- غزة.. استشهاد 120 فلسطينيا خلال 48 ساعة والاحتلال يجبر سكان حي الشجاعية على النزوح اليمن.. الأرصاد يتوقّع هطول أمطار متفاوتة الشدّة خلال الساعات القادمة الأمم المتحدة: فرص الحد من الإصابة بالكوليرا في اليمن لا تزال مقيّدة توتنهام يكتسح مانشستر سيتي برباعية نظيفة وآرسنال يعود للانتصار من بوابة فورست مأرب.. الوحدة التنفيذية للمخيمات تستنكر تصريحات مضللة لمسؤول حكومي بهدف الإضرار بالنازحين مركز "مسام" يعلن نزع نحو نصف مليون لغم وعبوة ناسفة في اليمن منذ 2018 قائد المنطقة الثالثة يلتقي مسؤولا أمميًا ويؤكد: مليشيا الحوثي تهدّم أي مبادرات لإنهاء الحرب
نبيل البكيري
عن قمم القاع العربي
أراء| 17 نوفمبر, 2024 - 11:58 م
ظلت مؤتمرات القمة العربية تعبيراً واضحاً عن مدى العجز الرسمي العربي، ومدى ما وصل إليه نموذج الدولة العربية الراهنة من ضعف وترهل، وفقدان القدرة على التعبير عن تطلعات شعوبها وآمالهم وطموحاتهم وتوقهم إلى حياة حرّة وكريمة، وهو ما جعل انعقاد مثل هذه القمم أشبه ببرتوكول روتيني لا قيمة له في واقع هذه الشعوب التي فقدت الأمل بأي شيء عربي رسمي، وأصبح هنالك بون شاسع بين العربي مواطناً وحاكماً.
لهذا كله، أصبحت أي قمة عربية تُعقد لا معنى لها ولا تمثل أي شيء بالنسبة للمواطن العربي البسيط من المحيط إلى الخليج، وهو الذي أوقف إيمانه بأي شأن رسمي، ما يُعاظم الفجوة الكبيرة بين قاع العالم العربي، حيث مواطنوه، وقممه الرسمية التي تعبر عن قاع السقوط الذي وصلت إليه حالة العالم العربي كله.
لا تتعلق المسألة اليوم بأي حال بالتعبير عن حالة الإحباط والعجز والفشل الذي بات سيد الموقف عربياً، وكيف رسمت حرب غزّة خريطة الوجدان والمشاعر والطموحات والخيبات العربية المتراكمة، وإنما يتعلق الأمر بأهمية التعبير الواضح والصريح عن هذه الحالة العربية الشاذّة التي ستأتي الأجيال القادمة، وتكون لديها رؤية دقيقة عن هذه اللحظة العربية التي عاشها آباؤهم وأجدادهم في ظل أنظمةٍ، من أهم وظائفها كيف تعمل على تجميد مشاعر المواطن العربي وتجفيف أي أثر للكرامة في وجدانه ومشاعره وإبقائه كائناً بليداً عديم المشاعر والأحاسيس ومسلوب الإرادة.
حالة الضمور والانحسار في المشاعر العربية التضامنية والأخوية، فضلاً عن المشاعر الإنسانية المجرّدة، وفقدان هذا المواطن العربي، حتى في ظل هذا الفضاء التواصلي المفتوح لأي قدرة على القول والتعبير عن مشاعره، أصبحت مخيفة، وتعكس إلى أي حدٍّ جرى تدجين الشخصية العربية الجموحة والرافضة الضيم والظلم، وإجبارها على العيش مع الخطايا، وسلبها قدرتها على التعبير عما يجيش في مشاعرها تجاه ما يجري في غزّة من حرب إبادة منذ أكثر من عام في ظل صمت وخذلان عربيّين مطبقيْن.
وبالتالي، ما تقوم به هذه القمم العربية خطير، إذ يعكس انعقادها الروتيني، من دون قرارات حقيقية، حالة من التطبيع مع واقع الإبادة والحرب اللذين تتعرّض لهما غزّة، ثم لبنان أخيراً، وهي حرب إبادة جماعية، خصوصاً في غزّة لطول أمدها. ومن ثم تصير خطورة التداعي إلى القمة والخروج منها ببيانٍ لا قيمة عملية له، في أنه يعكس حالة الخور والضعف اللذين تمرّ بهما الأمة العربية والإسلامية جميعها، وتطبيعها التام مع واقع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزّة الذي تُرك يواجه مصيره وحده.
ليست الكارثة اليوم في ما تعيشه النخب العربية الحاكمة من انفصال عن واقعها، إنما في حالة الانفصام الشعبي العام والمخيف وتطبيع هذه الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج مع واقع الدم والأشلاء والجوع والخوف والدمار الذي تعيشه غزّة. حالة التطبيع والألفة مع هذا المشهد أكثر إيلاماً من حالة الخور النخبوي العربي الذي يُفهم في سياقه نوعاً من أداء هذه النخب للواجب المطلوب منها غربياً أن تقوم به للأسف.
الصمت الذي يخيم على المشهد العربي العام، قاعاً وقمةً، هو الأكثر خطراً على فقدان هذه الأمة كرامتها، مع تطبيعها مع حالة فقدان الكرامة هذه، ما يجعل الجميع ينسى ويطبع مع واقع الصورة المرسلة هذا، والتي يُراد من خلالها إجبار الذهنية العربية على القبول بها أمراً واقعاً وحتمياً، ونتيجة طبيعية لكل من يحاول أن ينتصر لكرامته وأرضه ووطنه وحريته وحقه في حياة حرة كريمة.
ليس في هذا القول تجنّياً على الواقع الأكثر سوءاً، فقد أصبح الواقع نفسه يعبّر عن نفسه بدون أن يحتاج منا تحشيد أي لغة وأي مفردات قد تكون أقل قدرة على توصيف واقعنا الراهن، نحن العرب، الواقع السيء والمهين الذي خرج كل الأحرار في العالم لرفضه وإدانته، فيما العالم العربي في سبات عجيب، قاعاً وقمة.
ولهذا كله، أبلغ ما يمكن أن تقدّمه لنا هذه القمم والبيانات أنها تعبير دقيق ليس عن حالة النخب الحاكمة وحدها، بقدر ما هي تعبير دقيق من القائمين على هذه القمم عن واقع الشعوب أيضاً، الشعوب التي فقدت حتى القدرة على الاستنكار والقدرة على التألم مما يجري لإخوانهم في غزّة ولبنان وغيرها، هذا الواقع السيء الذي أصبحت تشكله تفاهات الساسة وعجزهم وفشلهم وخيانتهم كل شيء، بما في ذلك خيانة ضمائرهم قبل كل شيء كبشر يفترض امتلاكهم ضمائر إنسانية حية، يمكنها أن تستنكر على الأقل ما يجري من حرب إبادة ضد شعبٍ محاصر أعزل خذله الجميع.
صحيح أنه جرى تدمير غزّة، وارتُكبت مجازر وإبادة جماعية بحق أهلها، رغم ذلك كله، صمدت واحتسبت ما جرى لها وقابلت مصيرها بعزّة وإباء وكرامة، وصمدت في وجه جملة الأهداف التي أعلن جيش الاحتلال الصهيوني عن إشعال الحزب ضد غزّة لأجلها، ولم يتحقق من هذه الأهداف شيء، رغم حجم الخسارات التي لحقت غزّة وحركة حماس وقيادتها، ما يحتم على الجميع أن ينقذوا أنفسهم من خلال صمود غزّة وإيقاف الحرب الظالمة ضدها، حتى يمثل صمود غزّة طوق نجاة للمنطقة مما ينتظرها، في حال طال أمد هذه الحرب من دون إيقافها عند هذا المستوى.