اجتمعت هيئة التحرير وأعدت المواد داخل فندق، الطباعة كانت في عدن. رحلة شاقة ولكنها ماتعة. المفاجآت التي تلت العدد لم تتوقف الصحيفة توقفت. رئيس الجمهورية، أقصد بلال الطيب رئيس مؤسسة الجمهورية، شعر بالتعب وهو يبحث في أروقة الحكومة والمجلس الرئاسي عن تكاليف إصدار العدد الاستثنائي. لا أعرف ما إذا كان قد استلم المبلغ حتى الآن أم لا.

*

في الأسبوع الماضي، شاركت في ندوة حول واقع الإعلام اليمني. قلت في مداخلتي إن نظريات الاتصال تدرس قدرة وسائل الاعلام في التأثير على الجمهور، وعلى سبيل المثال فإن نظرية النموذج تتناول تأثر المتلقي بالنماذج التي تقدمها وسائل الإعلام، تكرار الرسالة وتكثيفها، تجعله يلتقط النموذج ويحتفظ به، على الأقل في الذاكرة طويلة المدى، حتى تحين لحظة التحول. تناقش نظرية الغرس الثقافي، قدرة التلفزيون على غرس معلومات وصور في أذهان المشاهدين والتأثير على معتقداتهم.  وبما أن العلاقات الاجتماعية متشابكة بين أفراد غير منعزلين، فإن التأثير يسري بين أغلب الأفراد بما في ذلك الذين لم يتلقوا الرسالة الإعلامية، بحسب نظرية الفئات الاجتماعية.

ولكي أبدو عميقاً ويتظاهر بعض الحاضرين بالاقتناع ولو مجاملةً، بما أطرح، استشهدت بما ذهب إليه مارك يوكانان في كتابه: الذرة الاجتماعية.. لماذا يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقراً، إذ نظر الباحث في الفيزياء إلى تفاعل الفرد مع الآخرين، من منظار فيزيائي، وكيف تنجذب الذرة المفردة إلى الذرات التي تشبهها، إضافة إلى التفاعلات المؤثرة الأخرى. وبالنسبة لنا كبشر، يقول مارك: «نحن بالغو  البراعة في التعرف عل الأنماط والتكيف بعالم متغير. نحن نتفاعل مع العالم ونتعلم منه. نحن نعيش حياتنا داخل أسرنا وشبكات أصدقائنا ومع زملاء وجيران ووسط لغط ولغو من أصوات وأراء تنفجر من التلفزيون والصحف والانترنت».. ويضيف «إن الانطمار الاجتماعي يؤثر في ما نرتديه وما نلسبه، وفي العمل الذي تتخذه مهنة لنا، وفي آرائنا وأفكارنا. نحن لا نفكر من تلقاء أنفسنا تماماً. إن ما نعتقده ولماذا نعتقده يتوقف بشدة على تفاعلاتنا مع الآخرين».

إن التأثيرات تلك تعمل على نشوء أنماط سلوكية فردية ويمتد تأثيرها إلى الآخرين. هناك نزعة لدى الإنسان في محاكاة الآخرين والتلاؤم مع ما يحيط به.

وحول واقع الإعلام في اليمن، أقصد الإعلام الرسمي، علقت، من أجل أبدو ظريفاً وأجد من يبتسم ولو مجاملةً،  بأن الحكومة تحشد طاقتها لمواجهة الضخ الحوثي المكثف عبر هاشتاج في منصة إكس.  

كنت قد مهدت للتعليق بالإشارة إلى أن اليمنيين وتحديداً في مناطق سيطرة الحوثي، مجبرين على تلقي رسالة واحدة ذات مضمون خطير، من وسائل اتصال حوثية: سيطرة شبه تامة على الإذاعة، وهناك يجبر الجمهور على مشاهدة أخطر الوسائل وأكثرها متابعة وتأثيراً، التلفزيون. الرسالة نفسها يتلقونها من خلال الاتصال المباشر، عبر المشرف، أو ما يسمي بالدورات الثقافية، إضافة على إجبارهم على الإصغاء للمضمون  نفسه الذي يلقيه زعيم المليشيا عبده الحوثي، وحشد الجمهور من فئات مختلفة من بينهم صغار السن، وطلاب المدارس في طابور الصباح.

بعد أيام من الندوة، صادفت هذا الخبر الذي يتحدث عن مناقشة الحوثة لآليات إعادة إصدار صحيفة الجمهورية الصادرة عن المؤسسة الرائدة في تعز، إصدار جمهورية تعز من صنعاء بمضمون إمامي، وعاد الشرعية ماحاسبت حق عدد سبتمبر 2023!.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024