- البيت الأبيض يجدد تهديد ترامب لإيران: يمكن التعامل مع طهران عسريا

صلاح الأصبحي
التهافت على نيل الشهادات العليا!
كتابنا| 1 مارس, 2025 - 7:43 م
من الظواهر العلمية المريبة وغير المنطقية في اليمن موجة التهافت على نيل الشهادات العليا (ماجستير/دكتوراه) في الجامعات اليمنية أو في جامعات خارجية معروف عنها ضعف المخرجات وكثرة منحها للدرجات العلمية، قد يعتبر البعض هذه الظاهرة طفرة علمية وبحثية وازدهاراً نخبوياً مهماً لكن الحقيقة أن واقع البحث العلمي مترد في الجامعات اليمنية التي تشهد أسوأ مرحلة منذ تأسيسها، مرحلة ما بعد الحرب، حيث خف إقبال الباحثين الحقيقين نتيجة الظروف المادية الصعبة، ووثوب متسلقين وطامحين جدد من المسؤولين وأصحاب المناصب في الدولة لتعزيز مناصبهم وتبرير حضورهم في جسد الدولة بحيلة حيازتهم شهادات أكاديمية.
يتصاعد هذا التهافت عند قيادات الشرعية وبين قيادات الصف الأول للمليشيات الحوثية، وتختلف دوافعه عند كل طرف، فدافع الشرعيين نيل مناصب أعلى من واقعهم وقدراتهم، أما الحوثيون فلتجاوز عقدة النقص عند القيادات التي لا تمتلك شهادات ثانوية، وأصبحت في هرم السلطة، وبغية تقصير الهوة شكلياً بين مؤهلاتها ومناصبها.
ظل هذا التهافت متوارياً إلى أن حدثت فضيحتان أكاديميتان الأولى في جامعة عدن والثانية في جامعة صنعاء في توقيت متقارب فأزيح الستار عن هذه الظاهرة وبدت ملامحها جلية بصورة تبعث الحيرة والتحسر حيال صروح علمية كانت منابر تنوير ومعرفة، وغدت مصدراً لعبث نفوذ ولوثة استباحة لقداسة البحث العلمي وكسر نواميسه المنهجية.
فمن صور الهزء الأكاديمي إجبار جامعة صنعاء على منح القيادي الحوثي مهدي المشاط درجة الماجستير على رسالته" ثورة 21 سبتمبر وتأثيراتها على الجمهورية اليمنية والمنطقة"، حيث لا يكمن الاختلال في العنوان المرفوض فكرياً واجتماعياً وعلمياً؛ بل الإذلال المحيق بلجنة المناقشة وتقويض تاريخ الجامعة العريق بذهابها لمناقشة البحث في القصر الجمهوري ومنح الطالب الدرجة، والأفدح من كل هذا قصة التحاق المذكور بالبرنامج، حيث ذكرت بعض المصادر بأن ستة ملفات قُدمت لقسم العلوم السياسية بكلية التجارة في 2019 بغرض تسجيل أصحابها في الدراسات العليا، وهذه الملفات تخص المشاط وأحمد حامد وضيف الله الشامي وآخرين، وحين تفحص كادر القسم الملفات لم يجدوا شهادات جامعية للمذكورين في الوثائق داخل الملفات، فرفض الطلب بإصرار القسم؛ مما دفع الأسماء المذكورة باستخراج شهادات جامعية مزورة من جامعة خاصة ومعاودة الكرة ثانية بعد تغيير كادر القسم السابق، واستبداله بكادر أخر رضخ للضغوط وأتم العملية، وليس هذا فحسب فهناك سوابق بهذا الخصوص تتمثل بأن جامعة صنعاء تورطت بمنح أكثر من أربعمائة من قادة المليشيات درجة الماجستير قبل هذه الفضيحة بشكل سري.
أما جامعة عدن فقد منحت الباحث عبدالرؤوف السقاف وكيل محافظة عدن وعضو الانتقالي الجنوبي درجة ماجستير إدارة أعمال بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية عن رسالته " أثر تطبيق الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة في الشركات الصناعية: دراسة حالة مصافي عدن"، رغم أن الرسالة نفسها قدمت كبحث تخرج ماجستير تنفيذي في كلية العلوم الإدارية للطالب علي الثوير، والأفظع أن الدكتور علي الزامكي هو المشرف على الرسالة والبحث ولم يستنكر التطابق الكلي حد الاستنساخ بين البحث والرسالة، لتستدرك جامعة عدن الفضيحة وتقرر إلغاء منح الباحث الدرجة العلمية، ومنع المشرف من الإشراف على الرسائل في الجامعة واستبعاد المناقش الخارجي من مناقشة أية رسالة في المستقبل في جامعة عدن.
الشاهد في القصتين أن التهافت على الدرجات العلمية لهذه الفئة النافذة في السلطتين ينم عن تغير موازين النظم السياسية والأكاديمية، وتزييف هدام يفصح عن سقوط معرفي وسلطوي غير معهود سياسياً وأكاديمياً، وعواقبه وخيمة على المجتمع والدولة، ولستُ معنياً هنا باستنكار ذلك في مناطق الانقلاب فقد سقط كل شيء بما فيها الجامعات، لكن أن نجد حالة التهافت العارمة تتجسد لدى النخبة الشرعية التي يفترض أنها تحمل مسؤولية تاريخية في لحظة حرجة وتؤكد جدارتها واستحقاقها قيادة دولة مؤسسات فيها نظام وقانون ولوائح وأنظمة ومعادلات منطقية منبثقة من صلب المعركة الوطنية التي يخوضها الشعب بقيادة تلك النخبة غير المعنية إلا بنيل الشهادات وشراء الولاءات وتضخيم النفقات وبلوغ الفساد أعلى مستوى في ظل إدارتها مما أدى إلى الانهيار الاقتصادي والفشل الحكومي الذريع في الساحة اليمنية.
فقبل عامين سمعنا أن شخصية عسكرية رفيعة تحتل منصباً رفيعاً في الجيش الوطني الشرعي تعلن حصولها على درجة الدكتوراه من جامعة عربية عن رسالة علمية في العلوم السياسية تناقش تداعيات التهديد الإسرائيلي على قارة أفريقيا، وكأن اليمن تنعم بسلام دفع الباحث لتسخير جهده العلمي لذلك الموضوع المنحرف عن سياق بلده وسياق منصبه الذي يحتم عليه خوض المعركة في الميدان وليس الانشغال بنيل درجة علمية.
وفي ذات المعمعة المخزية فإن الكثير من المحسوبين على الشرعية المقيمين في الخارج، ممن يتقاضون مخصصات بالدولار كناشطين أو إعلاميين أو صحافيين خلال السنوات المنصرمة أصبح لديهم شهادات عليا، لتبدو مواقفهم المؤيدة للشرعية نابعة من شخصيات اعتبارية لها مؤهلات وجديرة بنيل المناصب، ومقدمة على كل الوطنيين في الداخل الذين لا تضاهي كفاءاتهم وخبراتهم شرط الاستحقاق لمن يحمل شهادة عليا لا يعلم من يصدر قراراً بتعيينه شيئاً عن تخصصه أو كيفية حصوله عليها وهل هي من جامعة معترف بها أم من مراكز وهمية تتاجر ببيع ذلك الوهم، الأهم أن اللقب لصق به شفوياً وذيل في سيرته الذاتية فأصبح على رأس قائمة الاهتمام من قبل القيادة العليا للدولة.
ولن تقف تبعات سعار الشهادات عند هذا، فماذا لو منح أصحابها تعيينات في الجامعات وليس هذا بعصي عليهم، وهناك نماذج من هذا الصنف غدو أساتذة في الجامعات دون سابق عهد؛ بينما آوائل الخريجين والمعيدين سنوات وهم يطاردون فرص التعيين، وعجز أغلبهم حتى عن إتمام دراساته العليا نتيجة العجز المادي والبطالة، فإذا كان هذا هو الوضع الحقيقي للباحثين المؤهلين والمعيدين العاطلين كشاهد عيان يؤكد أن التحصيل الأكاديمي يشهد تصحراً مريباً بسبب إهمال الدولة لهذا الجانب، الدولة التي يديرها فشلة فسدة جهلة بشهادات مزورة ومؤهلات مشبوهة وسطحية.
مقالات ذات صلة