الأخبار
Image Description

صلاح الأصبحي

أين يكمن الخلل في الشرعية اليمنية؟

‫كتابنا‬| 7 ديسمبر, 2024 - 4:58 م

تمثل الشرعية اليمنية المشروع الوطني الجامع- الذي يقابل مشروع الانقلاب الحوثي- وتعد أيقونة الدولة اليمنية المُعترف بها دولياً، والحاكم الفعلي للمناطق المحررة، وتقع على عاتقها مسؤولية إدارة شؤون البلاد وتنظيم حياة رعاياها، والحامل الوحيد للمشروع الوطني الجمهوري والملاذ الآمن لأبناء الشعب، ومن أجل بقائها قدم اليمنيون عشرات آلاف من الشهداء لتكون مرجعية لتضحياتهم ومستوعبة لمسؤولياتها تجاههم والحفاظ على هيكلية الدولة المنظمة لحياتهم واستقرارهم.

هذا المفهوم العام هو المرتكز الأساسي الذي لا خلاف فيه، ويفترض أن تتوزع ترجمته على الواقع السياسي في المشهد اليمني للشرعية كسلطة حاكمة لها حكومة وتدير مؤسسات الدولة بكفاءة واقتدار.

فحين تمَّ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في إبريل 2022، تضمَّن هذا التشكيل خلق توافق وطني بين جميع المكونات السياسية والعسكرية في كل المناطق المحررة، وأعقبه تغيير في شكل الحكومة لتستوعب ممثلين لكل القوى السياسية للإسهام في إدارة الدولة بتوافق ومشاركة فاعلة وتحمل المسؤولية في المؤسسات والدوائر التي يديرها كل طرف، والتصرف وفقاً للسياسة الجامعة المقدمة من مجلس القيادة والحكومة.

مر عامان ونيف على هذه الصيغة السياسية للشرعية اليمنية، وكل يوم تزداد التعقيدات وتتضخم الإخفاقات وتتسع هوة الصراع ويتفشى الفساد وتغرق الشرعية في محيط من التعثرات والعجز في القيام بواجباتها تجاه الفرد والمجتمع، ولعل أبرز تحد يواجهها هو انهيار العملة والعجز عن دفع الرواتب وانعكاس ذلك على الوضع المعيشي  الذي بلغ حداً يصعب تحمله أو الاستمرار في ظله.

والسؤال الأبرز في هذا السياق: ما الذي أوصلنا إلى هذا المستوى من الفشل، وكيف تُعلق كل القوى المشاركة على هذا الانتكاس؟.

في الحقيقة أن التوافق السياسي شكلي فحسب، بينما هناك انفصام بين البقاء فيه والتفرد في تقويض هذا التوافق على الواقع ومخالفة الإطار الكلي له من حيث إدارة المؤسسات وإعاقة عملها والتمرد على سلطة الحكومة وقراراتها التنفيذية، حيث تبدو كل جهة أو مكون سياسي حكومة مصغرة مستقلة تتحكم بما تحت يديها من مؤسسات وإدارات ودوائر حكومية سواء إدارياً أو إيرادياً، دون أي اعتبار لقرارات الحكومة أو لوائح الدولة التي تلزم الجميع باتباع سياستها والامتثال لسيادتها، ولذا يبدو الفساد هو سيد الموقف والتنصل عن تحمل المسؤولية ردة الفعل الماثلة لحظة الإخفاق وإلقاء اللوم على الطرف الآخر أو التلويح باستحضار شعارات تشطيرية أو مناطقية أو حزبية لإسكات المتذمر وإلجام تساءله.

توالت في الإيام الماضية كثير من الحقائق الكاشفة عن فوضوية توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، واحتفاظ كل جهة أو مؤسسة  أو محافظة بإيرادتها سواء في بنوك خاصة أو خزينة سلطتها المحلية، وهذا ينم عن عبث مالي وفساد إداري وإضعاف كلي لأداء الحكومة المتسترة على مثل هذه العوائق والاكتفاء بالصمت طالما أنها ضليعة بالتورط في الإبقاء على تفكك مؤسسات الدولة من الداخل دون أن تبدي أي اعتراض أو تسعى لتغيير ملامح هذا الفشل العارم.

ليست الحالة المزرية التي عليها الحكومة اليمنية مقرونة بانفصال العملة أو إيقاف تصدير النفط، وإنما هناك تراتبية في الأسباب والمسببات التي عملت في المجمل على الوصول إلى هذه الحالة، وأبرزها الفساد وتهميش أجهزة الرقابة والمحاسبة وضعف صورة الحكومة وهشاشة سلطتها في المؤسسات وغياب الوطنية.

لم تتبن الحكومة خطة إصلاحية شاملة لمقاومة انهيار الاقتصاد ونضوب موارده باتخاذ خطوات إجرائية عاجلة كتقليل نفقاتها على العدد المهوول من المسؤولين الراقدين حسب تعبير مدير البنك الأهلي اليمني الذي قال: "أن ربع موازنة الدولة تذهب كمرتبات لهؤلاء"، أو تعمل على تقليل التمثيل الدبلوماسي لها في السفارات والقنصليات في مختلف دول العالم، التمثيل الذي يكلف الدولة موازنة باهظة وبمقدورها الاستغناء عن 50% منه نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وتخفيض الميزانيات التشغلية لكل مؤسسة وتقليل الاعتمادات والنثريات المخصصة لكل مسؤول، وترشيد السفريات الخارجية وحضور المؤتمرات والقمم والندوات الدولية من حيث النفقات أو الأفراد لمجلس القيادة أو لأعضاء الحكومة كون تبعاتها منهكة للدولة التي تعاني من عجز اقتصادي مخيف، لم تسع الحكومة لتشكيل لجان مراقبة ومكافحة الفساد، أو تهتم بعقد كل صفقات المشاريع التنموية والخدمية التي تنفذها على حسابها بشفافية مطلقة ومناقصات علنية لاختيار المناسب لقدرتها، بدلاً من إبرام الصفقات من تحت الطاولة وفتح الباب على مصراعيه لإهدار المليارات بمشاريع وهمية وصفقات مشبوهة.

لن تظل الودائع السعودية والإماراتية المنقذ الدائم لانتشال الحكومة من هاوية السقوط والفشل، حيث تعلق الحكومة آمالها دوماً على مثل هذه التدابير العاجلة دون أن تغتنم الفرصة لاستغلال أية وديعة في تأزماتها، وسد فوهات الاختلال في سياساتها الاقتصادية، لكن الحقيقة أن كل وديعة تذوب كفص ملح دون أن تحدث فرقاً في رفد العملة أو وقف انهيارها طالما أن الحكومة فاقدة للسيطرة على هوامير الفساد وتجار العملة الصعبة الذين يشفطونها في أول وهلة لوصولها، ومن ثم يتم استئناف الانهيار من جديد .

من المحتمل أن التحالف والدول الداعمة والمانحة فقدوا الثقة بهذه الشرعية بعد ضياع مليارات الدولارات، دون أن يظهر أي تحسن في إدارة الشرعية للدولة أو السعي لإثبات جديتها في تحمل مهمتها الوطنية في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.

فإذا كان الخلل الفادح للشرعية يكمن في نفوذ التوافق السياسي واستقوائه من قبل كل الأطراف المشاركة في إدارة الدولة، واتخاذه ذريعة لممارسة فسادها المالي والإداري، وتحكم تبعية الانتماء السياسي والحزبي والعسكري بأداء الوظيفة العامة، فهذا جرم سيكون له عواقب وخيمة حين تتخذ الوظيفة فرصة لنهب المال العام، والاحتماء بقوة مناهضة لسلطة الدولة للهروب من المسؤولية والمحاسبة القانونية فإن ما وصلنا له نتيجة منطقية للعلاقة المختلة بين الدولة ومسؤوليها.

ولذا فإن ما نعيشه من إخفاق كشعب ناجم عن تناقض التوافق النظري الشكلي للتوافق التطبيقي الواقعي بين كل المكونات والقوى السياسية، ومتعلق بصراع أجنحة في السلطة، كل جناح يستمد قوته من طرف خارجي أو داخلي، ويمارس نفوذه وفقاً للصلاحية الممنوحة له من هنا أو هناك، وليس هذا الصراع بخفي؛ فأصداؤه قفزت من خلف الكواليس إلى الساحة العلنية بين قيادات عليا في هرم الشرعية، وأغلبه بسبب مبالغ مالية ضخمة يحاول كل جناح اقتطاعها لنفسه تحت أي مسمى دون استشعار المسؤولية الوطنية وكأن الدولة غنيمة متاحة للعبث والفوضى.

وللعلم فإن هواجسنا القلقة التي حوتها هذه السطور لا تسعى لخلق بلبة أو إثارة الضغينة أو زرع الخلاف في الصف الوطني وإنما قلق وجودي من مصيرنا المرتبط بشرعية نعلق عليها مصائرنا وسبل بقائنا، وتحمل دروب نضالنا ووطنيتنا وعليها ينتصب حاضرنا ويتخلق مستقلبنا، فمن حقنا ككُتاب أن نخشى السقوط  ونتوجس من النتائج المأساوية التي بتنا قاب قوسين أو أدنى منها، ونحن نعمل منذ عقد ونناضل خشية الانزلاق في غير مشروع الدولة والجمهورية والمسؤولية الوطنية.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024