الأخبار

من مُخربين للملاحة إلى مُجرمين بيئيين: ما الأثر البيئي لهجمات الحوثيين ضد الشحن في البحر الأحمر؟

ترجمات| 12 مارس, 2025 - 9:50 م

يمن شباب نت- ترجمة خاصة

image

حذر معهد أميركي من أن الاستهداف المتعمد للسفن التجارية من قبل الحوثيين يمثل تهديداً بيئياً غير مسبوق للبحر الأحمر وخليج عدن، لافتا إلى أن ناقلة البضائع السائبة الغارقة، التي ترسو على عمق حوالي 330 قدمًا، تشكل تهديدًا بيئيًا مزدوجًا.

ونشر معهد دول الخليج العربي بواشنطن تحليلا، -أعده "ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو"، وترجمه "يمن شباب نت"- قال فيه، إنه رغم عدم وقوع كارثة بيئية واسعة النطاق حتى الآن، فإن أي هجمات حوثية مستقبلية تحمل في طياتها خطرًا كبيرًا يتمثل في إحداث تلوث شامل، مما قد يُلحق أضرارًا لا رجعة فيها بمنطقة البحر الأحمر.

نص التحليل:

منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سيطر الحوثيون في اليمن على طرق الشحن الدولية في البحر الأحمر وما حوله عبر شن مئات الهجمات على السفن التجارية. وصوّر الحوثيون الهجوم البحري على أنه رد عسكري على حرب إسرائيل على غزة، بينما أدان المجتمع الدولي بشدة هجمات الحوثيين ووصفها بأنها أعمال إرهابية تهدد حرية الملاحة وسلامتها.

وقد أثر تعطيل طرق التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا سلبًا على سلاسل الإمداد بالطاقة والشحن البحري التجاري، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى اتخاذ طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.

وفي حين تصدرت الاعتبارات الأمنية والاقتصادية استراتيجيات الولايات المتحدة وأوروبا لمواجهة الحوثيين، فإن الاستهداف المتعمد للسفن التجارية من قبل الحوثيين يمثل تهديداً بيئياً غير مسبوق للبحر الأحمر وخليج عدن.

نظام بيئي هش

يعد البحر الأحمر منطقة بحرية ذات خصائص محيطية وبيئية فريدة. حيث يمتد لمسافة حوالي 1200 ميل بين نقطتي اختناق ضيقتين - قناة السويس إلى الشمال ومضيق باب المندب إلى الجنوب.

ويخلق عمق البحر الأحمر الكبير وموسمي الرياح الموسمية في المنطقة نمطًا مثاليًا لدوران المياه. إذ توفر درجة حرارة المياه السطحية الدافئة في البحر الأحمر، إلى جانب الملوحة العالية، بيئة مثالية لمئات من أشكال الحياة المائية ومجموعة كبيرة ومتنوعة من الموائل.

وتعد الشعاب المرجانية في المنطقة موطنًا لحوالي 1200 نوع من الأسماك وأكثر من 350 نوعًا من المرجان ، وهي واحدة من أغنى النظم البيئية البحرية في العالم وأكثر البيئات مرونة في مواجهة تغير المناخ.

بالإضافة إلى ذلك، يولد التنوع البيولوجي البحري الكبير في البحر الأحمر تدفقات إيرادات بملايين الدولارات لصناعات السياحة وصيد الأسماك في البلدان الساحلية.

وتُعدّ موائل البحر الأحمر، التي غالبًا ما تُغفل، مثل المروج البحرية وبحيرات المانغروف والمستنقعات المالحة، بالغة الأهمية للرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية، إذ تُساهم في عزل الكربون، ومكافحة تآكل السواحل، وتعزيز الحفاظ على التنوع البيولوجي.

ومع ذلك، فإن التوسع الحضري السريع للمناطق الساحلية، والصيد الجائر، وتلوث حركة المرور البحرية، تُهدد بشدة هذه الموائل الهشة. وبينما يدعم نمط دوران المياه الفريد في البحر الأحمر بيئة بحرية صحية وحياة مائية غنية، إلا أنه قد يُصبح فخًا قاتلًا في حالة المخاطر البيئية.

الحوثيون كمجرمين بيئيين

في 18 فبراير 2024، أصاب صاروخ باليستي حوثي مضاد للسفن ناقلة البضائع السائبة "إم في روبيمار" التي ترفع علم بليز، مما تسبب في بقعة نفطية بطول 18 ميلاً. أدت مخاطر الانفجار من حمولة السفينة وهجمات الحوثيين على عمليات القطر إلى تأخير مهام الإنقاذ. بعد اثني عشر يومًا، غرقت السفينة قبالة ساحل المخا.

وتشكل ناقلة البضائع السائبة الغارقة، التي ترسو على عمق حوالي 330 قدمًا، تهديدًا بيئيًا مزدوجًا:

 أولاً، غرقت وهي تحمل حوالي 200 طن من نفط الوقود الثقيل و80 طنًا من الديزل البحري. وتشكل بقع النفط تهديدات متتالية للمجتمعات الساحلية والحياة البرية المائية والنظم البيئية شديدة الحساسية، مثل جزر فرسان اليمنية وأرخبيل دحلك الإريتري.

ثانيًا، كانت السفينة تنقل حوالي 22000 طن متري من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم. ورغم أن مخازن الشحن لا تزال مغلقة، فإن تسرب كميات كبيرة من الأسمدة إلى مياه البحر الأحمر من شأنه أن يتسبب في ازدهار الطحالب على نطاق واسع، بعواقب ضارة على النظام البيئي بأكمله، بما في ذلك نفوق الأسماك على نطاق واسع وتلوث مياه البحر.

في 12 يونيو 2024، أصابت طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين ومقذوف جوي مجهول ناقلة الفحم التي ترفع علم ليبيريا "إم في توتور"، والتي غرقت بعد ستة أيام. ولحسن الحظ، أبحرت ناقلة البضائع السائبة بدون أي حمولة، مما حد من الضرر البيئي إلى تسرب نفطي بلغ طوله حوالي 12 ميلاً من وقود محرك السفينة.

ومع ذلك، تسبب هجوم بطائرة بدون طيار تابعة للحوثيين في منتصف يوليو على ناقلة النفط التي ترفع علم ليبيريا "خيوس ليون" في أضرار جسيمة للجانب الأيسر من السفينة، مما تسبب في بقعة نفطية يبلغ طولها حوالي 136 ميلاً بين اليمن وإريتريا.

وتشير صور الأقمار الصناعية لنمط تشتت التسرب النفطي ولونه إلى أن وقود المحرك، وليس الحمولة التي تفوق 90 ألف طن من نفط( البتروليوم)، هو الذي تسبب في البقعة.

دفع التخريب الحوثي لناقلة النفط المسجلة في اليونان سونيون MT البحر الأحمر إلى شفا كارثة بيئية على مستوى المنطقة. وبعد مهاجمة ناقلة النفط في 21 أغسطس 2024، فجّر الحوثيون شحنات ناسفة فوق فتحات خزانات النفط الخاصة بالسفينة مرتين، مما تسبب في عدة حرائق لكنهم فشلوا في إحداث أي خرق إضافي لهيكل السفينة.

ومع ذلك، ومع تسخين النيران لهيكل السفينة، خرج النفط الخام من خزانات الشحن من خلال أنظمة التهوية على شكل أبخرة زيتية شديدة الاشتعال، مما أدى إلى تغذية الحرائق وتسبب في تسربات نفطية محدودة بالقرب من خط مياه السفينة.

 بعد ترك السفينة تحترق لأكثر من أربعة أسابيع، سمح الحوثيون لعملية أسبيدس التابعة للاتحاد الأوروبي ببدء عملية إنقاذ، والتي نجحت في محاولتها الثانية في سحب السفينة إلى مياه آمنة.

ولو تمكن الحوثيون من اختراق هيكل السفينة المزدوج، ما يتسبب في تسرب 150 ألف طن من النفط الخام على متنها، لكانوا قد تسببوا في خامس أكبر تسرب نفطي في التاريخ.

ورغم أن الحوثيين وافقوا في النهاية على عملية الإنقاذ التي قادها الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم سعوا عمدًا إلى التسبب بكارثة بيئية. وتُعدّ هجمات الحوثيين على حركة النقل البحري أعمالًا متعمدة لتلويث البيئة البحرية، واستخدام ناقلات النفط وسفن البضائع السائبة كسلاح لتحقيق أجندتهم السياسية والعسكرية.

درس ناقلة صافر

في حين أن نطاق ووتيرة الهجوم البحري الحوثي الأخير غير مسبوقين، إلا أن الحوثيين حوّلوا مياه البحر الأحمر مرارًا وتكرارًا إلى ساحة معركة باستهدافهم البنية التحتية للطاقة الساحلية السعودية والسفن التجارية. فعسكرة ناقلة النفط "صافر" تعد مثالًا بارزًا على استخدام الحوثيين لخطر الكوارث البيئية كورقة مساومة لتحقيق غايات استراتيجية.

ترسو ناقلة النفط الخام العملاقة "صافر" قبالة ميناء رأس عيسى اليمني، وقد استخدمتها الحكومة اليمنية في البداية كمنشأة تخزين وتفريغ عائمة. وعندما سيطر الحوثيون على محافظة الحديدة، سقطت الناقلة في أيديهم.

وقد أدى تأخر الصيانة إلى زيادة خطر التسرب الناجم عن التآكل بشكل كبير، مما حوّل حمولتها البالغة حوالي 1.4 مليون برميل من النفط الخام إلى قنبلة موقوتة بيئيًا.

وبينما عقد الحوثيون عدة جولات من المحادثات مع الأمم المتحدة لترتيب مهمة إنقاذ، فإنهم غالبًا ما تراجعوا عن الاتفاقات من خلال تقويض جهود التمويل الجماعي للأمم المتحدة علنًا وفرض شروط في اللحظات الأخيرة، بما في ذلك قيود على التأشيرات، وتغييرات في تشكيل فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة، وطلبات يصعب تلبيتها.

وتماشيًا مع تكتيكات الجماعة التفاوضية، عمد الحوثيون إلى نسف محادثات إنقاذ الناقلة لسنوات على أمل زيادة الضغط على الأمم المتحدة والتحالف الذي تقوده السعودية وانتزاع تنازلات سياسية أكبر.

ومع ذلك، بعد مفاوضات متواصلة استمرت لسنوات ، نجحت الأمم المتحدة في قيادة عملية نقل النفط من سفينة إلى أخرى بقيمة 144 مليون دولار في أغسطس/آب 2023.

التهديد الوشيك

رغم عدم وقوع كارثة بيئية واسعة النطاق حتى الآن، فإن أي هجمات حوثية مستقبلية تحمل في طياتها خطرًا كبيرًا يتمثل في إحداث تلوث شامل، مما قد يُلحق أضرارًا لا رجعة فيها بمنطقة البحر الأحمر. ومن المرجح أن يواصل الحوثيون  عسكرة حركة الملاحة البحرية طالما أن ذلك يخدم أجندتهم.

إن عمليات الإنقاذ وجهود التنظيف تستغرق وقتًا طويلاً ومكلفة، كما أن الدول الساحلية للبحر الأحمر غير مجهزة جيدًا لتقديم استجابات كافية وسريعة للكوارث البيئية وحدها.

لذلك، يجب على المجتمع الدولي تكثيف الجهود المشتركة لتعزيز قدرات الاستجابة للكوارث والتخفيف من آثارها واستعادة النظم البيئية في الدول الإقليمية.

على سبيل المثال، يمكن للدول الغربية دعم عمل Persga، وهي المنظمة الإقليمية لحفظ بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، وهي منظمة حكومية دولية تركز على الحفاظ على الحياة البحرية وتضم جميع الدول الساحلية للبحر الأحمر باستثناء إسرائيل.

ومنذ عام 1995، كانت بيرسجا( Persga ) نقطة انطلاق لجهود الحفاظ على البحار الإقليمية من خلال إدارة مشاريع مشتركة لحماية البيئة البحرية والساحلية وتنظيم وحدات تدريبية وورش عمل.

ورغم تعهد الحوثيين بوقف هجماتهم على إسرائيل والشحن التجاري عقب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، إلا أن خطر الكوارث البيئية لا يزال قائمًا. وقد أظهرت الحملة المستمرة منذ 15 شهرًا ضد الشحن أن الحوثيين ليسوا مُخربين خطرين للملاحة فحسب، بل هم أيضًا مُجرمون بيئيون متهورون.

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024