- الشركة اليمنية للغاز تؤكد تغطية احتياجات السوق المحلية وتدعو لمراقبة الطرق والشواطئ
محاولة النجاة من "حفلة التفاهة"
كتابنا| 7 فبراير, 2025 - 8:41 م
أن نمسك بلحظة، بفكرة، بمشهد من هذا الهدير الجارف، من هذا التدفق اللامتناهي، ونمنحها ما تستحق من النظر والتأمل والقول؛ صار مهمة عسيرة.
أن نبطء في عالم كل ما فيه يجرّك لأن تسرع، لنتمثل فضيلة ما أورده "كونديرا" في رواية البطء: "انهم يتأملون نوافذ الإله، ومن يتأمل نوافذ الإله لا يسأم، بل يكون دوما سعيدا".
لم يعد بالإمكان أن نقتطع وقتا، ولو ضئيلا، لنمارس فيه رفاهية "الّلا نفعل شيء"، حتى إن كنت واقعيا لا تفعل، شكليا وذهنيا غير حاضر. هذه معضلة العصر التي نتشارك فيها جميعا: "التشتت" بألف شيء، وهذا الألف شيء يقود في الغالب الى "الّلا معنى".
قابلت إحداهن لأول مرة، وقبل أن ينتهي اللقاء الودي، صارحتني: أنت بحاجه لمراجعة طبيب قبل أن تتفاقم حالتك الـ "ADHD"- "اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة"..
حين أتذكرها اضحك لصراحتها وجديتها المفرطة. لا بأس. أضحك ربما لأني أبدو ككل المرضى الذين لا يعترفون، ولا يشعرون، أنهم مرضى. وهذا الاستهتار من شأنه أن يقلقني أكثر!
في محاولة متقدمة لأتدرب على التروي والتركيز، صرت أردد داخليا في الأماكن العامة والمكتظة ما ترجمته "ضي رحمي" عن الإيطالية: "كل شخص مؤهل لأن يكون قصيدة إذا ما لوحظ بعناية كافية".
هذه التربية الذاتية، التي أتعهد بها نفسي بين الحين والآخر، يفترض أن تشمل الثالوث الاجتماعي: (الأشخاص، الأفكار، والأشياء). فكل حقيقة، أو تربية، لا سلطان لها، ولا تؤثر على هذا الثالوث معا "مدار الإصلاح الحضاري"، هي حقيقة ميتة، برأي المفكر الجزائري "مالك بن نبي".
لم أخذ ما ترجمته "ضي رحمي" بمعناه الحرفي: أي محاولة إيجاد قصيدة في كل شخص، إنما استنطاق القيمة والمعنى مما نعايشه ونشاهده ونمر به.
في فيلم "Words and Pictures"، الذي يمثل صراعا لأثبات أيهما أهم: الكلمات أم الصور، في قدرتها على التعبير والتأثير والديمومة؟ بقدر ما يحمله من مضامين عميقة، لم أجدني منحازة لطرف على آخر، ولم يسبق أن انشغلت بالتفكير حول هذا التنافس، كوني اعترف لكلاهما بالقدرة المدهشة على السحر والإلهام والخداع أيضا. ولأني أرى أن معضلتنا هي الكثرة وتعدد مصادر التدفق بكل أشكاله، ولا مجال لأن يكون الحل في تقليصها، ونحن نعيش عصر معلوماتي وتواصلي أوسع وأعمق من محيط، يغمرك بلا استئذان.!
إذا؛ لعل كسب الرهان يكون في استحضار النباهة للتميز في أولويات وترتيب هذا التدفق (مرئيا، ومسموعا، ومقروءً)، والذكاء لاقتناص المهم من الأهم، فضلا عن تجاوز "حفلة التفاهة"، وتصبّر لإشباع جانب محدد والتركيز عليه.
يا لها من مهمة حضارية ووجودية يجابهها الإنسان الحديث!
وهنا تُمتّحن قدراته، ويحدد مستوى ذكاؤه- الذي في إحدى تعريفاته المهمة يمثل: "القدرة على التعامل مع المتغيرات الجديدة للحياة بكفاءة".
ينبغي أن أشير إلى أن مصطلح "حفلة التفاهة"، الذي أوردته هنا، هو اسم رواية لـ "ميلان كونديرا"، لم أطلع عليها بعد رغم اسمها اللافت. ومما يتداول منها كاقتباس شائع: "أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام، لم يكن ثمة سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد"
لم أصل بعد لقناعة "كونديرا"، وهذا ما يدفعني لمحاولة النجاة من "حفلة التفاهة".
مقالات ذات صلة