الأخبار
Image Description

عبد الحكيم هلال

لماذا يتزايد ألق روح ثورة سبتمبر؟

‫كتابنا‬| 24 سبتمبر, 2024 - 5:56 م

السؤال بصيغة أخرى: لماذا نجد الاحتفاء بثورة 26 سبتمبر يتخذ منحا تصاعديا، عاما بعد آخر؟. بالتأكيد ليس لأن الدولة اليمنية، بحكومتها الشرعية، هي من تجهد نفسها في توجيه الرأي العام، وتقود الجماهير للقيام بذلك. لأنك لو ركزت قليلا، اليوم، ستلاحظ العكس تماما. وستكتشف أن ميليشيات الحوثي هي صاحبة الدور الأكبر في حدوث ذلك..!!

نعم؛ في السابق، قبل الحرب طبعا؛ كانت الدولة هي من تحتفي بهذه المناسبة الوطنية. وكان الناس (تقريبا) يكتفون بذلك، أو بالأحرى يتبعونها، لأنهم كانوا يدركون جيدا أن الاحتفاء بأعياد الاستقلال سنويا جزء أثير من واجبات الدولة، في إطار مفهوم التعبئة العامة، للحفاظ على منجزات الثورة، والتي تعتبر الدولة الحاكمة أبرز تجلياتها.

أما الآن، وتحديدا خلال فترة النصف الثاني من عشرية الانقلاب والحرب، نجد أن الشعب هو من يتحمس، من تلقاء نفسه، للاحتفاء بهذه المناسبة. إن الشعب هنا يتصرف بشكل تلقائي ليجعل من نفسه وصيا على الثورة، في ظل ما يلحظه من شبه غياب للدولة، أو لهشاشتها. لذلك، في كثير من الأحيان قد نلاحظ أنه من يجر الدولة خلفه في إنجاز هذا الدور الوطني. حتى أنه قد يمكن، أيضا؛ ملاحظة أن المواطنين متقدمون كثيرا على الدولة في الفعل والحماسة وتنويع مظاهر الاحتفاء بعيدهم الوطني (ثورتي سبتمبر وأكتوبر).

حتى الأحزاب والقوى الوطنية، ربما أنها ما كانت تتفاعل مع هذا الأمر، في السابق، بمثل ما تقوم به اليوم. فمعظمها تقريبا، ربما اكتفت بالمشاركة الفاعلة مع الدولة، مع إصدار بيانات بالمناسبة، وإفراد تغطية صحفية في وسائلها الإعلامية، وكثّر الله خيرها. أما أفضلها فهي تلك التي كانت تتجاوز مجرد الاكتفاء بالمشاركة، إلى إقامة مهرجانات وطنية رمزية باسمها. وقد لا أكون مبالغا، أو متجنيا، إذا ما زعمت أنها ربما حتى ما كانت ترقى إلى مستوى حجم ما تقوم به اليوم..!!

ولكن لماذا الآن؟

إنها بالفعل ردة فعل شعبية وطنية تراكمية- قبل أن تكون حكومية أو حزبية؛ كتعبير عن رفض شعبي متنامي لسلوكيات وسياسات ميليشيا الحوثي الإيرانية، القادمة من عصور التخلف والرجعية، لتعيدنا بالحديد والنار إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر، وتغرقنا في ثالوث: الفقر والجهل والمرض، الختم الذي حكم به الآئمة، من سلالتهم، اليمن، قبل 62 عاما، حتى جاءت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر (1962) لتحررنا من قبضتهم، وتزيح عن كاهلنا أسوأ حقبة لأسوأ سلالة ملكية متوالية حكمت بلادنا لعقود طويلة.

لذلك؛ يمكن التأكيد على أن احتفالاتنا، المبالغ بها اليوم بهذه الثورة العظيمة، وكأنها حدثت بالأمس، ليست إلا استفتاء شعبي عريض، على رفض عودة هذه العصابة السلالية، ليس في المناطق المحررة فحسب، بل وفي مناطق سيطرة الميليشيا ذاتها.

ولعل هذه الجزئية الأخيرة هي الأهم والأكثر قيمة في ميزان هذا التقييم. لأنها (أي هذه الاحتفالات الثورية) لو كانت قد اقتصرت على مناطق "الشرعية" المتحررة من قبضة الميليشيا، لحسب ذلك على أنه انعكاس للحرية التي تتمتع بها هذه المناطق. أو حتى لأمكن الزعم أنها مجرد مظاهر تعبيرية لا يعتد بها، كونها جاءت من مغرر بهم، لم يخضعوا لتجربة العيش في كنف حكم الإمامين الجدد: الحوثيين- بمسماهم الجديد (أنصار الله)، المحاكي لطابع ميلشيات إيران، بفرعها اللبناني (حزب الله).

أما حين يتعدى ذلك مناطق الحرية، إلى عمق مناطق السيطرة والقبضة الحديدية، فثمة حقائق جديدة يجب التعامل معها. وهي لا تخلو من حقيقة أولى بسيطة مرتبطة بالفعل الثوري ذاته (نوعيته وحجمه)، مفادها: أن استمرارية "سلطات الأمر الواقع" الإرهابية، لم يعد مرحب بها، أو أنها في أقل تقدير قد أصبحت مثار جدل. وحين تتحول المسلمات (الافتراضية) الكبرى إلى جدل، فإن المنحنى الثوري يتصاعد تدريجيا نحو القمة، ولا يمكن ايقافه بالوسائل التقليدية.

ولعل مؤشر تنامي وتنوع مظاهر الاحتفاء السنوي بثورة سبتمبر، التي اجتثت سلالتهم الكهنوتية؛ يشير فعلا إلى هذه الحقيقة. وفي الوقت الذي يتصاعد فيه هذا التنامي بشكل اطرادي، في حين انه ليس ثمة ما يمكن إحجامه على الرغم من تزايد أساليب الترهيب للمحتفلين (من تحذيرات وتهديدات واعتقالات واختطافات...الخ)؛ فإن ذلك يؤكد لنا على أنه رفض عميق، نابع عن تجربة مريرة خضع لها المحكومين- المحتفلين اليوم في قلب المناطق الحمراء، المحرمة على الجمهورية.

ولافتقادهم القدرة على الرفض العملي بالثورة المنجزة (المسلحة)، حتى اللحظة؛ لجاءوا إلى تفعيل مظاهر الرفض الرمزية عبر تكثيف الاحتفاء برمزية الثورة، مدركين أنها تمثل فعلا ثوريا عظميا في المخيال الشعبي، باعتبارها المعادل الموضوعي المكافئ، لحظيا، لرفض سياسات ومسالك الميليشيات.

 على أن تزايد فعل الاحتفاء برمزية الثورة، في كل ربوع الوطن دون استثناء، لا سيما بعد بلوغ الحرب مرحلة اللّا جدوى؛ لهو أمر يمكن قراءته بهدوء من زاوية الفعل الثوري نفسه؛ على أنه يمثل تدرجا عقلانيا منظما في استخدام أدوات ووسائل النضال السلمي المتاحة..

غير أننا؛ إذا ما نظرنا بموضوعية إلى طبيعة هذا الفعل وظروفه المكانية والزمانية، فإنه على مستوى التنظيم ربما هو أقرب إلى كونه مجرد سلوك وطني عفوي، قائم على الاعتقاد بقوة رمزية ثورة سبتمبر؛ حتى جاءت ردة فعل الميليشيا، الخائفة، لتُّجرده من عفويته، وتعمده كفعل ثوري عصبوي يقصد إسقاط مملكتها العصبوية الطائفية.

إنها بذلك؛ تكون قد ارتكبت خطأ قاتلا، اذ حولت مسار الاحتفال بالثورة، إلى مسار ثوري متجدد بذاته. ذلك حين نقلت ثورة سبتمبر من مشترك وطني جمعي، للدولة والشعب؛ إلى مجرد فعل ثوري شعبي، تقوم به جماعة ثائرة من الشعب، ضد عُصبة حاكمة من الميليشيات.  

وبحسب أبن خلدون، صاحب المقولة الشهيرة: "الظلم مؤذن بخراب العمران"؛ فإن "العصبية"، التي عدها مسؤولة عن قيام وديمومة الدولة، فهي أيضا تكون السبب الأبرز للسقوط والانحدار.

وفي النهاية؛ هذا ما يحدث على أرض الواقع: عندما يتعلق الأمر بعصبية سلالية، جاءت لاستعادة ملكها (المفقود بفعل ثورة شعبية خالدة)؛ فإن مجرد الاحتفال بالذكرى السنوية لهذه الثورة، ينعكس في ذهنيتها كخطر وجودي، يهدد استمرارية تماسك عصبيتها الاجتماعية، وبالتالي استمرارية بقائها..

وما يعزز ذلك، ويثير مخاوفها أكثر؛ هو تزايد عظمة وألق ثورة سبتمبر، تباعا، بعد أكثر من ستة عقود على اسقاط مملكتهم، وعقد واحد على الاعتقاد باستعادة السيطرة على الجزء الرخو من بقايا مملكتهم.

إنها روح سبتمبر الخالدة، تسري اليوم في قلوب أبنائها، من ورثة الزبيري وعبد المغني والثلايا وجمال جميل، والقردعي، والعلفي واللقية ومحسن الهندوانة... الخ.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024