ما قصة الأسطول النووي الروسي الذي حرّكه بوتين لأول مرة منذ 30 عاماً؟

 
لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً، نشرت روسيا أسطول الشمال حاملاً أسلحة نووية تكتيكية، بحسب تقارير استخباراتية، فما قصة هذا الأسطول؟ ولماذا يثير تحريك فلاديمير بوتين له في هذا التوقيت قلقاً كبيراً لدى الغرب؟
 
كان تقرير استخباراتي نرويجي قد كشف، الخميس 16 فبراير/شباط 2023، أن سفن الأسطول الشمالي التابع لروسيا والمتمركز في القطب الشمالي قد أبحرت مؤخراً وعلى متنها أسلحة نووية تكتيكية، بحسب تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية.
 
تأتي هذه الأنباء في توقيت تشهد فيه الحرب في أوكرانيا تقدماً تحرزه القوات الروسية على طول المواجهة خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ يبدو أن روسيا بدأت تستعيد زمام المبادرة في ساحة الحرب، بعد أن كانت أوكرانيا، بمساعدة الغرب وحلف الناتو، قد تمكنت من إحراز انتصارات ميدانية، أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من مدن كبرى مثل خاركيف وخيرسون.
 
وكانت الحرب، أو "العملية العسكرية الخاصة" كما تصفها موسكو، أو "الغزو العدواني غير المبرر" كما يصفه الغرب، بقيادة جو بايدن، قد اندلعت يوم 24 فبراير/شباط 2022، وشهدت خلال عامها الأول مراحل متعددة، حتى وصلت إلى المرحلة الحالية من تحضيرات لمعركة الربيع.
 

ماذا نعرف عن أسطول الشمال في البحرية الروسية؟

يرجع تاريخ تأسيس الأسطول الشمالي، أو أسطول الشمال كما تطلق عليه البحرية الروسية إلى عام 1916، حيث أنشأته الإمبراطورية الروسية خلال الحرب العالمية الأولى، لكن بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917، تم إهماله وتفكيكه.
 
وفي عام 1933 قام الاتحاد السوفييتي بإعادة تأسيس أسطول الشمال، وأولاه أهميةً قصوى، وبصفة خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، حيث أولى زعماء الاتحاد السوفييتي أهمية قصوى لفرض الهيمنة على القطب الشمالي، وحرمان الدول الغربية، سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، من إقامة قواعد عسكرية تهدد موسكو وحلفاءها.
 
وشهد أسطول الشمال مراحل تطوير عديدة، منذ تأسيسه وحتى تفكّك الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينيات القرن الماضي. وفي عام 1965، نال أسطول الشمال وسام اللواء الأحمر، ليعرف رسمياً باسم الأسطول الشمالي للراية الحمراء، وهو ما استمر حتى عام 1991.
 
وكان الأسطول يدير أكثر من 200 غواصة، تتنوع بين من يتم تشغيله بالديزل أو الكهرباء، إضافة إلى الغواصات النووية، ومهام هذا الأسطول الأساسية هي الدفاع عن البحار القطبية الشمالية بطول الحدود الشمالية لروسيا في بحر بارنتس وبحر كارا، والطرق البحرية الشمالية الغربية في بحر النرويج والمحيط الأطلنطي.
 
لكن قبل أن يحظى أسطول الشمال بتلك المكانة الرفيعة، كان يأتي في المرتبة الثالثة في البحرية السوفييتية، بعد أسطولي بحر البلطيق والبحر الأسود. وفي سبتمبر/أيلول 1955، أصبحت البحرية السوفييتية أول من ينجح في إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من على متن غواصة، وكان ذلك من خلال أسطول الشمال.
 
 
بدأت قيادة الجيش السوفييتي في نقل مراكز التحكم والسيطرة البحرية إلى أسطول الشمال تِباعاً، وشهد مطلع يوليو/تموز عام 1958 حدثاً فريداً من نوعه، عندما رفع أسطول الشمال راية البحرية السوفييتية على أول غواصة نووية سوفييتية، وكانت تسمى ليننسكي كوموسومل. وفي سبتمبر/أيلول عام 1963، قطعت غواصتان نوويتان من أسطول الشمال رحلة تحت الغطاء الجليدي في القطب الشمالي، ووصلت إلى الأسطول الروسي في المحيط الهادئ لأول مرة في التاريخ، وفي السنوات التالية كررت أكثر من 25 غواصة سوفييتية الشيء نفسه.
 
كما قامت غواصتان من أسطول الشمال الروسي برحلة طولها 25 ألف ميل بحري حول العالم، دون أن تطفو على السطح ولو لمرة واحدة، وكان ذلك في عام 1966. وبعد 20 عاماً من هذا الحدث، أصبح أسطول الشمال يضم نحو نصف غواصات البحرية السوفييتية بشكل منفرد، في دلالة واضحة على مدى أهمية هذا الأسطول خلال الحرب الباردة.
 

ماذا حدث لأسطول الشمال الروسي بعد الحرب الباردة؟

بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة تراجع القلق الغربي من أسطول الشمال، شأنه شأن البحرية الروسية والجيش الروسي عموماً، وذلك على الرغم من أنه تم نقل قسم الطيران الصاروخي البحري، والحرب الإلكترونية من أسطول بحر البلطيق في مقاطعة موغيليف في روسيا البيضاء، إلى أسطول الشمال في ديسمبر/كانون الأول عام 1991.
 
كان الهدف من نقل غالبية الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ النووية الروسية إلى أسطول الشمال هو الحرص على ألا تنال الفوضى من تلك الأسلحة الخطيرة. وهكذا أصبح قسم الطيران المشترك المختلط، الذي يتولى قيادة أفواج طائرات الهليكوبتر المضادة للغواصات، والمحمولة على متن السفن الحربية، جزءاً رئيسياً من أسطول الشمال، حتى تم حل القسم في الأول من مايو/أيار 1998. كما كان أسطول الشمال مقراً لفرقة الطيران الخامس للقذائف الصاروخية، حتى تم حلها في عام 2002.
 
وكان أسطول الشمال حديث العالم، في أغسطس/آب عام 2000، عندما وقعت كارثة غرق الغواصة الروسية كورسك خلال تدريبات في بحر بارنتس، بالقرب من منطقة مورمانسك، حيث مقر قيادة أسطول الشمال، وهو الحادث الذي أسفر عن غرق 118 بحاراً روسياً.
 
استمرت على هذا النحو حتى عام 2014، عندما أسس الرئيس فلاديمير بوتين القيادة الاستراتيجية المشتركة لأسطول الشمال، في مقر الأسطول وقاعدته الرئيسية في سفيرومورسك بمقاطعة مورمانسك، إضافة إلى قواعد في أماكن أخرى في خليج كولا.
 
وحالياً يضم أسطول الشمال حوالي ثلثي جميع سفن البحرية الروسية العاملة بالطاقة النووية، وفي يناير/كانون الثاني عام 2016، أعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو أن الجيش الجوي 45، وجيش الدفاع الجوي تم تشكيلهما تحت سيطرة أسطول الشمال.
 
وفي عام 2017، أصبح أسطول الشمال الروسي المقر الرئيسي لأنظمة الحرب الإلكترونية في سمرقند، وكان قد تم تصميم سمرقند لتقييم الحالة الكهرومغناطيسية، والبحث، والكشف عن الانبعاثات الإشعاعية وتحليلها.
 
ومنذ عام 2018، بدأ أسطول الشمال الروسي تسيير الدوريات الجوية المنتظمة للقطب الشمالي، بطائرات بعيدة المدى مضادة للغواصات، وتجاوز نصيبه من العينات الحديثة للأسلحة والمعدات 56% من التسليح الروسي. وفي سبتمبر/أيلول عام 2019، تم إدخال فرقة للدفاع الجوي ضمن أسطول الشمال، مسلحة بقاذفات S-400، وشاركت في مهمة قتالية في نوفايا زميليا.
 

ماذا يعني نشر بوتين أسطول الشمال النووي الآن؟

كانت الغواصات تحديداً تحتل موقعاً مهماً داخل البحرية السوفييتية، حيث كانت تضم ساقاً قوية من الثالوث النووي لموسكو، وتقود الخطط السوفييتية لمواجهة مجموعات حاملات طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
 
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، سقطت قطاعات كبيرة من الغواصات الضخمة في حالة سيئة على مدى عقود، لكن روسيا بوتين التزمت منذ ذلك الحين بتحديث قوة الغواصات السوفييتية الموروثة، بتعديلات عميقة وتصميمات جديدة.
 
ويذكر موقع الجيش الروسي على الإنترنت الآن أن أسطول الشمال يقبع معظم الوقت بالقرب من شبه جزيرة كولا، ويتولى الحفاظ على جميع القوات النووية الاستراتيجية البحرية في حالة استعداد دائم.
 
وأشار التقرير النرويجي الأخير، بشأن نشر أسطول الشمال الروسي، إلى أنه من المقرر أن يُجري الأسطول النووي تدريبات روتينية ودوريات لغواصاته في بحر بارنتس (الواقع إلى الشمال الشرقي من النرويج، وإزاء الجزء الأوروبي من روسيا)، ومناورات للغواصات في المحيط الأطلسي، إلا أن التوقيت ذاته يثير القلق لدى الدوائر الاستخباراتية الغربية.
 
وينبع القلق بطبيعة الحال من المرحلة التي تقف فيها الحرب في أوكرانيا، تزامناً مع الذكرى السنوية لاندلاعها. فروسيا الآن تحقق بعض التقدم الميداني على طول الجبهة، وتسعى إلى حسم سيطرتها على الأقاليم الشرقية والجنوبية، وبخاصة إقليم دونباس، بينما تستنجد كييف بداعميها من الغرب، كي يوفوا سريعاً بوعودهم السخية لإمدادها بأسلحة ثقيلة، مثل دبابات أبرامز الأمريكية، وليوبارد الألمانية، إضافة إلى الذخيرة للمدافع، وتأمل في الحصول على طائرات حربية متطورة أيضاً.
 
كما اتهمت روسيا مجدداً إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتشجيع إدارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، على مواصلة الحرب ورفض العودة إلى مائدة الحوار للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
 
إذ اتهمت روسيا، الجمعة 17 فبراير/شباط، الولايات المتحدة بتحريض أوكرانيا على تصعيد الحرب بدعم الهجمات على شبه جزيرة القرم، محذرة من أن واشنطن تتورط الآن بشكل مباشر في الصراع لأن "المجانين" يحلمون بهزيمة موسكو، بحسب رويترز.
 
كانت موسكو ترد على تصريحات لفيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، التي قالت فيها إن بلادها ترى أن القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014، يجب أن تكون منزوعة السلاح على الأقل، وأن واشنطن تدعم الهجمات الأوكرانية على أهداف عسكرية في شبه الجزيرة.
 
وأفادت ماريا زخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، للصحفيين، عندما سئلت عن تصريحات نولاند "الآن ذهب دعاة الحرب الأمريكيون إلى أبعد من ذلك: إنهم يحرّضون نظام كييف على تصعيد الحرب أكثر. إنهم يزودون أوكرانيا بأسلحة بكميات ضخمة، ويقدمون معلومات استخباراتية ويشاركون بشكل مباشر في التخطيط للعمليات القتالية"، مضيفة أن بعض المسؤولين الأمريكيين يحلمون مثل "المجانين" بهزيمة روسيا.
 
وينظر دبلوماسيون غربيون وروس إلى شبه جزيرة القرم، التي تضم ميناء سيفاستوبول، حيث يتمركز أسطول البحر الأسود الروسي، على أنها أكبر نقطة اشتعال محتملة في حرب أوكرانيا.
 
وقالت نولاند لمؤسسة كارنيغي للسلام في واشنطن "بغض النظر عما يقرره الأوكرانيون بشأن شبه جزيرة القرم، من حيث المكان الذي يختارون القتال فيه إلى آخره، فإن أوكرانيا لن تكون آمنة ما لم تكن شبه جزيرة القرم على الأقل منزوعة السلاح".
 
ورداً على سؤال حول مخاطر التصعيد في حرب أوكرانيا، قالت نولاند إن لدى روسيا مجموعة من المنشآت العسكرية المصيرية في الصراع. وأضافت "هذه أهداف مشروعة، أوكرانيا تستهدفها ونحن ندعم ذلك".
 
وفي هذا السياق، من الطبيعي أن يثير قرار بوتين نشر أسطول الشمال النووي القلق من دوافع تلك الخطوة، رغم تقليل الغرب من تهديدات بوتين المتكررة باستخدام الأسلحة النووية في الصراع الدائر مع الغرب على الأراضي الأوكرانية، بحسب وجهة النظر الروسية.
 

المصدر: عربي بوست + الصحافة الأمريكية

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر