الأخبار

تحقيق استقصائي لـ "يمن شباب نت" يبحث في تفاصيل لغز شحنة دقيق شركة "حرمل" في عدن.. بين الرقابة التجارية والمصالح الخفية  

‫ملفات‬| 12 مارس, 2025 - 8:03 ص

مجاهد السلالي: يمن شباب نت (خاص)

image

تحقيق استقصائي حول لغز شحنة دقيق شركة حرمل بميناء

 في قلب ميناء عدن، تصاعدت فصول أزمة شحنة الدقيق التي استوردتها "شركة حرمل للتجارة العامة"، بعد رحلة مليئة بالعراقيل، بدأت بعد مغادرتها جمهورية مصر بسلام، في ديسمبر الماضي، وصولا إلى جيبوتي للتفتيش، قبل التوجه إلى ميناء الحديدة، ومن ثم التحول إلى ميناء عدن لتبدأ هناك فصولها المأساوية، لتنتهي مؤخرا بالرحيل خارج اليمن..!!

القضية، التي كان من المفترض أن تكون إجراءً روتينيًا لفحص سلامة المنتج، تحولت إلى جدل قانوني وإداري امتد لأسابيع، تخللته حملة إعلامية واسعة، وسط تساؤلات حول سلامة الإجراءات، لا سيما في ظل وجود تضارب واضح في تقارير الجهات الرقابية المعنية، ما أثار اتهامات معتبرة بوجود تدخلات عبر جهات تسعى للتأثير على مسار القضية.

في هذا التحقيق الاستقصائي، يسلط "يمن شباب نت" الضوء على تفاصيل الأزمة، وأطرافها المختلفة، والتناقضات في التقارير الرسمية، وفق مسارها الزمني، مع محاولة البحث عن احتمالية وجود جهات مستفيدة من هذا الصراع، كان لها اليد الطولى في منع تفريغ الشحنة ورحيلها من اليمن إلى إحدى دول الجوار صباح الجمعة الماضية (7 مارس)

الخلفية.. تفاصيل الشحنة ورحلتها 

في 11 ديسمبر 2024، انطلقت الباخرة MARIAM M من جمهورية مصر، محمّلة بـ 5,000 طن من الدقيق ونشأ الذرة. في البداية اتجهت الباخرة إلى جيبوتي بغرض الفحص والتفتيش بموجب آلية التفتيش والتحقق الأممية. وبعد أن حصلت على إذن دخول اليمن توجهت إلى ميناء الحديدة، الذي وصلته في 31 ديسمبر الماضي، لكنها لم تحصل على التصريح بحجة وجود قرارا بمنع استيراد القمح من وزارة التجارة والصناعة التابعة لميليشيات الحوثي.

وبحسب مصدر مسئول في الشركة، فقد ظلت السفينة تنتظر في ميناء الحديدة لأسبوع ونصف تقريبا، قبل أن تغادره في 18 يناير (2025)، وتبقى خارج المياه اليمنية حتى الثاني من فبراير الفائت، ومن ثم توجهت إلى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية للتزود بالوقود، ومنه توجهت مباشرة إلى ميناء المعلا بعدن، الذي وصلته بتاريخ 16 فبراير.

وهذا، وفقا للمصدر المسئول في الشركة، والذي تحدث لـ "يمن شباب نت" بشكل خاص؛ من شأنه أن يفند الادعاءات المتداولة بأن الرحلة استغرقت أكثر من ثلاثة أشهر، أو أنها اتجهت إلى جيبوتي بعد مغادرتها الحديدة. حيث أكدت الوثائق، التي زودتنا بها الشركة المستوردة، على أن الرحلة استغرقت 67 يومًا فقط؛ منذ خروجها من مصر في 11 ديسمبر 2024، حتى وصولها عدن في 16 فبراير 2025. (أنظر أدناه: المرفق رقم "1"، والذي يتضمن خريطتين ملاحيتين توضحان مسار تحرك الباخرة منذ خروجها مصر حتى وصولها ميناء عدن)

image

إخضاع الشحنة للفحص

عقب وصول الشحنة إلى ميناء عدن، بدأت الجهات المختصة إجراءات التفتيش والفحص، والتي تولتها هيئتان حكوميتان على التوالي، هما: "الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة" التابعة للديوان العام/ عدن، ومكتب "إدارة الحجر النباتي الزراعي" التابع لوزارة الزراعة والري اليمنية بعدن.

فما هي النتائج التي توصلت إليها الجهتان الحكوميتان؟

أولا: هيئة المواصفات والمقاييس:

بحسب التقرير الأولي الصادر عن هيئة المواصفات والمقاييس، بتاريخ 17 فبراير 2025؛ فإن الفحص البصري كشف عن "مشاكل جسيمة" في الدقيق المستورد، أبرزها: انتشار الحشرات وعلامات التعفن الناتجة عن التسوس، وتضرر بعض الأكياس بسبب تسرب مياه البحر، ما يدل على سوء التخزين. كما يقول التقرير.

وبناءً على ذلك، اكتفت الهيئة بالمعاينة البصرية لتقرر عدم مطابقة الشحنة للمواصفات والمقاييس المطلوبة، من خلال تأكيدها على وجود حشرات (سوس) في الدقيق، وبذلك قررت رفض الشحنة بالكامل ومنع تفريغها. (أنظر أدناه: المرفق رقم "2"، والذي يتضمن صورا عن تقرير هيئة المواصفات والمقاييس حول الشحنة)

image

أثار التقرير أعلاه، اعتراض الشركة المستوردة (شركة حرمل للتجارة العامة)، التي طالبت بإجراء "فحص مخبري" رسمي لإثبات صلاحية الشحنة من عدمه.

 ثانيا: تقرير إدارة الحجر الزراعي:

بعد تلك النتيجة الصادمة، وبناء على مطالبة الشركة المستوردة، قامت إدارة الحجر الزراعي، التابعة لوزارة الزراعة والري والثروة السمكية اليمنية، بأخذ عينات من الشحنة لإجراء فحص مخبري عليها. وعلى عكس تقرير هيئة المواصفات، فقد خلصت إدارة الحجر الزراعي في تقريرها إلى أن الشحنة "خالية من الآفات النباتية والحجرية"، مع تسجيل إصابة خفيفة جدًا في بعض الأكياس. 

وعليه؛ فقد أوصت الإدارة بالسماح بتفريغ الشحنة مع استمرار الفحص أثناء التفريغ.. (أنظر أدناه: المرفق رقم "3"، المتضمن نسخة مصورة من تقرير مكتب الحجر الزراعي)

image

الوزارة تؤيد.. والشركة تلجأ إلى القضاء

ومع ذلك، فقد أصرت هيئة المواصفات على موقفها برفض الشحنة. وهو الأمر الذي تدعمه وتؤيده وزارة الصناعة والتجارية اليمنية.

وقال الوزير "محمد الأشول" في تصريحات خاصة لـ "يمن شباب نت": إن "تقرير الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس يؤكد أن الشحنة مملوءة بالسوس، ولذلك رفضت دخولها"، مضيفا "ونحن مع هذا الرأي كونها الجهة المعنية بالفحص، وتقريرها الفني هو المعتمد".

بالنسبة لـ "شركة حرمل" المستوردة، فقد دفعها هذا التباين الحاصل بين التقريرين، إلى التمسك بما ورد في تقرير إدارة الحجر الزراعي، ما جعلها تتوجه إلى النيابة المختصة بوزارة التجارة والصناعة، لرفع شكوى ضد ما وصفته بــ "التعسف الواضح" من قبل هيئة المواصفات التي رفضت إنزال المنتج "بمبرر وجود بعض السوس على أجزاء من الشحنة... من دون قيامها بعمل فحص لها"، ملتمسة عدالة النيابة من خلال النظر في الشكوى "واتخاذ الإجراءات القانونية التي تحفظ حقوقنا، وتحافظ أيضا على مصلحة وخدمة المواطن". (أنظر أدناه: المرفق رقم "4"- صورة لرسالة الشركة إلى وكيل نيابة التجارة والصناعة)

image

موقف النيابة:

استجابت وكيلة نيابة الصناعة والتجارة، القاضية والدكتورة سمية القباطي، لهذا التظلم، فقامت بتوجيه مذكرة رسمية إلى الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، بتاريخ 20 فبراير 2025، طالبت فيها إفادتها حول مدى مطابقة شحنة دقيق "حرمل" للمواصفات القياسية؟

ولما لم تجد النيابة استجابة من الهيئة، قامت باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وفي مذكرة لاحقة، أردفتها إلى هيئة المواصفات، بتاريخ 24 فبراير، شددت وكيلة النيابة على أن المصلحة العامة "تتطلب التأكد من صلاحية الكمية المضبوطة من الدقيق"، مضيفة: "وحيث أننا بصدد استقبال شهر رمضان المبارك، ولحاجة المواطن الماسة لمثل هذه السلع والمنتجات، كونها من الأساسيات، فإن مصلحة المواطن تغلب على كل مصلحة، مما يتطلب إخضاع الشحنة للفحص المخبر، بحسب النظم المتبعة، وبالإجراءات السريعة".

وعليه؛ وجهت النيابة بضرورة أن تقوم هيئة المواصفات بتوجيه المختصين التابعين لها "بالمشاركة مع المختصين لدى مركز بحوث الأغذية وتقانات ما بعد الحصاد، للنزول إلى ميناء عدن، وسحب عينات... وإخضاعها للفحص المخبري، والرفع إلينا بتقرير مفصل تفصيلا نافيا للجهالة، ليتسنى لنا استكمال الإجراءات طبقا للقانون" (أنظر أدناه: المرفق رقم "5"- نسخة من رسالة وكيلة نيابة الصناعة والتجارة إلى هيئة المواصفات)

image

هيئة المواصفات ترفض

لكن الهيئة ظلت متمسكة بموقفها، وجاء ردها على النيابة بشكل حاسم، من خلال تأكيدها على أنها أجرت الفحوصات والتحاليل المخبرية اللازمة، ووجدت أن الشحنة "غير مطابقة للمواصفات"، كما جاء في مذكرة الرد بتاريخ 25 فبراير، والتي شددت فيها على أن الدقيق المصاب بتكاثر حشري كبير لا يمكن كشفها بالفحص المخبري، معتبرة أن الفحص المخبري في مثل هذه الحالة "غير ذي جدوى، وما هو إلا فتح بابا للنزاع.."، بحسب ما جاء في المذكرة، التي أرفقت معها نتائج الفحص الفني التي أجرته الهيئة سابقا. (أنظر أدناه: المرفق رقم "6"- مذكرة ردة الهيئة مع المرفقات الفنية)

image

النيابة تُصّعِد قانونيا

من جهتها أيضا، رفضت نيابة الصناعة والتجارة رد الهيئة، فقامت وكيلة النيابة بتصعيد القضية وفقا للإجراءات القانونية، من خلال التواصل مع النائب العام، الذي- بحسب تأكيدها لـ "يمن شباب نت"- حصلت منه على "توجيهات شفوية" تقضي بتشكل لجنة متخصصة تحت رئاسة النيابة، وتضم جميع الجهات المختصة، على رأسها "مركز بحوث الأغذية وتقانات ما بعد الحصاد"، مع إمكانية استثناء هيئة المواصفات في حال واصلت رفضها المشاركة في اللجنة، وتمسكها بتقريرها السابق.

وبحسب تأكيدات القاضية سمية القباطي لـ "يمن شباب نت"، فقد "تم تشكيل اللجنة المختصة تحت رئاسة النيابة، وعضوية: مختصين من وزارة الصناعة، ومكتب الصناعة، وهيئة المواصفات والمقاييس، والجمارك، ومركز الأغذية وتقانات ما بعد الحصاد"، مضيفة: "ومن خلال المعاينة الظاهرية، رأت النيابة ضرورة إخضاع عينات من الشحنة للفحص المخبري".

قررت اللجنة أخذ عينات عشوائية لإجراء الفحص المخبري عليها، وتم تحريز تلك العينات رسميًا من قبل النيابة وإرسالها إلى "مركز بحوث الأغذية" لفحصها مخبريًا.

منع إعلان النتيجة

اعترضت هيئة المواصفات على أي إجراء لإعادة الفحص، مطالبة بإعادة الشحنة خلال 15 يوم، أو إتلافها بالكامل إذا لم يكن في إتلافها أي ضرر بيئي، رافضة أي حل أو إجراء آخر غير ذلك..!!

وفي حين كان ينتظر من "مركز بحوث الأغذية" إنهاء عمله وإعلان نتيجة الفحص المخبري، إلا أن ذلك لم يحدث، وحتى اللحظة لم يكشف عن نتائج الفحص الذي يعتبر حاسما.

وبحسب معلومات مؤكدة، حصلنا عليها من مصادر متطابقة في الشركة والنيابة، فقد تم إعاقة عملية إصدار التقرير النهائي من قبل مسئول كبير بوزارة الزراعة. بينما وجهت "شركة حرمل" اتهاماتها إلى هيئة المواصفات بمحاولة التأثير على الجهات الحكومية الأخرى.

وقال المصدر لـ "يمن شباب نت": "هناك محاولات للتأثير على مركز بحوث الأغذية لمنعه من إرسال النتائج، والتي لم يتم إعلانها حتى الآن". وأضاف: "نطالب بالكشف الفوري عن نتائج الفحوصات المخبرية، ونؤكد التزامنا بقرار النيابة، أيً كانت النتيجة"، مستدركا: "ونحن مستعدون لاستبعاد أي كمية متضررة، لكن رفض الشحنة بالكامل بسبب ضرر محدود، يعد ظلمًا وتعسفًا."

إيقاف مركز البحوث

وكشفت وثيقة رسمية (داخلية) صادرة، بتاريخ 5 مارس، من "مركز بحوث الأغذية" التابع لوزارة الزراعة، عن وجود ضغوطات لمنع إصدار أي تقارير فحص للشحنة، عبر توجيهات من رئيس "الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي"، والتي قضت بوقف عمل المركز نتيجة قيامه "باستقبال أوامر نيابة الصناعة والتجارة بأخذ عينات الدقيق... من أجل فحصها، وإعطاء النتيجة".

الوثيقة التي حملت عنوان: "إخلاء مسئولية إعطاء نتائج فحص شحنة دقيق وإيقاف عمل المركز"، تضمنت اعتذارا من مدير عام المركز "كاملة عبد الرشيد" الذي طالب بإخلاء مسئوليته "عن إعطاء أي نتيجة نظرا لتوقيفكم لنا بشكل شفهي، وتوقيفكم للعمل في مختبرات المركز". (أنظر أدناه: المرفق رقم "7"- صورة من مذكرة مدير مركز بحوث الأغذية وتقانات ما بعد الحصاد)

image

النيابة تحذر

وإزاء تلك العراقيل، رفعت وكيلة النيابة "سمية القباطي" شكوى إلى رئيس نيابة استئناف جنوب عدن، بتاريخ 3 مارس الجاري، أعربت فيها عن استيائها من تدخلات: هيئة المواصفات، ومركز بحوث الأغذية، في إعاقة إصدار التقرير النهائي من المركز، مشيرة إلى أن النيابة خاطبتهم رسميًا في عدة مذكرات، إلا أنها لم تلقى تجاوبا منهم حتى الآن.

وفي حين لفتت وكيلة النيابة إلى أن التأخير في إعلان النتائج يعرقل سير التحقيق، فقد حذرت من التهاون في اتخاذ القرار، لا سيما مع وجود تضارب في تقارير الفحص بين المختبرات الحكومية والمختبرات الخاصة التابعة للشركة. (أنظر المرفق رقم "7"- صورة من مذكرة وكيلة نيابة التجارة إلى رئيس استئناف جنوب عدن)

image

خلل إداري أم تضارب في المصالح؟

من خلال ما سبق، أتضح لنا أن هيئة المواصفات والمقاييس، ومكتب الحجر الزراعي، أصدر كل منهما تقريرا يتناقض مع الأخر. الأمر الذي خلق جدلًا قانونيًا وإعلاميًا واسعًا، على وقع عدد من التساؤلات حول:

  • المعايير التي تعتمدها هيئة المواصفات في قراراتها؟
  • ولماذا اكتفت الهيئة بالفحص النظري فقط، وترفض إجراء فحص مخبري على الشحنة؟
  • ولماذا رفضت الهيئة إعادة الفحص، بينما كانت هناك جهات أخرى ترى أن الضرر محدود ويمكن عزله؟

ما جعل البعض يتساءل بشأن: ما إذا كانت هناك مصلحة تجارية، أو سياسية، وراء الإصرار على رفض الشحنة؟ وهل هناك جهة بعينها مستفيدة من رفض الشحنة، رغم الحاجة الماسة إليها لا سيما في شهر رمضان الكريم، كما أكدت نيابة الصناعة والتجارة؟

وتفتح هذه الاتهامات باب التكهنات حول: إمكانية وجود تضارب مصالح داخل الجهات الرقابية نفسها؟، أو ربما وجود ضغوطات من مستوردين آخرين يسعون لإقصاء منافسيهم في سوق القمح والدقيق؟!. وهو ما ذهب إليه المصدر المسئول في "شركة حرمل" والذي يعتقد بوجود "جهات مستفيدة من منع هذه الشحنة، وهي بالتأكيد جهات منافسة"، مضيفا: "وربما تكون هذه الجهات المنافسة في السوق، لديها نفوذ في السلطة، أو ربما داخل الهيئة، لإقصاء منافسيهم".

رغم مرور أسابيع، منذ إرسال العينات إلى مركز البحوث الزراعية لإعادة فحصها مخبرياً؛ إلا أنه لم يتم الإفصاح، حتى اليوم، عن نتائج الفحص والتحليل، بل تم توقيفه كليا. مما يزيد من نسبة التكهنات حول ما إذا كانت هناك جهات تضغط لمنع الإفراج عن نتائج التحليل، خوفًا من أن تأتي عكس ما تروج له هيئة المواصفات؟!.

حملة الإعلامية موجهة

منذ تفجرت أزمة الشحنة؛ انتشرت حملة إعلامية مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي، تتهم شركة "حرمل" بمحاولة إدخال شحنة "فاسدة" إلى السوق، في حملة بدت وكأنها موجهة وممنهجة ومنسقة بشكل غير طبيعي..!!

وبحسب ما قمنا برصده، فقد شملت هذه الحملة: مقالات، وتقارير إعلامية، في صحف وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، بعضها تبنت موقف هيئة المواصفات، من خلال الجزم بأن الشحنة فاسدة، وأنه يجب إتلافها فوراً، ولا داعي لانتظار الفحوصات المخبرية..!!

بل تجاوز الأمر ذلك، إلى نشر تحليلات وتقارير إخبارية، تهاجم شركة "حرمل" بشكل مباشر، دون تقديم أي دلائل قاطعة، وقبل أن تظهر نتائج التحليل المخبري الذي تم عرقلته..!! الأمر الذي يعزز فكرة وجود منافسين تجاريين لهم مصلحة من تبني مثل هذه الحملة.

ويقول المصدر المسؤول في شركة "حرمل" لـ "يمن شباب نت": "من الواضح أن هناك حملة منظمة تستهدف تشويه سمعتنا من جهة، وتضغط على السلطات لاتخاذ قرارات متسرعة قبل ظهور نتائج التحقيقات، من جهة أخرى".

ومع ذلك؛ لا يستبعد المصدر نفسه أيضا، أن يكون هناك "تضاربا في المصالح بين المسئولين داخل الجهات الحكومية، أو ربما جهات متنفذة داخل هيئة المواصفات نفسها، ما يدفعهم لدعم حملة رفض الشحنة، وعرقلة استكمال الإجراءات القانونية التي طالبت بها نيابة التجارة والصناعة، والشركة.

إلا أنه، بين هذين الاحتمالين، ثمة احتمال ثالث، لا يستبعد أن تكون هيئة المواصفات نفسها قد وقعت ضحية الضغط الإعلامي الممنهج. حيث كان من اللافت أن الحملة الإعلامية طالبت من الهيئة سرعة اتخاذ قرارها النهائي برفض الشحنة دون انتظار نتائج الفحوصات المخبرية!! فهل من الممكن أن تكون هيئة المواصفات نفسها قد تأثرت بالحملة الإعلامية، واتخذت موقفًا متصلبًا، وغير قانوني، تحت هذا الضغط؟.

تقارير السلامة من بلد المنشأ

وسط الجدل القائم حول شحنة الدقيق المستوردة من مصر، كشفت وثائق رسمية صادرة عن الهيئات المختصة في جمهورية مصر العربية (الدولة التي تم تصدير الشحنة منها)، عن أن الشحنة اجتازت اختبارات السلامة والجودة قبل مغادرتها.

وحصل "يمن شباب نت"، على نسخ من تلك الوثائق التي حصلت عليها "شركة حرمل للتجارة"، والمكونة من شهادتي فحص رسميتين من مركز الحجر الزراعي التابع لوزارة الزراعة المصرية، وآخري من الهيئة القومية لسلامة الغذاء بمصر، تؤكدان خلو المنتج من أي مشاكل صحية أو زراعية..

شهادة الصحة النباتية

وفقًا للوثائق المقدمة، ورد في شهادة الصحة النباتية المقدمة من مركز الحجر الزراعي المصري، أن:

• المنتج تم فحصه واختباره وفقًا للإجراءات المعتمدة من الجهات الرقابية المصرية.

• الشحنة خالية تمامًا من آفات الحجر الزراعي التي يحددها المستورد.

• الشحنة مطابقة للشروط الصحية التي حددها المستورد، بما في ذلك الشروط المتعلقة بالآفات غير الحجرية الخاضعة للوائح.

وهذه الشهادة تثبت أن الجهات الرقابية في بلد التصدير قد أجرت الفحوصات اللازمة قبل السماح بتصدير الشحنة، وهو إجراء متعارف عليه عالميًا لضمان جودة المنتجات الغذائية قبل شحنها إلى الأسواق الدولية.

شهادة الهيئة القومية المصرية لسلامة الغذاء

إضافة إلى ذلك؛ أصدرت الهيئة القومية لسلامة الغذاء في مصر شهادة تفيد بأن:

• الشحنة تم إنتاجها في منشآت غذائية تخضع لإشراف السلطات المختصة ويتم تفتيشها بشكل دوري.

• المصنع الذي أنتج الدقيق يطبق نظام تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة (HACCP)، وهو معيار دولي لضمان سلامة الغذاء.

• المنتج يستوفي جميع الاشتراطات اللازمة للنظافة والصحة، ولا توجد أي مؤشرات على تلفه أو فساده.

• الدقيق مصرح باستخدامه في صناعة المواد الغذائية، ما يعني أنه صالح للاستهلاك البشري.

(أنظر أدناه: المرفق "9" – نسخ من شهادات السلامة والجودة للشحنة)

image

رغم أن هذه الشهادات تثبت أن الشحنة كانت مطابقة للمواصفات قبل مغادرتها مصر، يبقى السؤال: لماذا لم تعتمد الجهات الحكومية اليمنية على تلك التقارير والشهادات الرسمية الصادرة من بلد التصدير؟  

لكن؛ هناك من يؤكد على أن الفحص عند التصدير لا يعكس بالضرورة حالة الشحنة عند الاستيراد، خصوصًا إذا تعرضت لظروف طبيعية مؤثرة أثناء النقل. وذلك ما تذهب إليه هيئة المواصفات اليمنية، التي ترى أن الفحص المحلي هو الفيصل في تحديد صلاحية المنتج، خاصة بعد الرحلة الطويلة التي استغرقتها الشحنة قبل الوصول إلى عدن.

وبالنسبة لـ "شركة حرمل" فأن وجود هذه الشهادات بحد ذاته يضيف بُعدًا قانونيًا مهمًا للقضية، حيث يمكن أن تستخدمها الشركة في الطعن بقرار الرفض، خاصة إذا ثبت أن تلف بعض الأكياس كان نتيجة لسوء التخزين، أو النقل، وليس بسبب خلل في المنتج نفسه. الأمر الذي كان من الممكن معه استثناء الأكياس المتضررة فقط، وليس رفض الشحنة بالكامل، كما تطالب الشركة.

ما الذي ينتظر الشحنة؟

 بين تضارب التقارير، والضخ الإعلامي الضاغط والمثير للريبة والشك، وبين رفض هيئة المواصفات إعادة الفحص والتقييم، تبقى نتائج التحليل المخبرية هي العامل الحاسم في هذه القضية.

أو أن ذلك كان هو المفترض، على الأرجح، قبل أن تقرر الشركة مؤخرا الاستسلام والتوقف عن مواصلة المزيد من الخسائر. ففي صبيحة الجمعة الماضية، الموافق 7 مارس، قررت الشركة تحويل شحنتها إلى دولة مجاورة، بعد قرابة ثلاثة أسابيع من المحاولات الفاشلة..

وفي حين أن هناك من يجادل بشأن موقف هيئة المواصفات والمقاييس وإصرارها على رفض الشحنة، بكون عملها في الحفاظ على سلامة المواطن، حساس جدا. لذلك فإنه بمجرد اكتشافها وجود تلف في جزء من الشحنة، فقد كان لزاما عليها رفضها بالكامل.

غير أن عدم الإعلان عن نتائج التحليل المخبري والإصرار على إعاقته، حتى الآن، من شأنه أن يشكك من سلامة موقف الهيئة، ويضعها في موقف مثير للجدل.

وفي نهاية المطاف، فإن هذه القضية تعكس إشكالية عميقة في آليات الرقابة التجارية، ومدى تأثر القرارات الرسمية بالمصالح الخفية والضغوط الإعلامية. الأمر الذي يخشى معه مختصون اقتصاديون أن تطال سلبيات هذه الإجراءات مستقبل عمليات الاستيراد، ما سيؤثر على حجم العمل التجاري الاستيرادي، خصوصا من ميناء عدن الذي شهد انخفاضا كبيرا في وصول السفن منذ تم السماح لميليشيات الحوثي بالاستيراد عبر ميناء الحديدة في العام 2022.

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024