ضريبة الحرب تدفعها الزراعة والغذاء في اليمن

[ اليمن – ضريبة الحرب تدفعها الزراعة والغذاء ]

بات اليمني الثلاثيني ضيف الله صالح عاطلا عن العمل بعد أن أنهت الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات المزرعتين اللتين كان يقوت بها أهله. حال ضيف هو حال نصف سكان البلاد الذين فقدوا الأمن الغذائي وعددهم نحو سبعة عشر مليون.

هو واحد من عدد هائل من المتضررين بنسب متفاوتة، من الآثار الكارثية للحرب على القطاع الزراعي، الذي يعمل فيه نحو نصف سكان البلاد وتفاقمت بانعدام الأمن الغذائي، الذي يعاني منه ما يقدر بـ17 مليون من اليمنيين.

تتألف أسرة صالح من أربعة أطفاله وزوجته، ويقول في حوار مع DW  عربية إنه ورث مهنته كمزارع عن أبيه وأجداده، لكنه وقبل تصاعد الحرب في الشهور الأولى لعام 2015، كان قد استلف ما يقرب من نصف مليون ريال يمني لشراء بذور البطاطا لمزرعتيه في منطقة "يريم"، بمحافظة إب، لتأتي الحرب ومعها أزمة المشتقات النفطية (ارتفعت أسعارها وانعدمت بشكل كبر من الأسواق في الشهور الأولى للحرب على نحو خاص)، وهو ما أدى إلى تلف المحاصيل.

وتحت ضغط الديون التي تلاحقه، وكان من المقرر أن يسددها بمجرد حصد الثمار، هجر ضيف الله مزرعتيه، ولم يكن هناك من مهنة، يمكن العمل بها لتوفير دخل أسرته، سوى أن يحمل السلاح ويذهب إلى جبهات القتال، وهي المهنة الوحيدة التي توفرها الحرب، خصوصاً بالنسبة لمزارع لم يعمل في السابق سوى في الزراعة.

أضرار متفاوتة

تتفاوت الأضرار التي تركتها الأزمة على المزارعين بشكل مباشر ومصائرهم، ففي مقابل حال ضيف الله، اضطر عنتر المجاهد البالغ من العمر 75 عاماً إلى بيع مزرعته، التي كان آخرون يشاركونه في ملكيتها وتزرع "العنّب"، بمحافظة ذمار، خلال العام 2017، بعد أن عجز عن ريّها بسبب ارتفاع أسعار المشتقات.

بالنسبة لمجاهد، لم تكن المزرعة مصدر دخلٍ لأسرته المكونة من أربعة أبناء ولإحفاده فحسب؛ بل كانت أيضاً كما يروي لـDW عشقاً ينظر إليها كما لو أنها أحد أبنائه، لكنه أخذ نصف مبلغ قيمة الأرض التي باعها، لينفقه على إنشاء محل تجاري لبيع الهواتف المحمولة.

أسعار المشتقات والبذور

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، يستورد اليمن أكثر من 90 بالمائة من الحاجات الأساسية للإنتاج، ويعاني أكثر من 17 مليون يمني يمثلون ما يقرب من ثلثي السكان، انعداماً حاداً للأمن الغذائي، مع تجريف الحرب لسبل العيش والتغذية.

 وبينما يعتمد جزء أساسي من الزراعة على الري، عد أزمة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وانعدامها، أبرز ما قصم ظهر المزارعين، حيث يقول عنتر المجاهد إنه كان لـ"إيصال المياه من البئر الارتوازية إلى المزرعة كنتُ في الساعة الواحدة أحتاج أكثر من 40 لتراً من الديزل لكن دون فائدة، خصوصاً مع انعدام المياه"، ووصل سعر 20 لتراً من الديزل إلى أكثر من ثمانية آلاف ريال (أكثر من ضعف السعر قبل الحرب).

ويفيد مدير الإرشاد الزراعي في مكتب الزراعة بمحافظة ذمار، فؤاد الكواري، لـDW عربية "التأثيرات التي ترتكها الأزمة الحالية على القطاع الزراعي كبيرة جداً، سواء كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة"، بعضها لحقت بمنشآت الزراعية مثل مشتل البن والمجمع الزراعي في مدينة "الشرق"، وأخرى أثرت على المزارعين من خلال انعدام وارتفاع أسعار المشتقات النفطية والمدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة وعدم توفرها.

ويُقدر الكواري، نسبة الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي في محافظته (ذمار)، التي تعد من أهم أبرز المحافظات الزراعية في اليمن، بنحو 80% بالإضافة إلى عزوف العديد من المزارعين عن الزراعة وتوقف تصدير المنتجات الزراعية، وما خلفه ذلك، من تأثيرات على الأمن الغذائي في البلاد، من ناحية ارتفاع أسعار السلع الغذائية وعدم توفرها بصورة منتظمة وبالذات "في جانب الحبوب والخضار والفاكهة وحتى اللحوم والأسماك، ناهيك عن عدم قدرة المستهلك عن الشراء نتيجة ضعف القدرة الشرائية، وعدم توفر السيولة النقدية وارتفاع سعر الصرف للعملات الأجنبية".

مبادرات داعمة

وفي ظل الأزمة الكبيرة التي تواجه المزارعين، تنطلق دعوات للمنظمات الدولية الإنسانية بأهمية لعب دور أكبر، من شأنه إنقاذ القطاع الزراعي في البلاد، على الرغم من الجهود المبذولة حالياً، على غرار مبادرة البنك الدولي والفاو المشتركة في أكتوبر/تشرين الأول2017، حيث أطلقا برنامجاً بقيمة 36 مليون دولار، يهدف إلى تقديم مساعدات فورية لما يزيد عن 630 ألف شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، وبهدف تعزيز "الصمود الزراعي"، وجاء المشروع تحت عنوان "إعادة تأهيل المزارعين الصغار وتعزيز الإنتاج الزراعي".

ويرى المسؤول في وزارة الزراعة اليمنية، المهندس عزيز عمران في تصريح لـDW عربية أن جانباً من المساعدات التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة، يجب أن تذهب إلى القطاع الزراعي، الذي يجعل من المواطن منتجاً وليس معتمداً على المساعدات فحسب، كما يحصل اليوم.

ويضيف المتحدث أن الدور الذي يمكن أن تلعبه "في دعم المزارع والعملية الزراعية في جانب الأمن الغذائي من خلال دعم المزارعين بالأنواع المختلفة للبذور والأسمدة وتوفير المدخلات الزراعية المختلفة، كوسيلة للتخفيف من عاتق المزارع، وكذلك دعم المزارعين ببرامج الثروة الحيوانية، وعمل برامج مختلفة، مثل برنامج النقد مقابل العمل في مجال الزراعة".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر