وقفات في الذكرى الثامنة لثورة فبراير | في خضم الثورة (2 - 3)

[ أحد شباب ثورة فبراير على عمود كهربائي يحمل علم اليمن بيده إلى جواره عُلق مجسم ورقي للرئيس السابق "صالح"/ 2011 ]


لقراءة الجزء الأول: .. إرهاصات ما قبل الثورة (1 - 3)

 
  
دلالة الشرارة الأولى
 
في كل تجارب الثورات الشعبية على امتداد التأريخ، تكون اللحظة الأولى للتغيير صعبة. فهي تحتاج لظرف خاص، حتى يتحرك مجتمع لم يتحرك لعقود.
 
 الحال ذاته ينطبق على الشعب اليمني- وأعني هنا التحرك الشامل كما حدث في 11 فبراير- فقد كانت الشرارة الأولى لفبراير بمثابة العامل الحاسم الذي مهد لثورة شاملة. حيث تحرك المجتمع وكسر حاجز الخوف واستطاع أن يُحدث تغييرا مرحليا مهما.
 
 وبهذا التحرك يكون المجتمع قد خرج من دائرة السلبية، ودخل في دائرة الفعل، كمحرك رئيسي للأحداث وصانع حقيقي للتغير. وهذا الأمر يعد خطوة مهمة وإنجاز معنوي حاسم تتأسس عليه كل خطوات التغيير اللاحقة.
 

مئال الثورات
 
على امتداد التأريخ، مسار الثورات متذبذب دائمًا؛ صعودا وهبوطا وتعثرا ووقوفًا ونجاحًا وفشلا وانكماشا وتمددا...، وهكذا طيلة ظروف تفاعلها. فما من ثورة تسير بخط تصاعدي ومستقيم للأبد. هذا الأمر يتعلق بطبيعة الثورة كحركة تاريخية مفتوحة على كل الاحتمالات. ويظل مرهونا بردة فعل الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب.
 
 وغالبا، ما من نظام يستسلم ويذوب بسهولة؛ بل يظل يناور ويقاوم ويعيد ترتيب أوراقه حتى يتغلب على الثورة مؤقتا، كما حدث لمسار ثورة فبراير لاحقًا. أو تكسره الثورة في نهاية المطاف. وتلك حتمية تاريخية تتطلب وجود كتلة ثورية صلبة تشتغل بنَفَسٍ طويل، وترفض أي مساومات تتجاوز أهداف الثورة، أو تهجنها كما حدث، في اليمن أيضا، مع ثورة 26 سبتمبر قبل ذلك بعقود.
 

صمود الحراك الثوري وفشل رهانات النظام
 
 تمكنت ثورة فبراير من كسر حالة الجمود التاريخي، ونازعت النظام شرعيته المنتهية، ثم نجحت في الحصول على تأييد محلي ودولي واسع. أمام مشهد كهذا، راهن النظام على عامل الوقت في إضعاف الحراك الشعبي، وبدأ يناور كعادته آملًا في تجاوز المأزق. لكنه فشل هذه المرة، فحاول استخدام القوة بشكل متقطع (مجزرة الكرامة واحراق ساحة تعز كنموذجين بارزين)، وكانت النتائج عكسية. حيث أدت أحداث القمع إلى استقطاب زخم شعبي مضاعف، في الوقت الذي خلخلت فيه النظام من الداخل.
 
وبهذا، تمكن الثوار من الصمود الثوري، وتعطيل آلة القمع، وحشر النظام في زاوية ضيقة ومكشوفة. الأمر الذي دفعه وأضطره، في نهاية المطاف، إلى التسليم بالحل السياسي عبر صيغة سياسية توافقية تمكنه من التنازل عن منصب الرئاسة، مع الحفاظ على القدر الأكبر من امتيازاته وأوراق قوته، والقبول بتشارك السلطة مع خصومه. وهو ما عبرت عنه الصيغة الأخيرة من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.
 

احتواء الثورة بالمبادرة الخليجية
 
بعد توقيع المبادرة الخليجية في 24 نوفمبر 2011، في العاصمة السعودية الرياض، بين أحزاب وقوى المعارضة والنظام، حدث جدل سياسي وشعبي، بشأن ما إذا كانت هذه المبادرة تمهيدا لاحتواء ثورة فبراير وإخماد هديرها العالي وافراغها من زخمها الكبير، أم تتويجا لنجاحها وتحقيقا لأهدافها؟!..
 
في الواقع، كان الخليج ينظر إلى ثورة فبراير- كما هو حال بقية ثورات الربيع العربي المتزامنة- كحدث خطير، يؤسس لثقافة شعبية فاعلة وعابرة لحدود الدولة. ما يعني ضمنيّا أن أي نجاح محتمل لها، سيحمل معه نموذج مهدد لأنظمة الحكم العائلية في بلدانهم، ولو على المدى المتوسط والبعيد. من هنا كان الخليج عمليّا ضد الثورة. لكنه وبسبب الزخم الشعبي المتصاعد، لم يتمكن من اتخاذ موقف عدائي واضح ضدّها. وبدلا من ذلك، فضل أسلوب المناورة لاحتوائها، وقد يمكن القول أنه نجح في ذلك مؤقتًا.
 
كانت المبادرة الخليجية إذًا، بمثابة فعل احتواء للثورة وانقاذ للنظام. وخطورة نتائجها تكمن في أنها تمكنت من ترويض الثورة ونقل البلد من الحالة الثورية إلى العملية السياسية التشاركية. فعلت ذلك قبل أن تتمكن الثورة من تجريد النظام من عناصر قوته الرئيسية.
 
 وهو ما شكل تهديدًا لاحقًا للثورة، تجلت في تحالف الدولة العميقة مع مليشيا الحوثي وتنفيذ انقلابهم على العملية السياسية برمتها، وإجهاض المسار الانتقالي بالكامل.
 


يتبع.. الجزء الثالث والأخير: "تحولات ما بعد فبراير"
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر