قراءة في الإجراءات الحكومية لوقف التدهور الاقتصادي الحاد والمتسارع (تقرير خاص)

[ تدهور اقتصادي حاد وأنهيار متسارع للريال اليمني..وسط انتقادات لسياسات البنك المركزي في الانقاذ ]

 يواصل الريال اليمني انهياره مقابل العملات الأجنبية في أسوأ موجة انهيار وصلت إليها العملة منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس 2015 إبان انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لاستعادة الشرعية.
 
وقالت مصادر مصرفية، الثلاثاء، لـ"يمن شباب نت" إن سعر صرف الدولار الواحد في كل من العاصمة المؤقتة عدن (الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية)، والعاصمة صنعاء (الواقعة تحت سيطرة الحوثيين)، وصل إلى 560 ريالاً، فيما وصل سعر الريال السعودي إلى 150 ريالاً يمنياً.
 
واحتجاجاً على انهيار سعر الريال اليمني أمام النقد الأجنبي، أعلنت عدد من الشركات المصرفية في مدينة عدن الإضراب عن العمل والإغلاق لمدة يومين. وذلك بحسب معلومات متداولة إعلاميا، أشارت أيضا إلى أن عدد من محلات وشركات الصرافة في صنعاء رفضت بيع وشراء العملة الأجنبية.
 
وشهدت مدينتي عدن وحضرموت خلال الأسبوع الجاري تظاهرات شعبية احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار.
 
يأتي ذلك في ظل عجز البنك المركزي والحكومة اليمنية عن اتخاذ إجراءات وتدابير ناجعة لفرض استقرار قيمة الريال اليمني وإيقاف تدهوره، رغم إعلان البنك المركزي، مطلع الشهر الجاري، سحب الدفعة الأولى من الوديعة السعودية لتغطية الاعتمادات البنكية للمواد الأساسية، والمقدرة بـ 20 مليون و 428 ألف دولار، من إجمالي الوديعة السعودية البالغة أثنين مليار دولار.
 
إغلاق المصارف



وفي محاولة للحكومة اليمنية حماية العملة من عمليات المضاربة غير القانونية، لجأ البنك المركزي، ابتداء من السبت الماضي، إلى تنفيذ حملة ميدانية واسعة لإغلاق محلات الصرافة غير القانونية، بالتعاون مع جهات الضبط القضائي وفي مقدمتها النيابة العامة.
 
وتفيد إحصائية متداولة، أنه وخلال الثلاثة أيام الأولى تمكنت الحملة من إغلاق أكثر من 70 محل صرافة غير مرخصة في خمس محافظات، هي: تعز، وعدن، والضالع، ومأرب، ولحج.
 
وأكد البنك على أن الحملة ستستمر حتى تحقق كافة أهدافها في منع عمليات المضاربة غير المشروعة والتي تؤثر سلبا في قيمة العملة الوطنية، وكافة الأعمال الأخرى غير المصرح بها قانونا. وحذر البنك- طبقا لوكالة الأنباء الرسمية (سبأ)- من أن هناك رصد دقيق للمحلات التي تعيد استئناف نشاطها بالمخالفة بعد إغلاقها ولن يتم النظر في طلبات هذه المحلات بإصدار تراخيص لها.
 
ومع استمرار الحرب الدائرة في البلاد انتشرت، بشكل كبير، محال الصرافة غير المرخصة في مختلف المدن اليمنية. ويشير تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، مطلع مايو الماضي، إلى أن عدد مكاتب وشركات الصرافة يقدر "بأكثر من 1350، منها 800 من دون ترخيص عام 2017". ومن الملاحظ أن هذا العدد زاد وتضاعف كثيرا خلال فترة السبعة أشهر الماضية من العام الجاري (2018).
 
اجراءات لإنقاذ العملة



وتعليقا على إجراءات الحكومة بإغلاق محال الصرافة غير المرخصة، أعتبر رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي مصطفي نصر، ذلك بأنه "أحد المعالجات الجزئية، وليس حلاً ناجعاً وشاملا للمشكلة".
 
وأوضح نصر في حديثه لـ"يمن شباب نت" أن ما تقوم به الشركات والمصارف في المضاربة ليس سوى أحد أثار (نتائج) المشكلة، وبالتالي يجب معالجة المشكلة الرئيسية ابتداء ومن ثَمَّ يتم معالجة اثارها.
 
وشدد، نصر، على ضرورة قيام الحكومة باتخاذ تدابير علاجية ناجعة وأولها وأهمها تزويد السوق المحلي بالعملة الصعبة، لافتاً إلى أن "قواعد العرض والطلب تتحكم بالعملة، لاسيما وأن اليمن يستورد معظم احتياجاته من الخارج بنسبة قد تصل الى 90%".
 
وقال إن ذلك "يشكل ضغطا على العملة الصعبة، في ظل حالة تسرب معظمها، سواء من خلال عدم تصدير النفط، أم ذهاب مبالغ النفط كمرتبات بالدولار".
 
وأعاد الإعلامي المتخصص بالشئون الاقتصادية، التأكيد على أن أهم إجراء ملح ومستعجل يتوجب على الحكومة اتخاذه لإنقاذ العملة يتمثل في "ضخ كمية من النقد الاجنبي إلى السوق لتحقيق نوع من التوازن"، لكنه يشدد على أن هذا الإجراء "لابد أن يترافق مع حزمة من السياسيات والإجراءات الأخرى، لأن ذلك يصعد من عملية المضاربة في العملة".
 
وأضاف: "لابد من تهدئة السوق بكمية من النقود ووضع اجراءات تحد من المضاربة، بالإضافة إلى ضرورة تدخل التحالف العربي في تقديم الدعم والاستجابة للاحتياج الاقتصادي المُلح".
 
كما أكد على ضرورة "تفعيل أدوات الرقابة للبنك المركزي، مع التشديد في معالجة مشكلة تسرب العملة الصعبة، سواءً من خلال تسليم المرتبات بالريال اليمني، أو غيرها من الإجراءات التي تحد من تدهور العملة".
 
خطوات جيدة.. ولكن..!



من جهته دافع الصحفي المتخصص بالشئون الاقتصادية، محمد الجماعي، عن الخطوات والإجراءات والتدابير التي قامت وتقوم بها الحكومة حتى الأن للحد من تدهور العملة المحلية.
 
وقال لـ"يمن شباب نت" إن "الحكومة قامت بالعديد من الخطوات الجيدة، بالرغم من حالة الحرب التي تمر بها والحصار الدولي المفروض عليها والتمرد الداخلي من قبل مليشيا الحوثي".
 
وأضاف "برغم ذلك، إلا أن الحكومة تحركت إلى الأمام من خلال استئناف عمليات تصدير النفط، وتعمل على استدامته من حضرموت وشبوة ومأرب، فضلا عن تشجيعها المستوردين على فتح اعتمادات وارداتهم عبر البنك المركزي في عدن وإغرائهم بدعم خمس سلع رئيسية".
 
ومع ما ذهب إليه الصحفي الجماعي من دفاع عن الحكومة وتدابيرها الآنفة، إلا أنه ينصحها بأن لا تكتفي بتلك الخطوات "لأنها لن تغطي حاجة السوق في هذا المجال- حتى لو افترضنا أن نسبة عائدات المغتربين مرتفعة- مالم يضف إلى كل ما سبق استئناف تصدير الغاز المسال، الذي يشكل ما يقرب من نصف الناتج المحلي وثلثي الموازنة العامة للدولة في الأوقات العادية (ما قبل 2015).
 
 
هجوم وحلول

وكان خبراء اقتصاديون وجهوا سهام نقدهم إلى سياسات البنك المركزي وعجزه عن إيقاف التدهور المريع والمخيف والمتواصل لقيمة العملة المحلية.
 
وكتب الخبير الاقتصادي اليمني أحمد أحمد غالب، رئيس مصلحة الضرائب السابق، مقالا نشره الأسبوع الماضي على صفحته الشخصية بالفيسبوك، قال فيه إن البنك المركزي "أظهر أنه لا يمتلك رؤية صحيحه للتعامل مع الوضع. ولم يستطع تحديد الوسائل الفاعلة للتدخل ووقف الانهيار، على الاقل من الناحية النظرية، ليطرحها على الحكومة والدولة لتتعاون جميع الأجهزة في تنفيذها، كلٌ فيما يخصه".

 
ذلك أن المشكلة، في نظره: "أكبر من قدرات البنك وقدرات الحكومة، بل من قدراتهما معا، لتمتد الى العلاقة مع التحالف، والتي يجب أن تصحح وتوضع في إطارها الصحيح".
 
وفيما يخص الإجراءات الإدارية التي اتخذتها وتتخذها الحكومة بحق الصرافين، أعتبر غالب أنها "لا تحل المشكلة، بل سيتحول السوق الى تحت الارض ويكون أكثر انفلاتا. فالعملية ببساطه ليست فرد عضلات عمياء، بل إجراءات تتحكم بها اليات السوق من خلال العرض والطلب في سوق منفلتة".
 
وذكر عدد من الإجراءات والتدابير التي يتوجب على الدولة والحكومة اليمنية اتخاذها كي تنجح في إيقاف ما وصفه بـ"التدهور الاقتصادي الحاد"، والذي تتمثل أهم تأثيراته بالتضخم الجامح والتدهور المتسارع لسعر صرف العملة، وإحجام المتعاملين بسوق الصرف عن التداول.
 
وفي حين أنتقد، في نهاية مقاله، ما وصفه بـ"البرود القاتل، والخفة اللامتناهية، التي تتعامل به الأجهزة المعنية بالحكومة مع هذه الأزمة، وكان الامر لا يعنيها وليس من صميم وصلب مسؤولياتها"، أعتبر أن الدولة والحكومة اليوم "أمام مسئولية تاريخية غير مسبوقة".
 
وحذر قائلا "وما هو متاح اليوم لن يكون متاح غدا، والتأخير في تصحيح المسار انتحار وكُلفَتهُ باهضه، تفوق كل التوقعات، وما هو حاصل اليوم سيكون قطرة في بحر ما هو قادم".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر