الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

العبث الحوثي في الجامعات! 

‫كتابنا‬| 21 ديسمبر, 2024 - 6:44 م

فقدت الجامعات_ الواقعة في المناطق الحوثية_ هويتها في عهد المليشيات، وانحرف مسار حضورها، وتبدلت نظمها ولوائحها، وتغيرت رسالتها، وانتهكت قدسياتها، فلم تعد مراكزاً لبناء الأجيال وموطناً لصناعة العقول، ومؤسسات استراتيجية تصدر المعرفة والتنوير.

وأصبحت الجامعات مسرحاً للعبث السلالي، يمارس فيه كل أساليب التجهيل والتطييف والتعسف وانتهاك القوانين وهدر الطاقات وإدارة شؤونها بعقلية المليشيات المعتقة بنسف إشراقات العلم وتحويلها إلى حوزات طائفية لممارسة طقوسها، وترسيخ مشروعها في المناهج، وإرغام الاكاديميين والطلبة على احتضان الصورة السلالية من التعليم والولاء لها، واستقطاب الجميع أساتذة وملتحقين ترغيباً وترهيباً، واعتماد معيار الولاء للجماعة قانوناً لتمييز الموالي من المعادي، ووسيلة لنيل الدرجات الوظيفية والتقديرات العلمية.

حيث شاع مؤخراً أن الجماعة لجأت إلى إغراء طلاب الجامعات للانضمام إلى صفوفها -سواء إلى الجبهات، أو إلى الدورات الثقافية أو إلى دورات تدريب عسكرية أو لإقامة طقوسها الطائفية والترويج لأفكارها السلالية داخل الجامعة وخارجها- عن طريق وضع نسبة عالية من الدرجات في كل مادة مقابل الالتزام بالتعليمات وتنفيذ الاملاءات، ليصبح التعليم الجامعي ولاءاً وتبعية أكثر منه تحصيلاً علمياً، وبات الحصول على شهادة جامعية متاحاً بيسر طالما يمر عبر نافذة خدمة المليشيات والانغماس في صفوفها.

لم تكن ملشنة الجامعات مجرد وعد كاذب أطلقه الحوثي في أروقتها، بل نهجاً طائفياً متعمداً ساري المفعول، حيث جذب الكثير من الطلاب الفاشلين الممسوخين إلى أدوات حوثية مخبرين ومراقبين لزملائهم وأساتذتهم في قاعات الدرس، وتوثيق أية كلمة أو هفوة تمس الجماعة أو تحذر من مشروعها، فقد تعرض بعض الدكاترة للاعتقال والسجن بناءً على وشاية أحد تلامذته المخلصين للحوثي، وآخرها ما حدث لأستاذ في كلية الهندسة بجامعة إب.

وفي الآونة الأخيرة اتخذ الحوثي من الجامعات مصدراً خصباً للتحشيد والتجنيد والتعبئة العامة كونها تعج بالشباب البالغ الطائش القادر على تبني الأفكار والتضحية من أجلها، وبالأخص أنه يتم استمالاتهم ببعبع الدفاع عن الأقصى ونصرة غزة والعداء لإسرائيل، فتم استغلال عواطفهم من هذه الزاوية، ومن حين لآخر تقام العروض والتدريبات القتالية لهؤلاء الطلاب وإطلاق شعارات ومسميات فلسطينية عليها ليزداد الإقبال والتحمس عليها.

إذا كان الترغيب مناسباً مع الطلاب، فإن الترهيب هو الطريقة المثلى لسريان الملشنة على الأكاديميين، فقد شاهدنا صوراً مذلة لأساتذة إحدى الجامعات وهم يؤدون تدريبات عسكرية تنظيمية وقتالية لإثبات ولائهم وتأكيد طاعتهم للجماعة الحريصة على توريط حتى النخب الأكاديمية في سياق مشروعها وإتباع نهجها فكراً وسلوكاً.

ليس مفاجئاً هذا الانزلاق الخطير، طالما وأن الحوثي عمل منذ بدء الانقلاب على إعادة هيكلة المناصب الأكاديمية العليا من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات إلى رؤساء الأقسام، وإلغاء الاستحقاق الأكاديمي لشغل هذه المناصب واقتصارها حصرياً على الهاشميين السلاليين الموالين، الذين عملوا على ترسيخ الطائفية وتغيير هوية التعليم وتبني كل أهدافه، وهذا الأمر جعلنا نلحظ صعود أسماء أكاديمية كثيرة مجهولة ومشكوك في شهادتها العلمية ومزاولتها مهنة التدريس الجامعي  دون أن يكونوا من أعضاء هيئة التدريس أو معيدين في الكليات من قبل.

ومن هنا سنجد أن هذه الجامعات غدت ماركة طائفية بحتة، وسياساتها الأكاديمية حوثية صرفة، وخير دليل على ذلك مناقشتها لرسائل علمية( ماجستير/ دكتوراة) تتخذ من ملازم حسين الحوثي وخطابات عبدالملك الحوثي وسيرة بدر الدين الحوثي وتاريخ الأمام الهادي والطاغية عبدالله بن حمزة وزيد بن علي، وكل رموز السلالة عناويناً لأبحاث علمية ورسائل جامعية، فحين تمنح جامعة عريقة كجامعة صنعاء درجات علمية لمثل هذه المواضيع فهذا انتكاس علمي وسقوط معرفي كهنوتي يعمل على طمس الهوية الوطنية الجمهورية، ويعيد تشكيل وعي متخم بالخرافة والصنمية والرجعية ويهدم مفهوم التعليم العالي ويجتث جذوره.

فلم تعد معايير التسجيل والقبول في هذه الجامعات إلا أكذوبة خادعة وخاصة في الكليات التطبيقية كالطب والهندسة، التي تذهب فيهما معظم المقاعد لأبناء القتلى والجرحى الحوثيين كمنح مجانية دون خضوعهم لاختبارات المفاضلة مهما كانت معدلاتهم في الثانوية لا تؤهلهم لدخول هذه الكليات، وهذه الفئة من الملتحقين هم عيون للسلالة وأكثر إخلاصاً لمشروعها داخل الجامعات، وفي النهاية يحصلون على شهادات جامعية بتقديرات مرتفعة تتجاوز الطلاب الحقيقين الذين يستحقون التفوق، وبقية المتقدمين يتم استيعابهم بنظام الموازي والنفقة الخاصة باعتبارهم مصدر دخل وفير.

كما عمل الحوثي في هذا السياق على ابتكار منح مجانية للطلاب القادمين من المحافظات النائية كالمهرة وشبوة وأبين لاتخاذهم رُسل لترويج أفكاره في مناطقهم فيما بعد، وهذا يعني أن الجامعات تستخدم كوسيلة خفية لاستمالة أتباع وأنصار جدد على حساب كسب المعرفة وبناء مستقبل مفخخ بمعتقدات رجعية وثقافة دخيلة تفكك نسيج المجتمع وتغير هويته أيديولوجياً.

ولذا فإن عقداً من العبث الحوثي بالمؤسسات الجامعية لن يقتصر خطره في اللحظة الزمنية، وإنما ستبقى آثاره عقوداً قادمة، حيث ينشأ جيل مزيف علمياً، وينتقل لممارسة المهنة مجتمعياً وهو يفتقر لأدنى تحصيل علمي، ولديه يقينيات ومعتقدات غسلت أدمغته ليتحول إلى أدوات مفخخة تفسد معنى التعليم، وتفسد الواقع بولائها المطلق وتبعيتها العمياء لمليشيات عدائية له كفرد ولمجتمعه كواقع، وهذا تناقض مريع أن تصبح مخرجات هذه الجامعات مليشيات حوثية وتحمل شهادات.

ويكمن العبث الحوثي بالنسبة للجامعات هذه أن أعضاء هيئة التدريس فيها منذ تسع سنين وهم بدون مرتبات، ومع ذلك ملزمين بالدوام والتدريس وإلا فإن فصلهم واستبدال غيرهم من المتطفلين السلاليين لأداء وظائفهم، وقد حدث هذا كثيراً، وهذا الإذلال الكبير بحق نخبة المجتمع وصفوة المعرفة والعلم والثقافة أكد عدائية الجاهل للمتعلم حين يصبح الأول حاكماً.

فعلى سبيل المثال فقدت جامعة صنعاء لوحدها في السنوات الماضية أكثر من خمسين أكاديمياً قتلهم المرض والقهر والعجز عن تحمل قسوة الظروف والإيفاء بمستلزمات الحياة، فحين تهدر العقول النيرة والنخب المؤثرة وتترك فريسة يحكم عليها عنصر سلالي جاهل بالموت جوعاً فهذه أكبر جريمة سيدفع ثمنها المجتمع أجيالاً غدت جامعتهم مجرد ثكنات مليشاوية ومراكز طقوس طائفية، وشعارات الموت وصور القتلى تغمر جدارنها كأنها مقبرة.

وقد انعكس ذلك على انحسار الإقبال الجامعي لدرجة أن أغلب الأقسام أوصدت أبوابها وغادرت مربع البقاء، وهذه النتيجة المخزية هي الغاية التي يرغب الحوثي في بلوغها، فهو يريد قطيعاً يسوقهم إلى المتارس ولا يريد جامعيين يطالبونه بدرجات وظيفية، فمؤسسة الموت عنده هي المتسع الكبير لاستقبال مختلف شرائح المجتمع دون استثناء، وعلى الجميع التفكير من هذا المنطلق واستبعاد أي طموح ينحرف عن مسار الموت لأجل دجال الكهف وكاهن العنصرية والتخلف.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024