الأخبار

درعا مهد الثورة السورية.. تتلاقى مع زحف الشمال

عربي| 7 ديسمبر, 2024 - 5:11 م

image

عناصر من المعارضة السورية أمام مبنى مديرية إزرع في درعا، 7 ديسمبر 24 (سام حريري/فرانس برس)

أعلنت فصائل المعارضة السورية، فجر اليوم السبت، سيطرتها على مدينة درعا جنوبي البلاد، بعد التوصل إلى اتفاق مع الجيش السوري لتأمين انسحابه بشكل منظم، فيما قال بيان لهذا الجيش إن قواته العاملة في درعا والسويداء قامت بعملية إعادة انتشار في المحافظتين.

ووفق مصادر المعارضة، فإن مسؤولين أمنيين وعسكريين بارزين لدى النظام كانوا يخدمون في مدينة درعا، حصلوا على ممر آمن إلى العاصمة دمشق كجزء من الاتفاق، وذلك في إطار التنسيق مع عملية "ردع العدوان" التي بدأتها قبل أكثر من أسبوع فصائل المعارضة في الشمال السوري، ووصلت إلى تخوم مدينة حمص، وسط البلاد.

وتُعدّ محافظة درعا مهد الثورة ضد النظام السوري، حيث بدأت فيها الاحتجاجات في مارس/آذار عام 2011، وذلك بعد احتجاجات شعبية مماثلة اندلعت آنذاك في كل من تونس ومصر. وبعد ظهور الشعارات المناهضة للنظام على جدران المدارس في منطقة درعا البلد، اعتقلت أجهزة النظام الأمنية العديد من الأطفال وعذبتهم، ما تسبب في انفجار الغضب الشعبي الذي سيرسم مساراً جديداً لسورية كلها.

وكان المسجد العمري في درعا البلد هو قبلة المحتجين الذين واجهتهم قوات الأمن بالرصاص الحي، لتعمّ بعد ذلك التظاهرات مجمل مدن وبلدات المحافظة، قبل أن تتحول هذه التظاهرات إلى صدامات مسلحة مع قوات النظام وأجهزته الأمنية، وتمتد سنوات عدة، تمكنت خلالها فصائل المعارضة العاملة في الجنوب، والمدعومة من غرفة عمليات "الموك" في الأردن، بقيادة الولايات المتحدة، من السيطرة على معظم مناطق المحافظة، وتهديد العاصمة دمشق، قبل أن يشن النظام، بدعم روسي، عملية عسكرية منتصف العام 2018، ويتمكن بالمواجهات العسكرية، وباتفاقيات "التسوية" من إعادة فرض سيطرته على المحافظة.

غير أن هذه السيطرة لم تكن كاملة وحقيقية، إذ قضت اتفاقات التسوية التي رعتها روسيا باحتفاظ مقاتلين محليين في العديد من المناطق بسلاحهم، بينما منع على قوات النظام دخول مناطقهم، واكتفت بنشر الحواجز على مداخلها. وفي معرض محاولاته لإخضاع محافظة درعا لسيطرته بالكامل، عمل النظام خلال السنوات الماضية على إشاعة الفوضى الأمنية في المحافظة، عبر عمليات اغتيال وخطف منظمة، تنسب إلى مجهولين، بينما تقف خلفها في الحقيقة مجموعات محلية شكّلها النظام للعمل في خدمته.

وبرز هنا دور كبير لرئيس فرع الأمن العسكري في المحافظة العميد لؤي العلي الذي تمكن من مغادرة المحافظة يوم أمس الجمعة مع مجموعة من الضباط العاملين معه، بينما تُرك عناصر النظام وحدهم في المحافظة، وأعلنت المجموعات المحلية أنها أمنت انشقاقهم عن النظام، بعد تجريدهم من سلاحهم، لتطوى بذلك حقبة دموية في تاريخ المحافظة، أسفرت وفق بيانات ناشطين محليين عن مقتل وإصابة آلاف الأشخاص، فضلاً عن تعمّد سلطات النظام نشر كل أشكال الجريمة في المحافظة، خاصة تعاطي المخدرات، بعد أن حوّلت درعا إلى ممر لتهريبها إلى الأردن، ومنه إلى دول الخليج العربي.

تتمتع محافظة درعا بموقع استراتيجي في جنوب سورية، على سهل واسع تتخلله مرتفعات عدة، وتمتد على مساحة تبلغ 3730 كيلومتراً مربعاً من حدود الأردن إلى ريف دمشق، ومن القنيطرة والجولان إلى السويداء، وبلغ عدد سكانها 1.127 مليون نسمة عام 2014، بقي منهم نحو 600 ألف في سورية، بينما غادر البلاد أكثر من نصف مليون وفق تقديرات مختلفة.

وعلى غرار مناطق عدة في سورية، عانت محافظة درعا قبل عام 2011 التهميش التنموي والاقتصادي، إضافة إلى ضعف القطاعات الإنتاجية، وحرمانها من مشروعات الاستثمار الكبيرة، وتقييد معظم المشروعات بالموافقات الأمنية، بذريعة المخاوف من الاختراقات الأمنية، نظراً للوجود العسكري الكبير لقوات النظام في المحافظة بسبب قربها من الأراضي المحتلة وجبهة الجولان، وهو ما دفع نسبة كبيرة من سكانها إلى الهجرة للعمل خاصة في منطقة الخليج العربي.

ومع هذا الإهمال الحكومي، تراكمت عوامل الإحباط والاستياء لدى أبناء المحافظة من سياسات النظام السوري نتيجة شعورهم بالتهميش، رغم حرص النظام باستمرار على استقطاب شخصيات من المحافظة، وتعيينهم في مناصب عليا بالدولة، لكن بفاعلية محدودة، مثل نائب رئيس الجمهورية الحالي المفترض فاروق الشرع (المغيب إعلامياً منذ سنوات)، ورئيس الحكومة الأسبق محمود الزعبي الذي قيل إن النظام قتله في مايو/أيار عام ٢٠٠٠، ووزير الخارجية السابق فيصل المقداد.

تاريخياً، قامت في سهل حوران الكثير من الحضارات، بسبب خصوبة أراضيها، وكان الرومان يعتمدون على حوران من أجل المحاصيل الزراعية، وكانت تسمى في زمنهم مملكة إهراء روما، وذلك لأرضها الخصبة ووفرة محاصيلها.

ويكاد لا يخلو مكان في المحافظة من الآثار التي تشهد على الحضارات الغابرة، مثل قلعة بصرى ومدرجها، ومدرج درعا الخاص بالموسيقى، وآثار منطقة اللجاة التي تضم عشرات الكهوف، والقلاع، والأبراج، والمسارح، والمدافن، إضافة الى كنيسة مار جاورجيوس في مدينة إزرع، ومعبد الصنمين، ومحطة القطار في الطيبة، وقلعة المزيريب، وقصور إنخل، ومقام النبي أيوب في الشيخ سعد، وآثار خبب وتل شهاب وتل الأشعري، والمساجد العمرية المُنتشرة في الكثير من المدن والبلدات، وغيرها العشرات من المواقع. كما وُلد في مدينة جاسم الشاعر أبو تمام الطائي.

المصدر: العربي الجديد

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024