الأخبار

جعجعة بلا طحين: زيارات رئاسية خارجية متكررة.. وواقع اقتصادي يترنح نحو الهاوية

‫اقتصاد‬| 1 أبريل, 2025 - 6:32 م

يمن شباب نت: وحيد الفودعي*

image

الرئيس اليمني رشاد العليمي أثناء مغادرته مطار عدن الدولي متوجها إلى الرياض (الصورة: وكالة سبأ)

في خضم تصاعد المعاناة الاقتصادية وتراكم التحديات التمويلية والخدمية التي باتت تثقل كاهل الدولة والمجتمع، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي العاصمة المؤقتة عدن متوجهًا إلى الرياض في زيارة رسمية تهدف إلى حشد الدعم لمواجهة التحديات الاقتصادية، ومناقشة المستجدات المحلية مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، بحسب البيان الصادر عن وكالة سبأ حول الزيارة.

 تأتي هذه الزيارة الجديدة في سياق سلسلة طويلة من الزيارات، التي لطالما أُعلن عنها على مدى العامين الماضيين للغرض ذاته: الدعم الاقتصادي، وتخفيف المعاناة الإنسانية، واستعادة الدولة، وإعادة الاستقرار؛ لكن، وككل مرة، لا تزال النتيجة صفرية على صعيد التحسن المعيشي والاقتصادي، بل إن كل زيارة تبدو وكأنها تمهد لمزيد من التدهور لا العكس.

 المشكلة لم تعد بحاجة إلى الدعم بحد ذاته، بل في نمط التفكير الذي يُدار به هذا الملف الحيوي، والذي يُختزل في مخاطبة الخارج وانتظار ما تجود به العواصم الإقليمية والدولية من مساعدات أو تعهدات لا تلبث أن تتبخر أو تتآكل في تفاصيل لم يُكشف عنها.

وهذه ليست الزيارة الأولى التي يبررها نفس الدافع: مواجهة التحديات الاقتصادية والتمويلية الناجمة عن توقف صادرات النفط إثر الهجمات الحوثية؛ بل إن هذا الخطاب بات متكررًا لدرجة جعلته يفقد أثره السياسي والاقتصادي على حد سواء. ومع كل جولة خارجية، تعود الحكومة بخطاب متفائل وبيانات مُطَمئِنة، ليصطدم المواطن مجددًا بواقع أكثر سوءًا، ومستوى معيشي أكثر هشاشة، وأسعار أكثر جنونًا، وخدمات آخذة في التلاشي.


ÌÌ زيارة رئيس البلاد إلى السعودية بهدف حشد الدعم الاقتصادي، ليس إلا خطابا متكررا، فقد أثره السياسي والاقتصادي...ومع كل جولة خارجية تعود الحكومة بخطاب متفائل وبيانات مُطَمئِنة، ليصطدم المواطن مجددًا بواقع أكثر سوءًا، ومستوى معيشي أكثر هشاشة، وأسعار أكثر جنونًا، وخدمات آخذة في التلاشي ÍÍ

توقف النفط وعجز الحكومة

إن وقف تصدير النفط للعام الثالث على التوالي، نتيجة الهجمات الحوثية التي استهدفت البنية التحتية والمنشآت الحيوية، يمثّل السبب الجوهري للأزمة التمويلية الراهنة، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في عجز الحكومة عن إيجاد بدائل استراتيجية، أو حتى إدارة الأزمة بما يحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي. لا يوجد اقتصاد في العالم يمكنه الصمود أمام انقطاع مصدر تمويله الرئيسي دون خطة طوارئ، دون ترشيد للإنفاق، دون إعادة هيكلة للموارد، ودون مواجهة حقيقية للفجوات المؤسسية والفساد البنيوي..

ما حدث، ويحدث، هو العكس تمامًا: اكتفاء بالتصريحات، تحركات دبلوماسية موسمية، حلول ترقيعية مؤقتة لا تلبث أن تتآكل أمام ضغط الحاجات المتراكمة، وعجز مفضوح عن التعامل مع الأزمة كأزمة مركبة تتطلب مسارًا إصلاحيًا جذريًا، لا مجرد انتظار القادمين من الخارج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..!!

الوضع بلغ مستويات كارثية لا تسمح بمزيد من الوقت الضائع. الرواتب متوقفة في معظم القطاعات، والتضخم آخذ في الاتساع، والعملة المحلية تواصل انهيارها أمام الدولار، وسط فقدان تام للثقة في قدرة الحكومة على ضبط السوق أو توفير أبسط الاحتياجات الأساسية، الاحتياطي الأجنبي في تراجع، ومخزون الغذاء والدواء في المناطق الحكومية يواجه تحديات استيرادية كبيرة، ناهيك عن توقف المشاريع التنموية وتآكل البنية التحتية التي لم تعرف الصيانة منذ سنوات...

والمخيف أن كل ذلك يجري في ظل حكومة لا تمتلك موارد سيادية مستدامة، وتعتمد بشكل شبه كامل على المنح والمساعدات التي باتت مشروطة ومحدودة، أو على الودائع الخليجية التي تقتصر على تغطية الواردات الأساسية دون أن تنعكس على الشارع اليمني..!!


(( لا يوجد اقتصاد في العالم يمكنه الصمود أمام انقطاع مصدر تمويله الرئيسي دون خطة طوارئ، دون ترشيد للإنفاق، دون إعادة هيكلة للموارد، ودون مواجهة حقيقية للفجوات المؤسسية والفساد البنيوي،... في حين أن الوضع قد بلغ مستويات كارثية لا تسمح بمزيد من الوقت الضائع..))

تحرك جاد وحلول بديلة

إن الإنقاذ الاقتصادي لا يأتي من الخارج بقدر ما يبدأ من الداخل. فالمطلوب ليس زيارة جديدة ولا بيانًا دبلوماسيًا آخر، بل تحرك جاد لمعالجة جذرية للسبب الرئيسي للأزمة: توقف تصدير النفط. وإذا كانت الحكومة عاجزة عن تأمين المنشآت النفطية، أو استئناف التصدير من الحقول الشرقية، فعليها التفكير في حلول بديلة وطارئة تعيد للدولة جزءًا من قدرتها التمويلية.

على سبيل المثال؛ يمكن التفكير في عدد من الحلول، منها: -

  • استثمار الفوائض في المنافذ؛
  •  إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام؛
  • مراجعة اتفاقيات توريد المشتقات؛
  • مكافحة الفساد في قطاعي الجمارك والضرائب، وتفعيل الأدوات الرقابية على المصروفات العامة؛
  • كما ينبغي الاتجاه نحو تحسين التحصيل المحلي؛
  • تقليص فاتورة النفقات التشغيلية غير الضرورية، وترشيد التوظيف الإداري السياسي؛
  • تفعيل دور البنك المركزي بما يتجاوز دوره الشكلي في الرقابة على السوق المصرفية.

من ناحية أخرى، يجب الانتقال من استجداء الدعم الخارجي إلى بناء شراكات استثمارية حقيقية مع الإقليم، تقوم على المصالح المتبادلة لا على الوعود المؤقتة. ولا بد من تحريك الجبهة الدبلوماسية أو حتى العسكرية نحو الضغط لإعادة تصدير النفط كحق سيادي للدولة لا يجوز مصادرته بقوة السلاح، بالتوازي مع استكمال الإصلاحات في القطاع المالي والنقدي، وتوحيد الإيرادات، وتحقيق الشفافية في إدارة المنح والمساعدات.

اليمن اليوم على مفترق طرق خطير، ولم يعد من المجدي للحكومة الاستمرار في تبرير العجز والجمود بذرائع: الحصار، أو العدوان الحوثي، أو الوضع الإنساني..، لقد استنزف الداخل، وتآكلت الثقة، وأي تأخير في تبني حل مستدام قد يفضي إلى انهيار كلي يضع نهاية لمفهوم الدولة والمؤسسة بشكل لا رجعة فيه..!!

الواقع يفرض على القيادة السياسية أن تغادر مربع التطمينات النظرية والتحركات البروتوكولية، وأن تتجه فورًا إلى إدارة الأزمة بعقل الدولة، لا بمنطق الرحلات الخارجية. فالتاريخ لا يرحم، والشارع لا ينسى، والاقتصاد لا ينتظر.

----------------------------------------

*باحث ومحلل اقتصادي يمني

أخبار ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024