الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

حسن نصرالله.. القاتل والمقتول

‫كتابنا‬| 4 أكتوبر, 2024 - 6:16 م

 نقطتان مظلمتان في تاريخ العرب المعاصر قلبتا أمنه خوفاً، ووحدته تفككاً واستقراره تشرداً، قيام جمهورية إيران الإسلامية نهاية السبعينيات، وتشكل حزب الله الشيعي اللبناني مطلع الثمانينيات من رحم حركة أمل الشيعية التي اقترن اسمها بمجازر وحشية وجرائم إبادة في الحرب اللبنانية الأهلية.

كان طموح إيران تصدير نسختها الثورية وتشيعها الديني إلى الحواضر العربية بأدواتها المباشرة لكنها عملت على إنشاء أجندة خاصة لها من داخل البلدان العربية ومولتها فكراً وسلاحاً، وكان حزب الله المتصدر الأكبر والمروج الأكثر للسياسة الشيعية بعد أن استقوى بتأسيس ميلشيات مسلحة أعاق استقرار الدولة في لبنان، وفرض هيمنته وتحكم بمصير اللبنانيين وإرادتهم، مدعياً الوقوف ضد العدو الصهيوني، وخوض معارك ضده وتحقيق انتصارات عليه، إبان ذلك تحول مساره إلى حصر نفسه في دائرة تنفيذ الرغبات الإيرانية والتبعية المطلقة لها؛ لتبدأ بعدها سلسلة من المآسي والكوارث كان حزب الله يقف خلفها مباشرة، في العراق وسوريا واليمن بالإضافة إلى الداخل اللبناني الممزق والمنهار سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

الانزلاق الكبير الذي وقع فيه حزب الله أنه أصبح أداة إيرانية صرفة، يسير على نفس موال طهران، وينفذ تعليماتها شكلاً وموضوعاً، بعد أن اكتسب شعبية عربية كفصيل مقاوم على أرضه ضد الكيان الصهيوني؛ لكن هذا الانزلاق غير مسار حضوره وقزم مشروعه، وهمش صورته في الوجدان العربي، بسبب تماهيه مع النزعة العدائية الإيرانية تجاه العرب، وإثارة القلق والتوتر في المنطقة، وخوض حزب الله -جنباً إلى جنب في صف إيران- دعم الكيانات الميليشياوية في العراق واليمن وسوريا.

تنحى حزب الله في إسناد غزة وهي تتعرض لحرب إبادة صهيونية مكتفياً بالخطاب السياسي المرتجف والمتنصل عن مبادئه الثابتة التي صعد عليها إلى هرم القوى المناوئة للكيان الصهيوني، بالرغم أنه أقرب إليها من حبل الوريد، مثبتاً خذلانه البائس وضعفه الواهن وخطابه الهش الذي جعل الكيان يستهدفه بعد غزة.

سقط حسن نصر الله قتيلاً في غارة إسرائيلية استهدفته، بعد أيام من استهداف قيادات حزبه بتفجير أجهزة البيجر، ثم استهداف الضاحية الجنوبية بغارات جوية مكثفة لتدخل لبنان ساحة الحرب إلى جوار غزة.أثار مصرع نصر الله انقساماً عربياً ويمنياً بين أوساط النخب، بين من يراه شهيداً مقاوماً ومن ينظر له زعيماً متورطاً  يرتبط اسمه بكثير من الجرائم والمآسي في سوريا والعراق واليمن.

في البدء ندين هذا الاعتداء السافر الذي يقدم عليه الكيان في لبنان واستهداف المدنيين تحت مطية اجتثاث حزب الله وتصفية قياداته؛ لكن نصر الله له مواقف وسياسات دفعنا ثمنها باهظاً من دمائنا وأرضنا.

لقد كان نصر الله يمثل السند الثاني بعد إيران للمليشيات الحوثية، ويقف معها خطوة بخطوة سياسياً وعسكرياً وفكرياً، يجاهر بدعمه لها، ويؤيد جرائمها بحق اليمنيين ويبارك أفعالها وسلوكها باعتبارهما وجهين لإيران وسياستها في المنطقة.

أندعي مثالية الأخلاق وشيم النبل واستحضار الروابط القومية والدينية- التي نسفها حسن نصر الله خلال عقدين- ونتظاهر بالأسى والحزن متجاوزين جراحاتنا ومواجعنا التي ما زالت مليشيات الحوثي تحدثها إلى اليوم.

الارتباط الوثيق بين حزب الله ومليشيات الحوثي ليس تكهناً أو اتهاماً مزعوماً وإنما ظهر الفصيلان كمكونين ينتميان لطهران انتماءً كلياً وينفذان طموحاتها التدميرية بحذافيرها على حساب شعوبهما.

ظهر نصر الله طيلة العقد المأساوي اليمني في كثير من خطاباته ومواقفه معتبراً الحوثي جزءاً مكملاً للمشروع الإيراني الذي يعد هو أحد أدواته،  لقد حرض على قتل اليمنيين طيلة مدة هذه الحرب الدائرة بيننا وبين الجماعة التي يؤيدها ويساندها بكل الوسائل الممكنة، ويمثل إسناده لها أحد عوامل تفوقها وبقائها حتى اللحظة. 

نصر الله الذي كان يعتبر سقوط مأرب والساحل الغربي بوابة النصر وفاتحة طريق تحرير القدس حد زعمه، مضمراً الغاية المخفية في اكتمال سيطرة إيران على مواطن الثروة والهيمنة البحرية ليتسنى لها التحكم والهيمنة على المنطقة.

أوجاع اليمن لا تحصى ومعاناته لا تعد إزاء مشاركة حزب الله في الحرب مع الحوثيين خطوة بخطوة، والإصرار على إدخاله في نفق الطائفية والتشيع وطمس الهوية واستباحة الدم والعرض والمال وسقوط آلاف القتلى والجرحى كوقود لحرب أهلية يمنية أسقطت الدولة وضيعت الجمهورية وتحويل البلد إلى ساحة صراع إيرانية تناوئ خصومها في المنطقة، ويدفع ثمنها اليمنيون لا أحد غيرهم.

 هذا السلوك المتماثل والسياسة المتشابهة بين حزب الله والحوثي مثير للسخط وجالب للضغينة تجاههما كعدوين جليين لنا، اشتركا في نسف أحلامنا واقتلاع وجودنا فكيف نعفو ونتناسى هذا الجرم ونهرول للشعور بخسارة رجل استفحل في تجريح مشاعرنا وإقلاق سكينتنا وعزمه على تسليم رقابنا ووطننا لسلالة طائفية تحكمنا بالاصطفاء وتستعبدنا باسم الدين.

 حسن نصر الله قدم نفسه عدواً لليمنيين بلا تردد، وشريكاً في قتلهم، وصاحب اليد الطولى في استقامة مشروع تدميرهم وهلاكهم على يد نظيره الحوثي. كان حريصاً على عدائيتنا أكثر من عدائيته للصهاينة، تورط في قتل الأبرياء في سوريا والعراق واليمن بنيران عناصره ونيران أتباعه، ولم يقتل صهيونياً واحداً .

ولذا فمشاعرنا ملتبسة إزاء مصرعه ونظرتنا مرتبكة؛ لأن المشاعر لها فلسفة منطقية وليست اعتباطية، فالأوجاع لا تندمل بيسر ولا تزول بمجرد إغفالها، طالما والوجع قائم ونزيف الدم مستمر والعدو متربص يسعى لالتهامنا ليل نهار وقذائفه تصطاد أطفالنا في كل يوم، وأنا مجبر على الغرق في بركة من الحزن والقهر على سقوط حسن نصر الله، بل حزني شاهق على الدماء العربية التي تسفك في غزة ولبنان، إخوتنا وجزء من لحمنا ووجودنا، أما الفرد المفقود فليس كذلك.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024