الأخبار
Image Description

معن البياري

السوريون يُنقذوننا من اليأس

‫أراء‬| 9 ديسمبر, 2024 - 7:28 م

اختنقنا، نحن العرب، باليباس الذي جفّف أرواحنا من شحّ الآمال، ومن تخوم اليأس الذي وصلنا إليه، بعد ما فعلتْه فينا ضرباتٌ ثقيلةٌ أعملتْها قوى الثورات المضادّة في غير بلدٍ عربيٍّ، هتفت حناجر أبنائه تطلبُ الخلاصَ من أنظمة الاستبداد والفساد. انتظرْنا في ربيع عام 2011 أن ننتصر، ثم انتصرْنا في تونس ومصر واليمن وليبيا، قبل أن ننهزم بالردّات إياها.

لم نتزيّد لمّا اعتبرْنا السوريين الذين تظاهروا في مدنٍ وقرىً وبلداتٍ وأريافٍ في عموم بلدهم فدائيين، لأنهم كانوا يصيحون بسقوط واحدٍ من أسوأ أنظمة الحكم الكريهة في الأرض، فقابلَهم غاصبُ السلطة هذا، والذي يستمدّ رئيسُه شرعيّته من حادثة سير أودَت بأخيه، بالرصاص الحيّ والقاذفات والصواريخ وغاز السارين وغيرها من أسلحة، واستقوى بالمليشيات من الخارج، وبسلاح الجو الروسي، وبالغطرسة الإيرانية المزهوّة بنفسها، ما أخذ سورية إلى جُلجلةٍ من التمويت والفتك والاحتراب أزيد من 13 عاماً، ارتكب فيها النظام القاتل أشنع ممارسات الانتهاك في الشعب المُستضعف.

وتعرّضت البلاد إلى صنوفٍ غير متخيّلة من الركاكة في السياسة، واستجدّت شروخٌ اجتماعيةٌ ظاهرة، وهاجرت طاقاتٌ وكفاءاتٌ ومواهبُ بلا عدد، واستفرد بشّار الأسد وعائلته بالسوريين، عندما لم يكتف بعمارته البوليسية والمخابراتية وأجهزة التنكيل بالعباد، بل زاول أيضاً ما سمّاها انتخاباتٍ رئاسيةً وبرلمانية.

 ومع خفوت الثورة السلمية، وموتِها أحيانا، وتناسل مجاميع مذهبية وإرهابية، ومن فرط التمادي المريع في هذا كله، وكثيرٍ مثله، عقداً ونيفاً، أصابنا اليأس في مقتل، اليأس من إنقاذ سورية من الجحيم الذي باتت عليه، والرثاثة الباهظة التي بدا أنها المعجزة وحدها تنقذنا منه. لطالما افترس حشايانا السؤال المُتعب: هل سيُحرز السوريون انتصاراً ما على هذا كله، على نظامٍ بدا لنا عصيّاً على الفناء؟ هل هذا معقول؟ كانت جبالٌ من الشك تجعلنا لا نقوى على شيءٍ من تفاؤلٍ طفيف، وإن أسعفنا أبو القاسم الشابي بقولته "../ ولا بدّ لليل أن ينجلي/ ولا بد للقيد أن ينكسر".

وفيما نحن منصرفون عن عبث مسار أستانة وخراريف اللجنة الدستورية والرطانات عن تصحيح الأسد أحواله بعد تطبيعٍ عربيٍّ معه، فاجأنا السوريون بما تأخّرت الأقدار عنهم، أبهرونا بالذي صنعوه في 11 يوماً، وجعلونا نسمّي بشار الأسد رئيساً مخلوعاً، حرّروا بلدهم من أسرته وعصابته، استعادوا الدولة من مخابراته وأزلامه.

دُهشنا، أذهلتنا المفاجأة، الاستثنائيّة في مرورِها من شمالٍ إلى جنوب، من غربٍ وشرقٍ إلى ساحات دمشق وميادينها. كسروا كلّ خوف، كشطوا هشاشة العصابة الحاكمة، فرأيناها هي الخائفة، المرتجفة. حرّروا الأسرى السوريين واللبنانيين والفلسطينيين من سجون حلب وحماة وحمص ودمشق، من مسالخ بشرية مُرعبة، سمّى حافظ الأسد أحدَها فلسطين.

وانضاف بشّار إلى أسلافه من عناوين الاستبداد البالغ الرثاثة، الجبناء الذين لم يجدوا غير الفرار والهرب للنجاة من غضب ضحاياهم، زين العابدين بن علي ومعمّر القذافي وعلي عبدالله صالح وصدّام حسين. لم ييسّر لمشايعيه ممن صدّقوا أزعومته عن المقاومة والممانعة مشهداً يتيماً يسلّحون به أنفسهم وهم يغطون عوراتهم التي زادت انكشافاً. كان هؤلاء مُذهلين في مواظبتهم على الإعجاب بهذا الدعيّ الأبله، الذين أحسن السوريون أمس ردّهم على إهانته لهم، توريثِه نفسَه حكمهم من أبيه، صانع الدكتاتورية الأشدّ في المشرق، كما صنوه صدّام حسين.

أنقذَنا السوريون من اليأس الذي التفّ حول أعناقنا، كِدنا نموتُ اختناقاً، قبل أن ننعم بالنجاة البهيّة. لقد شحطوا تماثيل الطاغيتيْن، الأب وابنه، في الشوارع، وكانوا فرساناً.

وعندما تتابعت الأخبار عن دخول المقاتلين دمشق، أسعدتْنا الحكمة الشامية الرائقة، في حماة وطرطوس واللاذقية وبانياس وجرمانا و...، وضاعفَ من فائض شعورنا بهذه السعادة أن سورية باتت بلا حكم عائلة الأسد، بعد أن كانت ليست نكتةً أن الحفيد حافظ بشّار الأسد كان يُهيّأ لوراثة والده، وكأن نكبة السوريين يُراد لها أن تكون أبدية.

أحيا السوريون، في الموجة التي تجدّدت لثورتهم التي نجحت أخيراً في تحقيق أشواق أهلها، وعموم السوريين، إلى الكرامة والعدالة والحرية، آمالاً كان الظنّ أن قوى الثورة المضادّة أفلحت في إماتتها. ... الدرس السوري في 8 ديسمبر/ كانون الأول عظيم المعاني، إذن، وسيكون عظيم الأثر عربيّاً، وهذا كثيرُ الأهمية، فليتحسّس رؤوسَهم حكّامٌ عربٌ، يتواطَأ الفساد فيهم مع الاستبداد والبلَه، فاليأسُ العربي إياه غادَرَنا... شكراً شعب سورية العظيم.

(العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024