الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

إنهاء زوبعة البحر الأحمر

‫كتابنا‬| 22 مارس, 2025 - 8:46 م

 يعتبر أمن البحر الأحمر جزءاً من الأمن القومي للدول الكبرى ومن أهم الملفات المتعلقة باقتصاد تلك القوى، وليس هذا فحسب؛ بل بقي هذا الأمر ليس حكراً على أية دولة لتتحكم به بمفردها أو تهمين عليه، باعتباره شأناً عالمياً يتعلق بالاقتصاد العالمي ككل وطرق الملاحة الدولية، فظلت هذه المعادلة عقوداً بلا صخب يذكر أو مماحكات تنشب حتى ظهرت المليشيات الحوثية وقلبت المعادلة رأساً على عقب، مثيرة زوبعة وتهديداً ألحق أضراراً جسيمة بأمن الملاحة وجلب أكبر تحشيد عسكري دولي لردع حماقتها وتأمين طرق التجارة العالمية في البحر الأحمر .

ظل الخطر الحوثي يُحدث تأزماً أمنياً في البحر الأحمر من تهديد غير مباشر للملاحة الدولية واختطاف للسفن وإطلاق للصواريخ والمسيرات في تحد صارخ للإرادة الدولية، وتحرش واضح بمصالح الدول الكبرى تحت ذرائع مختلقة حتى تغطرس حمقه وتفشى دوره في التهديد المسنود من طهران، وكانت ردود الأفعال الدولية تتجنب الصدام معه، وتكف عن ردعه بما يجب حتى فقد ذلك الحظ مع تغير إدارة البيت الأبيض وصعود ترامب الذي عزم على اجتثاث ذلك الخطر ونسف منابعه.

لم تعد السياسة الدولية تتحلى بقيم الدبلوماسية وردة الفعل الناعمة، فحدة التوترات بلغت أوجها مع صعود ترامب، وبات الخيار العسكري خياراً أولياً يتصدر قائمة الصدامات الدولية والتوترات الناشبة في مجمل القضايا العالمية، وهذا الطارئ المستجد سيقمع أي تهديد ينبثق من أي اتجاه أو يتصاعد من أي عدو، ولطالما كانت الزوبعة المتصدعة في البحر الأحمر قائمة فكان لزاماً أن يتم وأدها وإنهاء قلقها، لا سيما أن ترامب في حالة غطرسة ومغامرة مجنونة تدفعه لخوض غمار الحرب، والتلويح بتهديداته يمنة ويسرة، فعزم دون رجعة على اجتثاث التهديد الحوثي ونسف منافذه بشراسة مخيفة بثت الرعب في صفوف الجماعة ومرغت حماقتهم.

لم يكن الحوثي يتوقع أن يقمع بهذه الصورة الوحشية وأن تكون عزيمة واشنطن بهذه الجدية والحدة القاسية الطامحة بإنهاء هذا التأزم للنهاية دون مخاتلة أو تردد، وهذا الأمر مثل صدمة كبيرة لدى قادة المليشيات وأربك خططها وأفقدها توازنها واستأصل نقاط قوتها الصاروخية وبنيتها العسكرية المستخدمة في تنفيذ هجماتها، ضربات موجعة تلقتها الجماعة وفتكت ببعض قيادتها واتساع رقعة أهدافها ودقة انتقائها لنسف كل المواقع المخفية التي يتخذها الحوثي مواطناً لإدارة عملياته.

أدركت واشنطن أنها كانت في غيبوبة جراء غفلتها عن استيعاب حجم الخطر الحوثي في البحر، لكنها الآن وجدت كل الدوافع سانحة والمبررات منطقية لما تقوم به، فقد اعترفت أن الحوثي استهدف سفنها 174 مرة، وليس هذا فحسب بل ربما أدركت أن إيران تقف خلف إمداد الحوثي بتقنيات عسكرية مكنته من امتلاك أسلحة مسيرة وصواريخ بالستية خطيرة، وهي من أمدته بالخبراء وعملت على تهريب مواد التصنيع إليه، ولذا فمساعيها الاستئصالية ستكون مدمرة لكل ما بحوزة المليشيات وستعطل قدرتها تماماً، وستضيق الخناق عليها مالياً وعسكرياً وستفرض رقابة  بحرية مستمرة لإعاقة تزويدها بما كان متاحاً سابقاً .

وقد أكدت البيت الأبيض أنها غير معنية بأطراف الصراع في اليمن، ولن تهتم بغير أهدافها المرسومة المتمثلة بتقويض القوة الصاروخية الحوثية؛ لكن مراكز أبحاث أمريكية ودولية أعابت على إدارة ترامب هذه الخطة المجزأة، متهمة إياها بأنها لن تقضي على التهديد الحوثي نهائياً، وإنما ستضاعف قبضته على الشعب، لكنه سيظل شوكة خطر قائمة وسيعاود استهدافاته، ويفترض أن يرافق هذه الغارات دعم القوة الشرعية ودعمها عسكرياً واقتصادياً ودفعها للقيام بزحف بري صوب مناطق الحوثي لتقليص نفوذه.

الأعباء العالمية التي راكمتها الزوبعة كثيرة، سواء في دول الإقليم كمصر التي صرح السيسي أن مصر تخسر سنوياً 800 مليون دولار إزاء ما يجري وتهرب السفن التجارية من عبور البحر الأحمر، كما حاولت بعض السفن دفع إتاوات سرية للحوثي مقابل ضمان سلامة مرورها، وقد ذكرت أرقام مهولة كسبتها المليشيات من هذا المصدر، وربما عاشت الدور وتوسعت مطامحها في هذا الشأن، وأرادت المضي فيه أكثر، لكن المجتمع الدولي عزم على وضع حد لهذا الأمر، وسيساند البيت الأبيض في ردعها لمصدر ذلك التهديد .

من الممكن أن مسار الهجمات الأمريكية لن يبلغ مداه المرسوم، نظراً لطبيعة الاستراتيجية العسكرية الحوثية التي مكنتها اتساع الجغرافيا المسيطرة عليها من إخفاء بنيتها العسكرية وتشتيتها في المدن والأرياف والجبال والأحياء السكنية، وهذا سيعرض حياة المدنيين للخطر من ناحية ويعيق إحراز تقدم بالنسبة للغارات الأمريكية التي تفتقر لمعلومات استخباراتية تتيح لها إنجاز مهامها بوقت وجيز، وسيطيل استمرارها في تنفيذ ضرباتها لوقت طويل مالم يحدث خروج من المعضلة بأساليب أخرى كالمفاوضات وتخفيف حدة التوترات من قبل الطرفين .

تتحمل القيادة الشرعية اليمنية وزر تجاهلها وعدم الثقة بها في النظر لها كنافذة لإنهاء أي صراع مع الحوثي، سواء فيما يتعلق بقضايا البحر أو بقضية سلطة معترف بها دولياً وعصابة انقلابية ألقت بظلال خطرها على الكل، وهذا ثمن باهض لم يحسب مجلس القيادة حسابه وهو يعج بكثير من الإشكاليات دون أن يكترث بصورته أمام العالم، وإلا فالأولى أن يتم وضعه في صلب الخطر الحوثي وعملية تقويضه في أي سياق، ويفترض أن يغير سياسته ويقدم رؤى تعيد له الاعتبار في القرار الدولي المتجاهل لدوره أو المساند له في زحزحة الحاضر المتشرنق بالتيه والشتات والخيبة في تجاوز الواقع المتشظي.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024