أسوشيتد برس تكشف الكلفة الخفية للحرب الأمريكية بطائرات بدون طيار في اليمن "وحصيلة خسائر المدنيين" (ترجمة خاصة)

[ أجزاء من صاروخ أطلقته طائرة بدون طيار أمريكية قتل فيه" يحيى الحاصبي" يبلغ من العمر14 عاما (من ناشط يمني أ ب) ]

شنت الولايات المتحدة حربًا بطائرات بدون طيار في اليمن لمدة 16 عامًا، في محاولة لقمع فرع القاعدة هناك لكن تلك الحملة كان لها كلفة خفية، فقد تعرض مدنيون لعدة صواريخ تطلقها الطائرات بدون طيار.
 
لا يوجد عدد شامل للوفيات بين المدنيين بسبب صعوبة تأكيد هويات القتلى والمزاعم المتعلقة بذلك. ولكن وفي عملية تدقيق وفحص لضربات الطائرات بدون طيار التي جرت خلال هذا العام وحده، وجدت وكالة أسوشيتد برس أن ما لا يقل عن 30 من القتلى على الأرجح، لم يكونوا ينتمون إلى تنظيم القاعدة.

وهو رقم يمثل حوالي ثلث جميع من قتلوا في هجمات الطائرات بدون طيار حتى الآن في عام 2018 حيث أن البنتاغون لا يكشف عن تقديراته لعدد القتلى، غير أن قاعدة بيانات مستقلة تعتبر واحدة من الأكثر مصداقية في تعقب العنف في اليمن أحصت 88 شخصًا -مسلحين وغيرمسلحين- قتلتهم طائرات بدون طيار هذا العام.
 
ويعطي الرقم الذي أحصته وكالة "أسوشيتد برس" لمحة وان لم تكن كاملة,عن عدد المرات التي يصاب فيها المدنيون بطريق الخطأ بطائرات بدون طيار، في وقت زادت فيه إدارة ترامب بشكل كبير من استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار. حيث نفذت 176 ضربة خلال ما يقرب من عامين منذ توليه منصبه، مقارنة بـ154ضربة حدثت خلال الثماني سنوات تحت إدارة أوباما، وفقا لإحصاء وكالة "أسوشييتد برس" ومكتب التحقيقات الاستقصائية.

وقد استندت وكالة "الأسوشييتد برس" على عدد من المقابلات مع الشهود والأسر وزعماء القبائل والناشطين.وكان معظم القتلى الذين بلغوا 24 شخصا كانوا من المدنيين فيما كان ستة آخرين على الأقل مقاتلين في القوات الموالية للحكومة- والذين تعرضوا للغارات بعيدًا عن الخطوط الأمامية، وأثناء انخراطهم في الحياة المدنية.
 
"تم إنتاج هذه القصة بالشراكة مع مركز بوليتزر لإعداد التقارير عن الأزمات"

إن حصيلة الطائرات بدون طيار تمر تقريبا من دون أن يلاحظها أحد في خضم صراعات المنطقة حيث تسبب حلفاء الولايات المتحدة بالدمار الهائل بشكل كبير في الحملة الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الشيعة المدعومين من إيران والمعروفين باسم الحوثيين في ظل مقُتل أكثر من 57 ألف مدني ومقاتل في الحرب الأهلية في اليمن،حسب بعض التقديرات وربما مات الآلاف بسبب الجوع الناجم عن النزاع.

إلا أن مقتل رجل واحد –وهو الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتله عملاء استخبارات سعوديون في قنصلية بلاده- أثار ضجة دولية فاقت كل تلك الوفيات التي تحدث في الحرب يشنها تحالف تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة.
 
وبالمثل، فإن عدد القتلى جراء الطائرات الأمريكية في اليمن يصل إلى المئات، بما في ذلك المسلحين والمدنيين. وتحاول العديد من قواعد البيانات تعقب عدد الوفيات بنتائج متفاوتة. حيث سجل مكتب الصحافة الاستقصائية ما يصل إلى 1020 قتيلاً بسبب الضربات الجوية وذلك في الفترة من 2009 إلى 2016، تحت قيادة الرئيس باراك أوباما، مقارنة بما يصل إلى 205 قتيلاً في عامي2017 و 2018 الماضيين.
 
ويعد إحصاء عدد المدنيين من بين هذه الأعداد أمرًا معقدًا بسبب صعوبة تحديد من ينتمي إلى تنظيم القاعدة في بلد يضم مليشيات متعددة. حيث انضم تنظيم القاعدة إلى المعركة ضد الحوثيين وتم دمج العديد من مقاتليه في ميليشيات مسلّحة وممولة من التحالف المدعوم من الولايات المتحدة.
 
وحققت الحملة بعض النجاحات العسكرية. ففي عام 2015، قضت الضربات الأمريكية على ناصر الوحيشي، القائد الأعلى للقاعدة في الجزيرة العربية برفقة عدد من كبار المساعدين..

لكن الطائرات بدون طيار كانت أكثر فعالية في إجبار القاعدة على الحد من تحركاتها والاختباء في الجبال، وتجنب التجمعات الكبيرة وتقييد استخدام الهواتف المحمولة. حيث انسحبت المجموعة من المناطق التي تسيطر عليها في الجنوب ولكن سُمح لها بالاحتفاظ بالأسلحة والمال بموجب اتفاقات سرية وقعتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة العضو في التحالف.
 
وعلى مر السنين فقد كانت كلفة ملاحقة القيادة العليا باهضة .

فعلى سبيل المثال قتلت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 66 مدنيًا، 31 منهم من الأطفال، في عملية بحث غير ناجحة عن رجل واحد، وهو قاسم الريمي، أحد مؤسسي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي خلف الوحيشي في زعامة التنظيم.
 
وقد جاءت تلك الوفيات في هجوميين استهدفا الريمي. الأول كان في عام 2009 في قرية المجعلة الجنوبية، فيما حدث الثاني في 27 يناير 2017، بعد أيام فقط من تنصيب ترامب في هجوم القوات الخاصة الأمريكية على قرية في محافظة البيضاء.
 
وتأتي وفيات المدنيين جراء حرب تتم من مسافة شاسعة حيث يعمل طيارو الطائرات بدون طيار عن بعد في القواعد الأمريكية، في أغلب الأحيان في الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان في غضون 11 إلى 14 ساعة متناوبة في غرف مثل حاويات الشحن المبطنة بالإلكترونيات.

وتعمل استنادًا إلى معلومات استخبارية من المخبرين ولكنها أيضًا تنفذ ما يسمى بـ "ضربات التوقيع"، التي تتم استنادًا إلى مراقبة أنماط السلوك المشبوهة حيث لديهم قائمة من الخصائص، وإذا كان هناك مشتبه على الأرض يظهر عددًا منها، حينها يمكن استهدافه، حسب ما قاله أحد المشاركين السابقين في برنامج الطائرات بدون طيار لـوكالة اسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته فيما يخص مناقشة العمليات.

وقال إن الأخطاء تحدث نتيجة أخطاء استخبارية، وكذا سوء الحكم على بعض من يجري استهدافهم. وقد أعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها من أن بعض المعلومات الاستخبارية قد تأتي من سجناء محتجزين في سجون تديرها ميليشيات مدعومة من الإمارات حيث ينتشر التعذيب.
 
وقد تبين أن بعض الضربات التي حدثت عام 2018 ودققت فيها الاسوشيتد برس كانت أخطاء.

حيث في الأول من كانون الثاني/يناير، سقط صاروخ من طائرة بدون طيار على مزرعة في محافظة البيضاء، حيث كان محمد منصر أبو صريمة البالغ من العمر 70 عاماً يجلس مع قريب أصغر منه، مما أسفر عن مقتل الاثنين بحسب قريبه محمد أبو صريمة .
 
وقد كان الرجال القتلى قد عادوا للتو من التوسط في نزاع محلي. حيث أنه وفي بلد تكون فيه الروابط القبلية قوية ونظام العدالة شبه معدوم، فإن مثل هذه الوساطات تعتبر وسيلة شائعة لحل النزاعات حول الأرض أو القتلى. وتنطوي تلك الوساطات على تجمعات كبيرة من رجال القبائل الذين غالباً ما يكونون مسلحين، مما قد يثير شكوك مشغلي الطائرات بدون طيار.
 
ويقول شقيق الصريمة:"ليس لدينا أي ارتباط بالقاعدة. إنهم مجرد مزارعين بسيطين لا يعرفون القراءة والكتابة ".مضيفاً "نحن نعيش في حالة خوف فالطائرات بدون طيار لا تترك السماء".
 
وبعد عدة أسابيع أصيب راعٍ يبلغ من العمر 14عاماً، وهو يحيى الحصبي جراء غارة من طائرة بدون طيار، حيث كان يرعى الماعز على بعد عدة كيلومترات من نقطة تفتيش حاول تنظيم القاعدة مؤخراً الاستيلاء عليها.
 
وقد قُتل مع عامل بناء صادف مروره في ذلك الوقت  وفقاً لأقاربه وثلاثة من العاملين المحليين في مجال حقوق الإنسان تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام.
 
أما في أقصى الشرق في محافظة حضرموت فقد شنت الطائرات بدون طيار عدة أيام متتالية من الضربات في مارس، استهدفت سيارات على الطريق السريع الرئيسي. وقد أدت بعض الضربات إلى مقتل متشددين من القاعدة، وفقاً لنشطاء حقوقيين في المنطقة.

لكن غارات أخرى ضربت سيارات تقل أشخاصا فروا إلى المنطقة من محافظة الجوف القريبة هرباً من القتال.
 
وقد أسفر إطلاق صاروخ من طائرة دون طيار يوم 5 مارس/ آذار عن مقتل صبي يبلغ من العمر 10 أعوام، وهو عمار المحشمي، وإصابة السائق، حسبما أفاد ثلاثة من أقاربه. وبعد أربعة أيام، استهدفت سيارة أخرى مما أسفر عن مقتل ستة رجال وأطفال من بينهم طفل في الرابعة عشرة من عمره وفتى يبلغ من العمر 18 عاما كانوا في طريقهم لحضور جنازة.

وقد كان صالح الوعر، شقيق أحد القتلى راكباً في سيارة خلفهم. حيث قال متحدثاً عن الانفجار "رأيت ذلك أمام عيني". مضيفاً "لقد تحللت الجثث".
 
وخلص تقرير صادر عن مكتب حقوق الإنسان بالجوف إلى أن الرجال المستهدفين كانوا مدنيين.
 
أما الناجون فهم قلة حيث روى عادل المنظري كيف طارت سيارته في الهواء جراء انفجار صاروخ أطلقته طائرة من دون طيار أفقده ساقيه وذراعه وتسبب بحروق في جميع أنحاء جسده. وقد قُتل الأربعة الآخرون في السيارة - وهم شقيقه وعمه وابن عمه وقريب آخر.

وقال المنظري وهو موظف حكومي، إنه لم يكن بينهم من هو على صلة بالقاعدة، وهي الرواية التي أكدها قريبين آخرين له إضافة للعاملين الحقوقيين الثلاثة في البيضاء .
 
ومنذ الهجوم والمنظري يخاطب وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان، بحثًا عن طرق للحصول على تعويض واعتذار من الولايات المتحدة: حيث يقول "لقد فقدت الأمل".. مضيفاً "لا شيء سوف يحدث."
 
وحتى بعض الضربات التي لم تضمها وكالة أسوشيتد برس في إحصاءها ربما تكون قد قتلت مدنيين، على الرغم من وجود بعض الخلاف حولها.
 
ففي 14 مايو / أيار، قُتل رجلين، هما حسين الدياني وعبد الله الكربى، عندما ضربت طائرة بدون طيار شاحنته الصغيرة في منطقة في محافظة شبوة حيث من المعروف أن القاعدة لها وجود هناك .

ونفى شقيق الدياني، خالد، أنهم كانوا مسلحين.. وقال إن" شقيقه كان مقاتلا في مجموعة مسلحة تقاتل الحوثيين". وعن القاعدة؛ قال خالد "نحن ضد أولئك الناس".
 
وبعد أسبوعين، قتل مهدار حسين الحاج، البالغ من العمر 17 عاماً، جراء ضربة جوية أثناء قيادته لدراجته النارية في نفس المنطقة.

وقال والده إنه:"كان طالب في مدرسة ثانوية وكان عائدا من شراء الخضراوات".. مضيفا:"ربما جرى استهدافه بالخطأ على من شباب القاعدة الذين ينشطون في هذه المنطقة".
 
وقال مسؤول أمني يمني إن القتلى في تلك الضربات هم جميع أعضاء القاعدة، رغم أنه لم يقدم أي أدلة. حيث تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام.

*لقرأة التقرير من وكالة الأسوشيتد برس والذي أعده كلا من ماجي مايكل ومعاذ الزكري: هنا
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر