فورين أفيرز: هذه أبرز العقبات التي تحول دون تطبيق سيناريوهات "اليوم التالي" لحرب غزة

 بعد 10 أسابيع من الحرب الوحشية التي شُنّت على غزة، ما زال القادة الإسرائيليون يصرون على المضي قدمًا في حملتهم العسكرية إلى أن يُقضى على حماس، ولم يوضحوا بعد ما الذي سيعنيه ذلك في الممارسة العملية أو من يتوقعون أن يشغل الفراغ الإداري الذي سيترتب عن مثل هذه النتيجة.
 
وفي تقريره الذي نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، قال الكاتب خالد الجندي إن سيناريوهات "اليوم التالي" المطروحة تتراوح بين الوصاية العربية على غزة والدعوات المزعجة الصريحة -وأغلبها من الإسرائيليين- لترحيل أغلب أو كل سكان غزة إلى مصر. وقد وضعت إدارة بايدن معايير "اليوم التالي" الخاصة بها، والتي تستبعد التهجير القسري للفلسطينيين من غزة أو إعادة احتلال إسرائيل للقطاع.
 
بالإضافة إلى ذلك، قالت الإدارة إنها تريد رؤية عودة السلطة الفلسطينية "النشطة" -المنظمة الفلسطينية التي تسيطر اسميًّا على أجزاء من الضفة الغربية- إلى غزة، وعلى عكس السنوات الثلاث الماضية، تقول الإدارة الآن إنها جادة بشأن عملية سياسية تتوج بحل الدولتين، مع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب إسرائيل.
 
وأوضح الكاتب أنه مع ذلك فمن المرجح أن تصطدم رؤية الإدارة المفعمة بالأمل ببعض الحقائق الصعبة. فمن ناحية، لا أحد يعرف متى أو كيف ستنتهي هذه الحرب، أو حجم مساحة غزة أو عدد سكانها الذين سيبقون عندما يتوقف القتال. علاوة على ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لن تسمح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة، ووعد بإبقاء قواته فيها إلى أجل غير مسمى، بما في ذلك وضع خطط لإنشاء "منطقة عازلة" دائمة داخلها من شأنها أن تقيّد الأراضي الفلسطينية أكثر. وقد أكد لشركائه بائتلافه الحاكم أنه الزعيم الوحيد الذي يستطيع منع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
 
وأضاف أنه إلى جانب الحقائق التي تفرضها إسرائيل على الأرض، فإن مستقبل غزة سيعتمد أيضا على التطورات داخل السياسة الفلسطينية الداخلية، فقد قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الفلسطينيين ينبغي أن يكونوا "في مركز" المحادثات حول مستقبل غزة. ولكن لكي يحدث هذا، سيحتاج الفلسطينيون إلى إحياء مؤسسات الحكم والأمن والسياسة، في ظل الافتقار لقيادة سياسية فعالة بسبب تدهور المؤسسات السياسية الفلسطينية، ولا سيما السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل ظاهريًا مختلف الفصائل المشاركة في الحركة الوطنية.
 
اليوم التالي
 
وأكد الكاتب أنه ينبغي لأي مناقشة بشأن "اليوم التالي" أن تستند إلى تشجيع ظهور قيادة سياسية فلسطينية موحدة ومتماسكة، وسيتعين على القادة الفلسطينيين التخلي عن التزاماتهم الفصائلية، وسيتعين على إسرائيل والولايات المتحدة التخلي عن الفكرة غير الواقعية تمامًا بأن حماس يمكن استبعادها نهائيًا من السياسة الفلسطينية. ولن يكون إقناع الفلسطينيين أو إسرائيل وحلفائها الأميركيين بالقيام بذلك أمرًا سهلاً. لكن إذا فشلوا في توفير هذه التسويات، فمن غير المرجح أن تتحسن الظروف الإنسانية والأمنية في غزة وستظل التسوية الدبلوماسية بعيدة المنال.
 
وقال إن الهجوم المستمر على غزة يعدّ بالفعل الحدث الأكثر دموية وأكبر تهجير قسري للفلسطينيين في التاريخ "كما أن الهجوم المروع الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول سيشعر به الإسرائيليون لسنوات عديدة، وإن حجم الدمار البشري والمادي الهائل الذي ألحقته إسرائيل بغزة سيترك أثرًا لا يُمحى في الوعي الوطني الفلسطيني لأجيال قادمة".
 
وفي الوقت نفسه، فإن الحقيقة الصعبة التي لا مفر منها هي أن هدف إسرائيل المعلن المتمثل في القضاء على حماس كقوة سياسية وعسكرية لا يمكن تحقيقه، وهو بصراحة تامة وصفة للموت والدمار الذي لا نهاية له، وكلما سارع المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون إلى التصالح مع هذه الحقيقة كان وضع الجميع أفضل.
 
وشدد الكاتب على أن حماس جزء لا يتجزأ من السياسة الفلسطينية ولها جذور عميقة في المجتمع ولها الكثير من الأتباع داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وتظل جزءًا من المشهد السياسي الفلسطيني في المستقبل المنظور. فضلاً عن ذلك، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن شكلاً ما من أشكال المقاومة العنيفة من قِبَل حماس، أو أي جماعة أخرى مثلها، سوف يستمر.
 
وأوضح أنه بسبب ثبات حماس وغيره من الأسباب، فمن غير الواقعي أن نتوقع أن يتمكن منافسو هذه الحركة في السلطة الفلسطينية من الانقضاض ببساطة على غزة والسيطرة على المنطقة. وعلى الرغم من تفضيلات الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، فمن غير المرجح أن تعود السلطة الفلسطينية إلى غزة في أي وقت قريب، على الأقل ليس بتشكيلها الحالي.
 
وفي ضوء الشرعية الضعيفة للقيادة الفلسطينية الحالية، يرى الكثيرون داخل فلسطين وخارجها أن الانتخابات الجديدة تمثّل عنصرًا ضروريًّا في نظام ما بعد الحرب وإعادة إعمار غزة نهاية المطاف، لكن فرص إجراء التصويت منخفضة للغاية، فقد تسبب الهجوم الإسرائيلي على غزة في إحداث حالة من الاضطراب والدمار والمعاناة على نطاق واسع.
 
3 مسلمات

لن تسمح هذه الظروف ببساطة بإجراء الانتخابات، وهناك سؤال دائم مطروح حول ما إذا كان سيتم السماح لحماس بالمشاركة، ويكاد يكون من المستحيل أن نتصور أي ظرف قد تسمح فيه إسرائيل أو الولايات المتحدة حتى لحماس بعد إصلاحها بالتنافس في الانتخابات المقبلة.
 
ومع ذلك، فإن العملية الانتخابية التي تستبعد حماس صراحة من شأنها أن تحرمها من الشرعية، وقد تؤدي حتى إلى حرب أهلية أخرى. باختصار، من الصعب للغاية أن نرى طريقاً للمضي قدماً في السياسة الفلسطينية مع حماس، ولكن بالقدر نفسه لا يوجد طريق للمضي قدماً بدونها.
 
واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على 3 مسلمات:
 
- من المستحيل أن تصور عملية إعادة بناء غزة أو تحقيق الاستقرار فيها من دون قيادة فلسطينية ذات مصداقية وشرعية وموحدة، وهو ما يتطلب إحياء السياسة المؤسسية الفلسطينية، وبشكل أكثر تحديدًا منظمة التحرير الفلسطينية.
 
- من أجل تحقيق ذلك، ستحتاج الولايات المتحدة، وإسرائيل خاصة، إلى التخلي عن المفاهيم الخطيرة القائلة إن بإمكانهما السيطرة على السياسة الفلسطينية أو تشكيلها لتناسب احتياجاتهما السياسية أو الأيديولوجية، أو أنهما قادرتان على صنع السلام مع مجموعة واحدة من الفلسطينيين بينما يشنان في الوقت نفسه حربًا على بقية الفلسطينيين.
 
- إن تطبيع العلاقات مع حماس في سياق إحياء السياسة الفلسطينية سيشكّل قرارًا صعبًا، لكن البدائل، مثل الاستمرار في الإصرار على تدمير حماس، أو محاولة تنصيب سلطة فلسطينية غير شرعية وغير فعالة في غزة، أو فرض انتخابات في ظل أوضاع كارثية، من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية كما حدث في الماضي.

المصدر: فورين أفيرز

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر