- وزير يمني ينتقد زيارة غروندبرغ إلى طهران ويحذّر من أي خطوات لإنقاذ الحوثي

صلاح الأصبحي
السلام.. الخيط الذي أضعف الشرعية!
كتابنا| 15 مارس, 2025 - 7:58 م
بعد تزايد الضغوط الخارجية على عصابة الحوثي وبدء سريان القرار الأميركي بتصنيفها منظمة إرهابية أجنبية، وما تبع ذلك من عقوبات طالت شخصيات حوثية سياسية وأخرى مؤسسات ومراكز نفوذ تجارية واقتصادية وحظر مصادر التمويل وتدفق الأموال إليها داخلياً وخارجياً، ما يزال يتردد هناك صدى الحديث عن سلام مرتقب مع الجماعة، وإمكانية ملائمته للقضية اليمنية؛ رغم أن ذلك يعتبر تناقضاً مغايراً لماهية التصنيف الذي يجرم إمكانية التفاوض معها حسب الأدبيات السياسية الدولية.
فمن المجازفة بمكان تجريب اقتياد فعل السلام لعبور الجغرافيا السياسية اليمنية وجرجرته بين أرجائها، وإرغام الأرض والإنسان على ارتشافه رغم أن كل المعطيات وتباعد الغايات بين مكونات الداخل المتناطحة لا تبشر بإمكانية أن يجد السلام له موطئ قدم على الأرض أو يخطر في بال المعنيين به كفكرة مستبعدة أو كحلم يقظة يزاحم كوابيس وهواجس القتل والتدمير الغالبة على التفكير والسلوك واللغة المتداولة سياسياً.
المثير للشفقة أن الشرعية اليمنية أفرغت كل مسؤوليتها السياسية والتاريخية على خيط السلام الباهت، وبدت مثالية حد الضعف في تمسكها به أمام الرأي الإقليمي والدولي، متخذة إياه الطريقة المثلى للتغلب على خصمها الحوثي وإرغامه على الرضوخ لمطالبها المستلبة منها، وكلما اتخذت خطوة تصعيدية للإفلات من لعنته، أجبرت على العودة إليه كأنه ثوب مفصل على مقاسها ولا يليق بها غيره، كما حدث مع تراجعها عن قرارات البنك ودفعت ثمناً باهظاً جراء تراجعها تحت ضغط المبعوث الأممي، الذي تقتصر مهمته على تقييد الشرعية وكبح جماح تصعيدها وإبعادها عن طريق الجماعة.
الجدير بالذكر أن كل جولات السلام التي رضخت لها الجماعة لم تتعد صفقات التبادل للأسرى فحسب، وما دونها يبدو مستعصياً في نظره، والغريب أنه كلما طال التعقيد وحلت لحظة سطوة اليأس السياسي بخصوص الشأن اليمني داخلياً وخارجياً، حدث التهامس الخافت المندد بالسلام من قبل المبعوث الأممي وكل المعنيين دون أي جدوى، ويبدو أن ذلك بمثابة إنقاذ للجماعة وإخراجها من كل مأزق حتى تتجاوز حالة السخط عليها، ومن ثم تعود لصلفها من جديد، كأن شيئاً لم يكن، يمضى الطرفان كلٌ في طريقه، وتبقى الأحداث تتصاعد والمعارك تنشب ودوائر العنف والمواجهات تتسع حتى اللحظة.
وفي هذا السياق المضطرب تتفجر موجات الغضب وتصدح صوت الآهات اليمنية كلما أراد المجتمع الدولي والإقليمي إقحام السلام كمنظومة حلول تبتلع جذور الإشكاليات اليمنية المتشعبة والمتعددة المشارب والمآلات بحيث يصعب حشرها دفعة واحدة في قنينة سلام -على طريقة مصباح علاء الدين - وإنهاء الحرب اليمنية في لحظة سحرية، وتجاهل تدفق نهر الصراع والتمزق وتفاقم الخلاف في كل مفصل من مفاصل الكيان اليمني والقضية المتشرنقة التي يستحيل لملمة كافة الكيانات وجرها إلى نقطة توافق واحدة.
ومما يزيد الطين بلة ذلك التشرنق السياسي المتناقض والمحير في تداخل الأطراف واستغلال الكل لصالح الجزء، وكسب المطامح من خلال البقاء مع الكيان الرئاسي الواحد والعمل وفقاً للأهواء الفردية الذاتية، كمن يستنفذ طاقة الكبير حتى يكبر الصغير ويصبح متمكناً ومنشطراً، فهذا أمر مربك ومخيف وغامض طالما وأن الوضع صادم ومفاجئ ويعجز فهمه وإدراكه أو تتبع أهدافه.
وطبقاً لمستوى التعقيد المتشعب في قضيتنا الوطنية فإن التلفظ بمنطق السلام كمعادل موضوعي يبدو اعتباطياً وحمقاً سياسياً بامتياز؛ نظراً لاتساع الهوة بين الداء والدواء كمن يطمح بالتصدي لداء الطاعون ببندول الصداع، ويتوهم أمل التماثل للشفاء بهذه الطريقة الساذجة التي تثبت أن الاستهتار والتهكم سمتان بارزتان في منظور كل من يحاول فرض السلام يمنياً : إقليمياً ودولياً، وأن الدماء اليمنية التي تسال يومياً والمعاناة المرة التي خيمت على حياة اليمنيين لا يأبه بها أحد، ولا تثير شفقة الفاعلين الدوليين في الشأن اليمني، وربما تبدو المسألة من وجهة نظرهم أشبه بعراك أطفال في فناء المنزل.
فكل حقائق الواقع تقول: إن السلام منبوذ يمنياً وليس هذا شكاً ديكارتياً أو تشاؤماً نتشاوياً وإنما حقيقة ملموسة تزكيها الأحداث المتصاعدة والسلوكيات المتطاحنة والمسارات المتصدعة المتفشية على امتداد الجغرافيا اليمنية، حيث لا يتميز الطرف المعني بجنوحه للسلم ومد يده للحوار أو خشية المزيد من التمزق والتهاوي والإشفاق على الحالة المزرية التي يتجرعها اليمنيون يوماً بعد آخر فعصابة الحوثي تبالغ في عنادها وتستفحل في إشعال فتيل المعارك والجبهات، واستهدافها المستميت للعُزل والأحياء السكنية والمصالح العامة؛ بينما تقبع في الناحية الأخرى سلطة شرعية مرتبكة مليئة بالثغرات ومتخمة بالخيبات والضعف، فلم يتماسك عودها أو يشتد ذراعها؛ بل دفع حالها ببعض مكوناتها لاتخاذ حزمة من الخطوات التي من شأنها تقويض صلاحية سلطة شرعية شاملة تستنجد بالسلام وتدعي إخلاصها له كنتيجة حتمية لضعفها وترهلها.
وفي المنتصف يحترق شعب ويموت جوعاً وقهراً وهو متشرنق بين اللاحرب واللا سلام، فلا هو تمسك بمنطق الحرب وحدد هدفه منها متخذاً موقفاً صارماً يفضي إلى خلاص، ولا إنه تمسك بالسلام وعمل على جعله واقعاً ملموساً، فيا للحيرة ويا لتعاسة حظنا وعتمة لحظتنا.
مقالات ذات صلة
أراء | 31 مارس, 2025
محاولة جديدة لإيداع جنوب اليمن في ثلاجة الماضي
كتابنا | 29 مارس, 2025
في الذكرى العاشرة لعاصفة الحزم!
كتابنا | 27 مارس, 2025
عيدٌ في قبضة الحوثي
كتابنا | 25 مارس, 2025
قادة بلا عمل!
كتابنا | 24 مارس, 2025
فتشوا عن مفاتيح الحل!
كتابنا | 22 مارس, 2025
إنهاء زوبعة البحر الأحمر