الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

في الذكرى العاشرة لعاصفة الحزم!

‫كتابنا‬| 29 مارس, 2025 - 8:38 م

 

 بقي الانقلاب الحوثي منذ يومه الأول في 21/9/2014 إلى هذه اللحظة حقيقة ثابتة وفعلاً واقعياً؛ بينما تاهت كل ردود الأفعال المناوئة له، وتشتت غاياتها في وأد ذلك الفعل، واعتراها الغموض والحيرة في تناقض أهدافها المرسومة وإخفاق ملامحها وتشوه صورها، مقارنة بحقيقة الانقلاب التي لم تخفت، بين الفعل وردة الفعل غرقت اليمن في مستنقع من التيه، وعجزت عن استعادة مصيرها والتحكم بإرادتها .

كانت عاصفة الحزم التي قادتها الشقيقة ومعها الإمارات في إطار تحالف دولي فعلاً منطقياً استشعر الخطر على الداخل اليمني والخارج الإقليمي، لكنه لم يكن بتلك الجدية والمسؤولية الكفيلتين بتحقيق فارق حتمي وإنجاز مهمة استئصال الخطر بعناية فائقة واحترافية منهجية، بل تضاربت نواياه وتداخلت أهدافه بين نسقه المعلن وبين نسقه المضمر المتمثل بخلق واقع يمني جديد متعايش مع بقاء الانقلاب بالصورة التي سيرسمها التحالف ويحدد شكلها، فكان تأثير هذا التناقض النسقي للتحالف قد شتت قدرته في القضاء على الخطر الحوثي من خلال القبول بإمكانية استمرار ذلك الانقلاب بالشكل الذي لن يبلغ خطره الإقليم .

في البدء لا يمكن الجحود بما أنجزه ذلك التحالف أو التقليل من أهميته، فقد كان له أثر بالغ في تغيير خارطة المواجهات والشروع في استعادة الدولة وتأسيس جيشها الوطني حيث كانت العاصفة قد وسعت دائرة ردع الانقلاب وتحرير بعض المدن، إلا أن ذلك النَفس الحازم فقد بريقه إبان تحقيقه ما كان متحمساً لإنجازه، ويندرج ضمن أولوياته، لكنه أرخى همته وخفتت طموحاته في تحرير الجغرافيا التي ليس لها أهمية في نظره . 

ليس الغرض من استعادتنا لنوستالوجيا العاصفة حصرها بين السلبية والايجابية، وقياس مدى صوابيتها أو تتبع نقاط الإخفاق والأخطاء فيها؛ بل التأمل الحفري في قراءة  انزلاق مشهد الحرب في اليمن في منحى درامي متخم بالكوميديا المؤلمة، وظفر العدو بمكاسب جديدة؛ بينما الطرف الشرعي المسنود بتحالف وتأييد دولي تتراجع مكاسبه وتبهت نقاط قوته، وهذه المعادلة خلقت تساؤلات منهكة وجدالات مستفيضة وشكوك عريضة تحلم بالعثور على تفسيرات منطقية تبدد هذا الديالكتيك وتقنع شعباً أرقته تلك الهواجس وأعيت طاقته في استيعاب مصير وطنه .

كانت عاصفة الحزم فاتحة الأمل الأولى التي عُلقت عليها كثير من الغايات وتماهت معها حقائق الانتصار، وكانت تلك الحقائق قاب قوسين أو أدنى من المثول ومن ثم دخلنا في تعقيدات متداخلة مفادها أن الحوثي يمضي قدماً والقضية الوطنية متجمدة في باحة تلك التعقيدات المتلاحقة المخاتلة في النظر للمسألة اليمنية، تعقيدات أفرزتها العاصفة أولاً ودول الإقليم ثانياً والمجتمع الدولي ثالثاً والأمم المتحدة التي تماهت مع تلك التعقيدات وظلت تقود فعلاً متأرجحاً يرسخ التعقيد ويقلل من خطورته حتى فَقد الجميع السيطرة على احتواء مآسي الخطر الحوثي طيلة عقد من الصراع .

ولتفكيك هذه الصورة المعقدة حول الحوثي والشرعية والإقليم والمجتمع الدولي تنتصب فكرتان مهمتان مفسرتان لها، الأولى: رغم أن الانقلاب الحوثي حقيقة ثابتة متصلة بطموح إيراني مقلق لليمن والإقليم والعالم إلا أن هذه الحقيقة بدت في نظر المجتمع اليمني والإقليمي والدولي يرافقها الشك والاستخفاف بأبعادها وتَّم التقليل من تبعاتها وما يمكن أن تصير إليه في مستقبلها وما ستجلبه من مخاطر، وقد استغل الحوثي هذه الرؤية المتذبذبة أيما استغلال وكانت النافذة التي عبر من خلالها لترسيخ مشروعه يوماً بعد آخر، وهذه النقطة  كفيلة باستدعاء النقطة الأخرى المتمثلة بإهدار كثير من الفرص التي كانت وشيكة في القضاء على الحوثي، وأول فرصة ما وصلت إليه العاصفة في مراحلها الأولى، وبلوغ الجيش اليمني فرضة "نهم"، وتبعتها فرص مماثلة كبلوغ القوات المشتركة الحديدة وقدرتها على تحريرها، كذلك زخم التحرير الذي كان عليه الجيش الوطني ومعه المقاومة الوطني في مختلف الجبهات، وليست الفرص القتالية من أهدرت، فهناك فرص سياسية واقتصادية واجتماعية أهدرت تحت مطية المخاتلة وارتباك الرؤية مع هذا العدو، ولذا فالباعث للأسى أن العدو مر بمحطات خطيرة حد الاختناق، وكانت الفرحة الشعبية بسقوطه عارمة، لكن سرعان ما تفرز تلك الصدمات التي يتلقاها نتائج عكسية ويخرج منها رابحاً، وكل النوايا العازمة على تأديبة تفشل في بواكير خطواتها، حتى أصبح قوة قادرة على تجاوز محنه وتعزيز قدراته من كل النواحي .

ومهما أمعنا في البحث عن سبب يفسر هذا الموقف لن نجد غير الأنانية والتفكير بالمصلحة الخاصة كدافع منطقي جعل موقف الجميع من الحوثي   يبدو بهذا  الشكل، سواء للمجتمع والأطراف اليمنية أو لدول الإقليم أو للمجتمع الدولي، ويقتصر عداؤهم للحوثي بقدر ما سيلحق ضرره بهم، فعاصفة الحزم تراخت إبان تدميرها لسلاح الدولة الذي كان بحوزته بعد مناوراته للأشقاء به، كذلك القوى الدولية قللت من تهديداته للملاحة الدولية طيلة عامين ولم تشرع بردعه إلا بعد أن أصبح خطره لا يحتمل فجاءت الغارات الأمريكية لنسف عتاده لإخماده من ناحية والسعي لتقليم أذرع إيران في المنطقة بعد تحول منطق التعامل مع إيران إلى مسار عسكري صاخب وانقراض ذلك الصراع الناعم معها .

وعليه فإن هذه الذكرى تحاصرنا في استقراء قضيتنا الوطنية بشفافية ومنطقية والتبصر في عِقد متأزم مليء بالتناقضات والانحرافات التي جعلتنا نقف في زاوية مثيرة للشفقة، وقد أصبح عدونا متمدداً في أكثر من معطف وتشابك حضوره مع كثير من المصالح التي أثرت على مسار التحرير، واستعصى علينا المضي في الخلاص منه بعد تشتت إرادتنا وتمزق أهدافنا وتخاذل الغالبية عن نصرتنا ومساندتنا والدفع بنا نحو وضع حد لكل المآسي التي خلقها الحوثي في أرضنا وشعبنا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً واجتماعياً.

وفي هذا السياق المضطرب لا يمكن إنكار تلك البطولات الملحمية التي خاضها الأبطال اليمنيون من الجيش والمقاومة على مدى عقد، وهي البطولات الوحيدة التي بقيت ثابتة إلى اليوم على الأرض، ولم تتزحزح بعوامل التعرية وتغريها المصالح وكانت عصية على التقهقر، ولولا إراداتها الصلبة لجرفتها تلك اللعبة القذرة داخلياً وخارجياً التي لم تأبه بشيء غير تنفيذ أهدافها وتحقيق مصالحها، ومن ثم قُيدت تلك العزائم وصبغت بتلويحات السلام الباهت والشرعنة المقيتة للانقلاب والتغاضي عن جرائم العدو وتجاهل ضحاياها، سيظل أولئك هم الحقيقة الثابتة القادرة على اجتثاث حقيقة الانقلاب دون الاكتراث بنوايا الساسة والقادة المتماهين مع الإنصات لتعليمات الخيبة والتمسك بكل الضغوطات التي تعيق الشروع في معركة خلاص يمنية بإرادة يمنية بحتة لا ترضخ لأذيال المصالح الإقليميين والدوليين، فالشعب هو المعني كما حدث في السودان ولا غيره قادر على إنقاذ نفسه .

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024