الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

الشرعية ومكافحة فوضى الفساد!

‫كتابنا‬| 10 يناير, 2025 - 6:43 م

 بعد أمد طويل تفشى للعلن فيروس الفساد في جسد الشرعية اليمنية العازمة بعد طول انتظار تبني موقفاً حازماً، وتعرية هذا الوباء علناً بعد تكتم كبير وإخفاء متعدد لدرجة العجز عن التستر.

تبدو حجم التحديات والعوائق التي تواجه الشرعية في كفة؛ والفساد في كفة أخرى لها السيطرة والنفوذ، ويشكل الإعاقة الكبرى في إحراز أي تقدم ملموس يحتسب لعمل الدولة والسلطة الشرعية ككل، وكان لغياب أجهزة الرقابة والمحاسبة دور فعال في اتساع دائرته وتشعب مساحته، إلى جانب صيغة التوافق التي بنيت عليها الشرعية التي أضعفت خضوع الفاسدين للمحاسبة وتمردهم على السلطة، والعبث بمقدرات الدولة وإيراداتها.

ثلاث حكومات متتالية تركت قيادتها اختلالات جسيمة واهدارات مريعة ليس على مستوى الوزراء وإنما بطريقة تسلسلية، كل بحسب ما هو متاح وما يقع تحت سلطته، ليؤدي هذا العبث في التسبب بعجز تام في  أداء الحكومة وانهيار كلي للعملة وتعطيل ميزانية الدولة وشحة إيراداتها التي تذهب إلى جيوب هوامير الفساد وأقطابه الصغار والكبار.

كانت التساؤلات تنتصب يوماً بعد آخر حول الضعف والانهيار الاقتصادي المصاحب للسلطة الشرعية، وكان التذرع بأن كل من يتردد في إطلاق تهم الفساد والتبرم بعمل المسؤولين سيتم إسكاته بعدة أساليب من بينها شق الصف الوطني أو اتهامه بالعمل لصالح المليشيات أو تشويه سمعة الشرعية اليمنية التي تعمل في ظروف عصيبة، لكن مجلس القيادة أدرك مؤخراً أن كل تلك الذرائع لا تعفيه من مسؤولية المحاسبة والرقابة، وتتبع خيوط الفساد في كل وزارة ومؤسسة ودائرة حكومية؛ كون تلك المهام من أولوياتها الدستورية وصلاحياتها القانونية للحفاظ على إدارة السلطة وإنقاذها من الفشل المحدق الذي يكاد يفتك بها ويقودها للانهيار.

ربما يعد الفساد هو الشبح الكامن وراء تدهور العملة المحلية، سواء من خلال نهب المليارات وتهريبها إلى الخارج بالعملة الصعبة أو من استثمارها في مشاريع خاصة في الداخل، ولم تستطع الودائع أن تضع حداً لذلك التدهور؛ لأن التهامها من الأسواق المالية يتم في ظرف وجيز، والقائمين على عمليات الفساد تلك من صلب الدولة وقياداتها التي تستغل مناصبها للتستر على فسادها، وتجاوز كل صلاحياتها .

فلو أمعنا النظر في دراسة أدبيات العملية السياسية وتأزماتها الجمة منذ عقود لوجدنا أن الفساد أخطر سبب يقف خلف فشلها في إحداث أي تحسن اقتصادي أو معيشي أو تحريك عجلة البناء والتنمية في البلاد التي يقتلها الفقر وينطحها العجز، بينما يظهر المسؤولون الذين يديرون هذه المؤسسات الفقيرة متخمين حد النخاع عكس ما يروجونه عن مؤسساتهم المعروفة بضعف دخلها وشحة نفقاتها.

بمقدور مجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الحكومة اتخاذ خطوات تصحيحية حازمة لمكافحة الفساد، وذلك من خلال تفعيل دور مؤسسات الرقابة والمساءلة القانونية وتنظيم الموارد، وتفعيل لجان خاصة داخل كل وزارة ومؤسسة ودائرة حكومية، وتخفيف صلاحية المحاصصة بحيث لا يتجاوز مفهومها مفاهيم المؤسسية واللوائح التنظيمية، وبمقدورها اتخاذ الفساد كقوة ضغط يتم من خلالها إخماد أية عنترية يبديها أي طرف أو مكون سياسي ينصب نفسه كدولة يمتلك كل الصلاحيات ولا يخضع للرقابة والمحاسبة، فحين تفوح رائحة الفساد والفشل تبرز الحكومة كمعنية أمام الشعب، ويتنصل الطرف الفاسد عن تحمل تبعات إدارته بدعوى المحاصصة أو عمل اعتبار للمجلس ورئاسة الحكومة.

تفتقر الشرعية للعمل المؤسسي ومبدأ الشفافية والنزاهة والاكتفاء بعملية سياسية دون امتلاك إدارة تنفيذية أو قدرة سيادية تضبط طريقة أداء وعمل المؤسسات الحكومية، نظراً لما تقتضيه الشراكة وتلزم به المحاصصة ويسيره التوافق السياسي، كل هذه الأسباب منحت الفساد أرضية حرة للتمدد والتفشي واستحواذه على نصيب الأسد من العائدات.

لا نريد أن تكون حملة مكافحة الفساد التي أطلقها مجلس القيادة أو رئاسة الحكومة تندرج تحت طائلة صراح أجنحة داخل الشرعية واستغلالها إعلامياً من قبل كل جناح لإثبات تفوقه وتأكيد صلاحياته أمام الأخر، وإنما نريدها عملية إصلاح حقيقية واستراتيجية شاملة تعمل على اكتشاف جذور الفساد بشفافية وتتبع صوره بمصداقية ومثالية، وإلا سيزيد الطين بلة وسيُتخذ الفساد مسار المماحكة والتمظهر بالنزاهة، وتصبح عملية كشف مواطنه مجرد لي ذراع وابتزازاً سياسياً لا أكثر ولا أقل.

لقد تحمل هذا الشعب أصنافاً من القهر والتأزم وإهدار حقوقه وضياع موارده، وهو الآن في أمس الحاجة لقيادة رشيدة ومسؤولية وطنية تسعى لتوطيد مبدأ النزاهة والكفاءة والتدوير الوظيفي، وانتقاء الأصلح والأجدر بتولي المناصب بدلاً من الاتكاء على قيادات فاشلة تأتي بناءً على توصيات جهة أو حزب أو فرض توافقي ودعم خارجي يقر أسماء ليست جديرة بأداء مهامها.

يجب تغيير نمط العمل الإداري القائم على المحسوبية وفتح مبدأ التنافس في النزاهة والجدية والالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لعمل كل مؤسسة بعيداً عن بلطجة الأداء ومحاصصة الاختيار، بحيث يحق للقيادة السياسية ورئاسة الحكومة اختيار الشخصيات النزيهة القادرة على تقديم صورة أفضل للإدارة وإحداث تغيير ملموس وليس استغلال الإشكاليات واتخاذها ذريعة لتبرير فشلها وفسادها.

 فالفساد هو العدو الداخلي الأكبر الذي يدمر بنية الدولة، ويعطل سلطتها ويبرز عجزها، ويقدم صورة داخلية وخارجية ميؤوس منها عن الشرعية، وينتزع منها ثقة المانحين والداعمين الإقليميين والدوليين الذين يتبرمون من الفساد المستشري واللامبالاة في تحسين أداء الشرعية وغرقها وحيدة في مستنقع العجز، وتخلي المؤيدين والمساندين لها اقتصادياً، وسيقتصر ذلك التأييد سياسياً فحسب.

لقد اتخذ العدو الحوثي كل سمات الفشل والفساد للسلطة الشرعية شاهداً لإقناع من يحكمهم بأن مناطق سيطرته تعيش تحسناً معيشياً أفضل وصرفاً ثابتاً لسعر العملة وانعداماً للفساد لتبرير جبروته واستمرار قمعه لهم، ولذا يجب ألا نمنحه فرصة التباهي والتعجرف غير المنطقي، يجب أن تعي شرعيتنا مسؤوليتها الوطنية في أقسى لحظة تاريخية يمنية، وأن تحرص على إعادة ثقة شعبها بها، وتعزم على معالجة كافة الإشكاليات الناجمة عن الفساد وكشفها بصرامة وحزم، ومحاسبة كل المتورطين وتجميد أرصدتهم في الداخل والخارج، وتشكيل لجان عامة وخاصة تتبع المجلس شخصياً إلى جانب تفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ومن سيرفض هذه الإصلاحات يجب التصدي له سواء كان فرداً أو حزباً أو فصيلاً سياسياً، لأن الوضع بات على حافة الانهيار ولا يحتمل أي تهاون أو مخاتلة، وستفقد  قدرتها في السيطرة عليه؛ طالما تجاهلت بؤر الفساد ومصادره والمتسترين عليه، وسيقف الشعب في صفها، ويؤيد خيارات الإصلاح التي ستتخذها، فالوطن يواجه مصير وجودي مضطرب ومقلق وكل آماله وغاياته معلقة برقبة شرعيته وقياداتها الوطنية.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024