في تحليل مطول وعميق.. معهد أمريكي يضع أربعة سيناريوهات محتملة لمعركة الحديدة وتداعياتها (ترجمة خاصة)

[ قوات تابعة للحكومة اليمنية بإشراف التحالف العربي تتدفق إلى الحديدة (مواقع التواصل) ]

 
نشر معهد دول الخليج العربي بواشنطن مقالا تحليليا مطولا، الثلاثاء، للكاتب بيتر سيلزبري، وهو زميل غير مقيم في المعهد، تحت عنوان "اليمن: بعد الحديدة"، وقدم فيه الكاتب تفاصيل هذه المعركة، من خلال التعرض لخلفيتها التسلسلية ومقارنتها بمعارك تحرير مشابهة، سبق للتحالف خوضها في اليمن. 

وبشكل معمق، مهد الكاتب بذلك، للوصول إلى أربعة سيناريوهات يمكن توقعها في معركة الحديدة، مفصلا النتائج العسكرية والسياسية والأنسانية لكل سيناريو. ووضع الكاتب التوصل لـ"لحل سياسي"، السيناريو رقم واحد، معتبرا أنه الأفضل لليمن. فيما وضع "خطة التحالف بانتصار سريع وآمن"، السيناريو الثاني، مع تفصيل تداعياته المختلفة والخطيرة. 

أما السيناريو الثالث، فهو في نظر الكاتب: الدخول في معركة طويلة من عدة أشهر، وهو الأحتمال الأكثر ترجيحا لديه. واختتم بالسيناريو الرابع والأخير، وهو "حرب مطولة ومدمرة"، وأعتبره الأكثر سوءا.

"يمن شباب نت" ترجم المقالة بالكامل لأهميتها:


 
في 19 يونيو / حزيران، أعلنت القوات اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة أنها عززت سيطرتها على مطار الحديدة بعد أسبوع من القتال العنيف مع المتمردين الحوثيين وذلك كجزء من عملية النصر الذهبي، وهي حملة عسكرية تهدف لتحرير الحديدة ومينائها.
 
المعركة من أجل الحديدة ستبدأ الآن بشكل جدي. ومهما كانت النتيجة، فإن الصراع من أجل المدينة من المرجح أن يمثل تحولا في شكل ومسار الحرب ليتماشى مع دخول التحالف بقيادة السعودية إلى الصراع في مارس 2015، وفقدان المتمردين الحوثيين لعدن والكثير من جنوب اليمن في منتصف عام 2015، ومقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017.
 
حالياً وبمجرد وصول القتال إلى ضواحي المدينة، تبرز توقعات جريئة حول مشهد ما بعد الحديدة في اليمن. إلا أن هنالك الكثير من المتغيرات ومثل هذا الغموض الشديد حول كيفية سير المعركة، على الرغم من الإجماع بأن التحالف سوف ينتصر في النهاية، فإن ذلك يجعل من المستحيل تقديم حالة واحدة على أنها النتيجة الأكثر ترجيحاً.
 
وهناك العديد من السيناريوهات المحتملة للمعركة لكل منها معنى مختلف لمسار الصراع.
 
خلفية ما يجري حاليا
 
جرى التخطيط لحملة الحديدة منذ عام 2016، على الأقل، ووفقا لبعض الحسابات، منذ أن دخل التحالف الذي تقوده السعودية الحرب في اليمن. ويعتقد المسؤولون السعوديون والإماراتيون الذين يقودون الجهود الحربية، بأن الحوثيين، الذين استولوا على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014 إلى جانب القوات الموالية لصالح، يستخدمون الحديدة لتهريب الأسلحة، بما في ذلك مكونات الصواريخ، إلى داخل البلاد (وهي نقطة ناقشتها لجنة خبراء عينتها الأمم المتحدة).
 
  وقد تعهد التحالف، الذي يعتبر الحوثيين وكيلاً إيرانياً على غرار حزب الله، بإخراج الحوثيين من البلدات والمدن اليمنية واعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أطاح به الحوثيون في أوائل عام 2015، إلى السلطة. وتبرز الحديدة كعنصر حاسم في الحملة.
 
وفي حين حقق التحالف، والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، بعض النجاحات الكبيرة في الأيام الأولى من النزاع- ولا سيما طرد الحوثيين من مدينة عدن الساحلية الجنوبية ومعظم محافظات الجنوب في عام 2015، ثم الإطاحة بالقاعدة من المكلا في عام 2016- فقد وصلت الحرب إلى حالة من الجمود الفوضوي في أواخر عام 2016.
 
وعلى أمل أن تتغير الأمور، اقترحت الإمارات هجوما برياً وبحرياً على الحديدة بهدف توجيه ضربة استراتيجية ورمزية ومالية للحوثيين، الذين يجنون مئات الملايين من الدولارات من إيرادات الميناء سنوياً. وشعر الحلفاء الغربيون لدولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة الولايات المتحدة، بالقلق من أن مثل هذا الهجوم سيكون محفوفاً بالمخاطر، سواء بالنسبة للقوات الإماراتية أم للوضع الإنساني في اليمن، إلا أنه وبرغم ذلك فقد عاد الإماراتيون إلى التخطيط (للهجوم على المدينة).
 
ومنذ أن قُتل صالح في ديسمبر/ كانون الأول 2017 من قبل مقاتلي الحوثي، حققت أحد المجموعات التي تحمل اسم "قوات المقاومة الوطنية" سلسلة من الإنجازات في خضم سعيها للتقدم شمالاً صوب ساحل اليمن المطل على البحر الأحمر، بدعم من الجيش الإماراتي. ويشمل التحالف: المقاومة التهامية، بقيادة قبيلة الزرانيق؛ والمقاتلين الانفصالين الجنوبين بقيادة السلفيين من "لواء العمالقة"؛ ومنذ شهر مارس تقريبًا، انضم اليهم الحرس الجمهوري الذي أُنشئ حديثًا بقيادة العميد اللواء طارق صالح ابن شقيق الرئيس السابق.
 
وخلال شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار، حققت قوات المقاومة الوطنية سلسلة من المكاسب السريعة على طول الطريق الساحلي السريع، على بعد 6 إلى 9 أميال من مطار الحديدة بحلول أوائل يونيو/ حزيران. وحتى بلوغ المطار، مضت المعركة للسيطرة على الطرق الرئيسية والبلدات والتقاطعات على طول الطريق الساحلي.
 
أما على الطريق السريع الداخلي فلم تدخل قوات المقاومة الوطنية بعد بلدة الجراحي، على بعد حوالي 68 ميلاً إلى الجنوب من الحديدة، والواقعة على حدود زبيد. وبين زبيد والحديدة (المدينة) تقع مديريتي بيت الفقيه والمنصورية، وهما مناطق صغيرة عند تقاطع رئيسي يربط الطريق الداخلي مع صنعاء العاصمة. وبحسب تقارير فإن الحوثيين يتواجدون بقوة في كل من هذه المناطق وقد استخدموها بالفعل كقواعد يمكن من خلالها القيام بأعمال مراقبة خلفية ضد التحالف، وقطع خطوط الإمداد عن جبهة الحديدة.
 
وفي 19 يونيو/ حزيران (الجاري)، أعلنت قوات المقاومة الوطنية أنها سيطرت على مطار الحديدة، مما يمهد الطريق لمعركة الميناء والمدينة. وتقوم الإمارات العربية المتحدة ببناء مرفأ مؤقت في الدريهيمي، مما سيمكنها من الربط بين العمليات البرية في اليمن وأقرب قواعدها في عصب، بإريتريا، حيث يوجد الآلاف من القوات اليمنية والإماراتية والسودانية يتم تجهيزها كما يقال للانتشار.
 
على الورق، هنالك عدم تكافئ واضح: حيث هناك ما يتراوح بين 20 - 25 الفاً من المقاتلين المدعومين من التحالف والمركبات المدرعة، والاسناد الجوي من الطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر من طراز أباتشي، إضافة الى الموارد الغير المحدودة تقريباً، مقابل مجموعة من الحوثيين لا تزيد على 5 إلى 10 آلاف رجل. الكثير منهم مجندون جدد أكثر من كونهم مقاتلين متشددين ومتفانين (من المرجح أن تتكون القوة القتالية الحوثية الأساسية من بضعة آلاف فقط من الرجال) الذين من المرجح أن يتم قطع الإمدادات عنهم في وقت مبكر من القتال.
 
الأكثر إثارة للقلق هو التفكير بمصير ما يقدر بنحو 600,000 شخص يعيشون في الحديدة وملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الميناء كحبل نجاة. وقدرت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية أن القتال سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، وبشكل مباشر سيتأثر 250,000 من سكان الحديدة، ما سيكون له تأثير "كارثي" على الوضع الإنساني. وكلما استمر القتال، كلما كانت النتيجة أسوأ. وفي ظل سعي اليمنيين إلى شراء المواد الغذائية الأساسية، فإن الإمداد المتضائل (والتجار المضاربين) سيجبر الأسعار على الارتفاع طالما استمر القتال.
 
ومع ذلك يرى التحالف- ولا سيما الإمارات العربية المتحدة- أن حملة الحديدة هي أفضل طريقة للخروج من مأزق الحرب اليمنية. وقد صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش للصحافيين، في 18 يونيو/ حزيران قائلاً: "إن هدفنا الاستراتيجي هو إنهاء الحرب في اليمن، وهذا أمر لا يمكن فعله في الوقت الذي يسيطر فيه الحوثيون على الحديدة". وأضاف أن هذه الحملة العسكرية صُممت لمساعدة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، في إقناع الحوثيين بـ"الانسحاب دون قيد أو شرط" من الحديدة. وكان غريفيث قد وصل إلى صنعاء في 16 يونيو/ حزيران على أمل التفاوض على حل توافقي بشأن الميناء.
 
أربعة سيناريوهات محتملة لمعركة الحديدة
 
السيناريو الاول وهو الافضل للوضع: حل سياسي
 
في حين أن الأمل في التوصل إلى اتفاق تفاوضي لمنع معركة السيطرة على الميناء والمدينة لا يزال ضعيفا للغاية، يواصل غريفيث الضغط على الحوثيين لتسليم الميناء أو على الأقل الموافقة على تقاسم السيطرة عليه، وإقناع التحالف لاختيار اتفاق تسوية بخصوص الميناء على الحل العسكري.
 
في 19 يونيو/ حزيران، غادر غريفيث صنعاء بعد عدة أيام من الاجتماعات مع الحوثيين، وسيحاول الآن التوسط في اتفاق مع التحالف. لكن الحوثيين على استعداد للتنازل فقط إلى مشاركة الأمم المتحدة في إدارة الميناء والانسحاب الجزئي من مدينة الحديدة. فيما أن التحالف، وتماهياً مع تصريحات قرقاش، يطالب بتسليم كامل للميناء في نهاية المطاف إلى حكومة هادي، وانسحاب كامل للحوثيين.
 
وقد تذبذبت استجابة الحوثيين من الإشارة باستعداد واضح للتفاوض إلى إصدار البيانات الحربية (شديدة اللهجة) عن قدرة قواتهم على الاحتفاظ بالميناء.
 
النتيجة:
    عسـكرياً:
 
  أي صفقة ستنظر في نهاية المطاف إلى انسحاب الحوثيين من كلٍ من ميناء ومدينة الحديدة، وربما، قد يشمل ذلك ميناء الصليف إلى جهة الشمال، فمن المتحمل أن يتم الاتفاق على أخذ الحوثيين أسلحتهم الثقيلة معهم. وستكون هذه ضربة رمزية لكنها ستترك الحوثيين في وضع يمكنهم من إعادة نشر القوات على خطوط المواجهة الأخرى (الأمر الذي قد يكون مثبطا تماما للتحالف لأن يقبل بمثل هذه الصفقة). وبذلك سيُترك التحالف مسيطرا على جزء كبير من ساحل البحر الأحمر، ويمكن للمقاتلين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة أن يتحركوا باتجاه الشمال للإلتحام بالقوات اليمنية في مدينة ميدي الساحلية، القريبة من الحدود السعودية.
 
    سياسيا:
    - إن الحل الوسط هو النتيجة المفضلة ويمكن أن يساعد في بناء الزخم نحو عملية سلام. وإذا ما تصرفت جميع الأطراف بحسن نية، فبإمكانهم حينها بناء ثقة من النوع اللازم للتحرك نحو تسوية تفاوضية.
 
    انسانياً واقتصادياً:
   - سيكون بالإمكان تفادي المزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية، وفي حال تم إقناع التحالف للقبول بالصفقة، فإن حجم السلع التي تدخل البلاد سيزداد بشكل كبير، وربما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وجعل السلع الأساسية ميسورة التكلفة.
 
السيناريو الثاني: خطة التحالف: انتصار سريع وآمن
 
في الفترة التي سبقت هجوم الحديدة، زعم التحالف أن العملية ستكون سريعة ونظيفة. وقال العديد من المطلعين على استراتيجية الإمارات العربية المتحدة، إن القيادة الإماراتية قدرت أن العملية ستستغرق حوالي ستة أسابيع منذ البدء الرسمي للعملية، التي بدأت يوم 12 يونيو.
 
 وخلال محادثات مع نظراء أجانب، يقدم مسؤولو الإمارات العربية المتحدة- الذين خططوا ويشرفون على العملية-  تقديرات واسعة ما بين حوالي خمسة إلى ثمانية أسابيع لإكمال العملية.
 
وبعد تأكيد سيطرتها الكاملة على المطار، فإن القوات المناهضة للحوثيين ستستمر بالتوجه شمالاً على طول الساحل، لتنتقل بعدها إلى الطريق السريع على طول الطرف الغربي للمدينة لتقطع مرافق الميناء الرئيسي عن  المركز المدني للمدينة (قد يقطعون الطريق باستخدام القوة الجوية إذا تطلب الامر).
 
 وقد توجهت الوحدة الثانية بالفعل باتجاه الشمال الشرقي، بهدف قطع الطريق الرئيسي الذي يربط الحديدة مع الطريق السريع الداخلي والطريق الرئيسي المؤدي إلى صنعاء. وقد اندلع القتال أيضا حول تقاطع حيوي على الطريق السريع.
 
 ومع استمرار القوات في تطويق المدينة، تخطط القوات الإماراتية لشن هجوماً على الميناء نفسه، من المتوقع أن يكون برياً وبحرياً متزامنا.
 
وبمجرد أن تمتلك قوات المقاومة الوطنية الميناء، فإنها تخطط للانتقال إلى المدينة. وبحسب مصادر مطلعة ضمن التخطيط الحالي، فإن المسؤولين الإماراتيين يعتقدون أن الهجوم سيزيد من خلال حدوث تمرد محلي ضد الحوثيين الذين يقول المسؤولون الاماراتيون إنهم سيستسلمون أو يهزمون مباشرة.
ولا يعتمد الجدول الزمني لدولة الإمارات بالضرورة على التحرير الكامل لمدينة الحديدة، بل على الاستيلاء على الميناء واعادته إلى النشاط الطبيعي.
 
النتائج:
    عسكرياً:
 
 إن تحقيق النصر السريع سوف يلحق ضربة معنوية بالمقاتلين الحوثيين، في حين سيعزز من قوة خصومهم بشكل كبير- ومن المرجح أن يؤدي إلى إعادة انعاش الجهود على جبهات أخرى، بما في ذلك في نهم (شمال شرق صنعاء) وتعز.
 
وإذا تم ضرب الحوثيين بهذه السرعة، فإن صورة القوة العسكرية التي يزعمونها، يمكن أن تتضرر. كما أنه من غير المحتمل أن يؤدي فقدان الحديدة إلى استسلام الحوثيين. حيث هددت الجماعة بالانتقام الذي قد يشمل موجة جديدة من هجمات الصواريخ الباليستية، وحتى التوغل العسكري في مدينة نجران في جنوب المملكة العربية السعودية.
 
    سياسياً:
  بعد شهر من القتال الدامي، من غير المرجح أن تختار الأطراف العودة إلى المفاوضات السياسية. كما أن للحديدة قيمة رمزية. حيث في عام 1934، استولت المملكة العربية السعودية، التي تأسست حديثًا، على المدينة من الإمامة الزيدية آنذاك في اليمن، مما أجبر الإمام على التفاوض لأجل السلام والتخلي عن ادعائه بمقاطعتي نجران وعسير.
 
    إنسانياً:
   بغض النظر عن الحل السياسي، فإن نتيجة هذا السيناريو ستكون أقل كلفة سيئة بالنسبة للوضع الإنساني. غير انه يمكن أن يكون لانقطاع إمدادات السلع الأساسية في الميناء والمدينة لمدة شهر، عواقب كبيرة بالنسبة لجزء كبير من سكان اليمن الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر الميناء، وبشكل خاص إذا لم تكن المياه النظيفة متوفرة. وقد يؤدي تفشي وباء الكوليرا في المدينة بسرعة إلى انتشار الوباء، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني.
 
السيناريو الأكثر احتمالا: عدة أشهر من القتال
 
تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بثقة كبيرة في قدرتها على السيطرة على الميناء في إطار الجدول الزمني المقدر لها، ومع ذلك فقد كان التحالف معروفًا في الماضي بالثقة المفرطة في السرعة التي يستطيع من خلالها تحقيق أهدافه. حيث في بداية الحرب توقعت المملكة العربية السعودية تحقيق نصر خلال أسابيع، مستشهدة بالمقاومة الداخلية ضد الحوثيين والتفوق الجوي الساحق.
 
وجنبا إلى جنب مع الموالين لصالح، سيطر الحوثيون على عدن لأربعة أشهر في عام 2015، قبل أن يتم طردهم من قبل حملة منسقة من الإمارات العربية المتحدة. وغالبا ما يشار إلى ذلك كحالة سابقة للحديدة (النقطة المقابلة لتلك الحجة هو أن القوات اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة المتقدمة لحملة البحر الأحمر، تعتبر أكثر خبرة وأفضل تدريبًا وإعدادًا من تلك السابقة في عام 2015). حيث واجه تحالف الحوثي- صالح مقاومة داخلية من النوع الذي لم يشاهد حتى الأن في ميناء البحر الأحمر،  ولم يسيطر بشكل كامل على المدينة أو الميناء. وفي حين أن هناك سخطاً كبيرًا تجاه الحوثيين في الحديدة، إلا أنهم (الحوثيون) يتمتعون أيضًا بسمعة جيدة في انشاء بنية أمنية قوية ووحشية في المناطق التي يحتلونها.
 
 ويتساءل بعض المراقبين، طالما كانت هناك قوة كبيرة مناهضة للحوثي، فلماذا لم يخسر الحوثي الحديدة لصالح المقاومة الداخلية في ديسمبر 2017، عندما دعا صالح لانتفاضة ضد الحوثيين؟
 
كما أن الحوثيين كانوا مدركين لخطط حملة عسكرية للسيطرة على المدينة منذ أواخر عام 2016، على الأقل،  ومن المرجح أن يكونوا قد استفادوا من خبرة المستشارين الإيرانيين وحزب الله، الذين لديهم خبرة قتالية أكبر في المناطق المكتظة بالمباني.
 
وإذا لم تحدث الانتفاضة (الداخلية)، كما هو متوقع، فمن المحتمل أن تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بتعديل جدولها الزمني. حيث من المرجح أن يكون قتال الشوارع للمدينة من الخارج فوضويًا وطويلًا.
 
هذا قبل الاخذ بعين الاعتبار مواقع الحوثيين في البلدات والمدن، بالقرب من الحديدة، ووجودهم في المناطق الزراعية والتلال الصخرية والجبال، في محمية برع الطبيعية، التي تبدأ على بعد حوالي 25 ميلاً خارج المدينة.
 
ومع ذلك، قد يتمكن التحالف من قطع خطوط الإمداد الرئيسية داخل وخارج المدينة، وإخلال وفرز صفوف الحوثيين بمرور الوقت، مما يضرب حصارًا فعليًا للمدينة. كما يمكن للحوثيين بدورهم استهداف السفن البحرية والتجارية حول الميناء. حيث من المرجح أن تضغط الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية على الحوثيين والتحالف للسماح بدخول الغذاء والماء والوقود إلى المدينة، خلال تلك الفترة، مما يمد شريان الحياة للمدنيين المحاصرين وسط اطلاق النار، وللحوثيين أنفسهم.
 
النتائج:
    عسكرياً:
 إذا لم يكن الحوثيون قادرون على الحصول على الإمدادات مجدداً، فليس من الواضح ما إذا سيكونون قادرين على مواصلة القتال في المدينة لأكثر من بضعة أشهر، حيث من المحتمل أن تتقلص قواتهم ومعنوياتهم إلى حد كبير، عقب تلك الفترة.
 
    سياسياً:
  سيعتمد السياق السياسي على كيفية انتهاء هذا السيناريو- من خلال صفقة سياسية، أو انتصار عسكري صريح. ويمكن للتسوية السياسية أن تساعد في البدء في عملية العودة إلى محادثات السلام، على الرغم من أن الضغينة- والخطابات- من المرجح أن تتصاعد.
 
كما أن من المرجح أن يؤدي النصر العسكري المباشر إلى نتيجة مشابهة للسيناريو الثاني. ومن المرجح أيضاً أن يرى التحالف في انتصاره بالحديدة كمبرر لمطالب أكثر شمولاً فيما يتعلق بأي تسوية سياسية.
 
   انسانياً:
   إن أي معركة تستمر ثلاثة أشهر من أجل الحديدة سيكون لها تأثيرا ضارا للغاية على الوضع الإنساني، سواء داخل المدينة، أم في جميع أنحاء اليمن، خاصة إذا كان الحوثيون يمنعون السفن من دخول الميناء أو يمنع القتال الشاحنات من دخول أو مغادرة الميناء لأخذ البضائع.
 
من المرجح أن تركز الأمم المتحدة على ضمان أن تعبر المعونات الحدود الأمامية، وأن تضغط على الحوثيين والتحالف للسماح بتشغيل الموانئ.
ومع ذلك، من المحتمل ألا تخاطر كبرى شركات الشحن بإرسال البضائع إلى الميناء أثناء القتال (في عدن، على سبيل المثال، تضاءل نشاط الشحن حتى عندما كانت قوات مناهضة للحوثي تسيطر بشكل كامل على الميناء). ومن المرجح أن تؤدي معركة تدوم ثلاثة أشهر إلى خسائر كبيرة في الأرواح، وتترك المدينة وهياكلها الأساسية في حالة يرثى لها. كما أن احتمال تفشي وباء الكوليرا قد يزداد بشكل كبير.
 
السيناريو الاسوأ: معركة مطولة ومدمرة
 
التوافق الواسع بين المحللين هو أن الحوثيين لن يتمكنوا في النهاية من الاحتفاظ بالميناء أو الحفاظ على خطوط الإمداد من شبكة الطرق إلى المدينة. ومع ذلك، إذا تمكن الحوثيون من الإبقاء على قبضة خانقة حول الميناء، أو الإبقاء على خطوط الإمداد البري مفتوحة، فهنالك فرصة لأن يتمكنوا من تحمل ضغط التحالف لفترة طويلة من الزمن. حيث من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى شهور من الكر والفر، قبل أن يتحول الى نفس النماذج الراكدة التي تشهدها البلاد، حيث لن يؤدي إلا إلى تعقيد مهمة إيجاد حل سياسي للصراع.
 
ومن شأن القتال المطول أن يستلزم نشر القوات اليمنية في المدينة سيرا على الأقدام وفي المركبات المدرعة، مما يزيد من احتمال تضرر البنية التحتية والخسائر في صفوف المدنيين. أما وضع الميناء فيعتمد على من يسيطر عليه- الحوثيين أو التحالف.
 
النتيجة:
    عسكرياً:
       
من المرجح أن تستقر معركة طويلة الأمد بشكل مشابه لنماذج من النوع الذي تشهده تعز. حيث تتولى القوى المعارضة السيطرة على مواقع محددة وتحاول كسب مكاسب هامشية بمرور الوقت، في حين يكافح العاملون في المجال الإنساني للحفاظ على إمكانية الوصول للمناطق المتضررة.
 
     سياسياً:
    إن معركة طويلة لأجل المدينة من شأنها أن تقلل من احتمالات التقدم على المسار السياسي. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الحديدة ستصبح ببساطة نقطة أخرى يمكن التفاوض عليها كجزء من تسوية سياسية أوسع.
 
    إنسانياً:
 
   في غضون ستة أشهر، ما سيزيد فقط هو احتمال المجاعة والوباء وتدمير البنية التحتية، كما ستعمل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية على ضمان وصول المساعدات الإنسانية في حالة اندلاع معركة طويلة الأمد. غير أن الوضع الإنساني يمكن أن يستقر إلى حد ما في حال تم تحييد الميناء عن الصراع.
 
الاستنتاجات

يبدوا أن النتيجة الأكثر ترجيحاً تشابه السيناريو الثالث- معركة لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، تنتهي على نحو متفائل بتدخل خارجي لمنع المزيد من التكاليف الإنسانية. ويمكن لعدة عوامل، من الصعب تخمين تداعياتها، تغيير ذلك. ولكن الولايات المتحدة التي رفضت حتى الآن المشاركة في الحملة، على الرغم من طلبات الإمارات للحصول على المساعدة، يمكن أن تختار المشاركة بشكل مباشر أكثر، على سبيل المثال، من خلال توفير كاسحات ألغام لمساعدة القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في دخول الميناء، اضافة الى الرمي بثقلها السياسي وراء الحملة.
 
ولكن إذا تدهورت الحالة الإنسانية بسرعة- وباء الكوليرا، على سبيل المثال- أو قتل عدد كبير من المدنيين في تبادل إطلاق النار، فإن الرأي العام في الولايات المتحدة قد يتحول بسرعة ضد الحملة، مما سيؤدي إلى الضغط على التحالف من قبل واشنطن لإنهاء المعركة، والتفاوض على صفقة تسوية مع الحوثيين، ولا سيما إذا تنامت ضغوط الكونجرس.
 
ثم هناك احتمال لحدث "البجعة السوداء" غير متوقع، يمكن أن يغير من طبيعة الصراع. حيث يمكن أن يشمل ذلك الحدث؛ حصول اختراقات على جبهات أخرى (نهم أو تعز، على سبيل المثال)، والمزيد من الاقتتال الداخلي بين حلفاء التحالف اليمنيين، أو ضربة ناجحة لصاروخ باليستي حوثي على هدف مدني داخل المملكة العربية السعودية.
 
أخيراً، لن تكون نهاية المعركة سوى البداية لأسئلة حول الحديدة. حيث قال التحالف إنه والحكومة اليمنية سيتمكنان من تشغيل الميناء بفعالية أكبر من الحوثيين. كما يأمل مسؤولو التحالف أن تكون النتيجة في الحديدة أقرب إلى النتائج في المكلا ومأرب- حيث تحسن الوضع الاداري وتقديم الخدمات، منذ طرد القوى المتنافسة (القاعدة من المكلا، والحوثيين من مأرب)- وذلك مقارنة مع التجربة نفسها في عدن، حيث أصبح الاقتتال الداخلي عائقاً أمام الإدارة المحلية الفعالة.
 
إذا استمر القتال على طول طريق الحديدة - صنعاء، فإنه من غير الواضح كيف سيتم تسليم السلع الأساسية من الميناء إلى المراكز السكانية الرئيسية في البلاد.
 
في نهاية المطاف، من المرجح أن تؤدي معركة الحديدة إلى ترك الحوثيين في وضع ضعيف عسكريًا، والتحالف كصاحب اليد الطولى في المفاوضات، كما تعتقد الإمارات. لكن هذه الميزة ستأتي بكلفة كبيرة، ويمكن أن تؤدي إلى تعميق المأزق السياسي، تاركةً اليمن أكثر فقراً وجوعاً، وفي حالة حرب مستمرة.
 

 - للوصول إلى المادة الأصلية من هنا 
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر