شبوة: قوات النخبة الإماراتية.. من النشأة إلى الانتشار (ملف خاص)

 
أثارت المداهمات التي قامت بها ما تسمى بقوات النخبة الشبوانية حفيظة شريحة كبيرة من أبناء شبوة، خاصة بعد قيامها باختطاف شخص مع نساء من عائلته في أول عملية مداهمة قامت بها في الخامس من اغسطس/آب الجاري، وذلك عقب وصولها بيوم واحد الى ضواحي مدينة عتق، مركز محافظة شبوة.

ومنذ اليوم الأول لوصولها إلى المحافظة، أثارت هذه القوات-التي أعدتها وجهزتها دولة الإمارات، المشاركة ضمن دول التحالف العربي في الحرب اليمنية بقيادة المملكة السعودية - العديد من التساؤلات، بشأن طبيعتها وتبعيتها والدور المناط بها؟

وفي هذا التقرير، يحاول "يمن شباب نت" البحث عن إجابات لأهم تلك التساؤلات، في ضوء حرص دولة الإمارات على تبني تشكيلات عسكرية مشابهة، سبق وأن شكلتها في محافظات جنوبية أخرى طوال العامين الماضيين، على رأسها: عدن ولحج وحضرموت والمهرة وجزيرة سوقطرى. 

النشأة والظهور
 بحسب مصادر قبلية خاصة، تحدثت مع "يمن شباب نت" شريطة السرية، تعود أول محاولات قامت بها دولة لأمارات لتشكيل هذه القوات في محافظة شبوة، إلى بداية شهر يوليو/تموز من العام الماضي، حيث وصلت شخصيات اجتماعية من ابناء شبوة تحمل الجنسية الاماراتية او تعمل في دولة الامارات، لغرض تسجيل شباب لاستيعابهم ضمن قوات عسكرية تديرها الامارات وتسمى بالنخبة كمثيلاتها في حضرموت.

 وطبقا للمصادر، تم تقسيم المحافظة بحسب التقسيمات القبلية، ليتم على ضوء ذلك إرسال الرسل إلى كل قبيلة من الشخصيات الاجتماعية من أبنائها المتواجدون في الامارات، وذلك لرفع كشوفات بأسماء الشباب الراغبين في الانخراط ضمن قوات النخبة.

وكان واضحا للجميع، منذ البداية، أن هذه القوات ستشكل تحت إشراف وإدارة القوات المسلحة الإماراتية، حيث ستحظى باهتمام وعناية فائقة، بما في ذلك مميزات كبيرة ومثيرة للاهتمام، بعيدا عن التنسيق مع السلطات المحلية في المحافظة.

حضرموت تحتضن الترتيبات الأولية
وكشفت المصادر، أن الإماراتيون عقدوا، في الـ16 من اغسطس/آب الماضي (2016)، لقاء مع عدد من وجهاء منطقة "الواحدي" بشبوة، وذلك بمطار الريان بالمكلا-عاصمة حضرموت، حيث التقى بهم عميد إماراتي، تحدث معهم عن اهمية منطقة "الواحدي"، وما تزخر به من ثروات نفطية، لكنها تذهب لغير أهلها، وانه يجب ان تعود لصالح ابناء قبائل الواحدي.

وفي هذا اللقاء، أبلغهم العميد الإماراتي عن نيتهم للنزول إلى شبوة بشكل عام، وأن المرحلة الاولى ستشمل النزول إلى مناطق الواحدي، وبالتحديد: بلحاف وعزان وجردان، من خلال نشر عناصر امنية من منطقة الواحدي بعد إعدادهم وتلقيهم تدريبات مكثفة لهذا الغرض.

وفي الـ19 من الشهر نفسه، عقد الاماراتيون لقاءا آخر، جمع عدد من وجهاء وشخصيات قبائل "بني هلال"-محافظة شبوة، وعقد أيضا في مطار الريان، وحضره هذه المرة، وزير الدفاع اليمني الأسبق، هيثم قاسم طاهر، الذي يقود حاليا مجاميع قتالية في الساحل الغربي اليمني، غرب محافظة تعز، تحت إشراف الإمارات.

وفي اللقاء أيضا، أعرب أحد الضباط الاماراتيين عن نيتهم النزول الى محافظة شبوة، مطالبا مشائخ قبائل "بني هلال"، التعاون معهم في حال نزول القوات الى شبوة، الامر الذي قوبل منهم بالترحيب.

خارطة القبائل التي تشكلت منها القوات
باشر المسئولون عن استقطاب المقاتلين وتسجيلهم، بالنزول الى المناطق والمديريات المحددة ضمن الخطة. حيث تم الإعلان عن الرغبة في انشاء معسكر خاص لأبناء قبائل "بلعبيد"، والتي تتوزع في ثلاث مديريات من المحافظة، هي: عرماء، والطلح، ودهر.

كما تقرر أيضا تشكيل لواء خاص بأبناء قبائل "الواحدي"، والتي تتوزع في أربع مديريات، هي: ميفعة، وحبان، والروضة، ورضوم.

أما اللواء الثالث فخصص لأبناء قبائل "بني هلال"، والتي تتوزع في ثلاث مديريات، هي: جردان، وعتق، ومرخة السفلى.

 وبحسب المصادر، أيضا، فقد تم استبعاد قبائل "العوالق"، على الرغم أنها تشكل الثقل الأكبر، تقريبا، في محافظة شبوة، والتي تتوزع في مديريات: الصعيد، ونصاب، ومنطقة خورة بمديرية مرخة السفلى.

 وقد أدى ذلك، الى استياء قبائل العوالق، التي منها الشيخ صالح فريد العولقي، عضو المجلس الانتقالي، واحد الشخصيات صاحبة العلاقات الوطيدة مع الامارات.

وأفادت مصادر قبلية أخرى، أن أعداد قليلة من أبناء قبائل "بلحارث"، تم ضمها إلى هذه القوات، في حين تم استثناء قبائل "المصعبين" أيضا، إلى جانب "العوالق".
 



آلية التشكيل ومعسكرات التدريب
وأكدت مصادر متطابقة لـ"يمن شباب نت"، إن عمليات الاستقطاب وتسجيل المجندين من تلك المناطق والمديريات المذكورة، تولتها ميدانيا -في الغالب -شخصيات اجتماعية ونشطاء معروفون ضمن ما يسمى بالحراك الجنوبي، إلى جانب قيادات تتبع حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يقوده الرئيس المخلوع علي صالح.

وبحسب المعلومات، كانت الشخصيات الرئيسية الوسيطة بين الإماراتيين والقبائل (نحتفظ ببعض الأسماء)، تقوم بتوزيع مبالغ مالية كبيرة للأشخاص المسؤلين عن تسجيل وإرسال المقاتلين الى معسكرات التدريب.

 وتعددت الروايات بشأن معسكرات التدريب التي تم فيها تدريب قوات النخبة الشبوانية. إلا أن معظم المصادر أكدت أن معسكر "الخالدية"، بمنطقة رماه بمحافظة حضرموت، يعد من أبرز المعسكرات التي تلقت فيها تلك القوات تدريباتها. يأتي بعده معسكر "القيعان"- بالقرب من ثمود - بمحافظة حضرموت أيضا، وهناك معسكر ثالث في "غيل بن يمين"، والذي يخضع لحراسة مشدد من قبل قوات النخبة الحضرمية. 

وتفيد المصادر أن مدة التدريبات التي تلقتها تلك القوات استغرقت قرابة سنة، وربما أقل بقليل، وكان المتدربون خلالها يعطون إجازة مدتها عشرة أيام في الشهر، على الأغلب.

الدفعة الأولى تصل 
في الأول من شهر أغسطس/آب الجاري، وصلت اول دفعة من قوات ما تُسمى بـ"النخبة الشبوانية"، إلى محافظة شبوة.  

وحينها، قال مصدر محلي لــ"يمن شباب نت"، إن تلك القوات كانت تتبع قبائل "بلعبيد"، ووصلت في وقت متأخر من الليل إلى محطة بن عبدالرحيم بمديرية "دهر"، شمال شرق محافظة شبوة، وسط تحليق مكثف لطائرات تابعة للتحالف العربي. حيث كانت هذه القوات مجهزة بمدرعات وأطقم عسكرية وعتاد متطور.

 وبعدها بيومين فقط، وصلت الدفعة الثانية من تلك القوات، إلى مديرية حبان جنوب شرق محافظة شبوة شرق اليمن. وأكدت مصادر "يمن شباب نت"، في ذلك الحين، أن تلك الدفعة تتبع قبائل "بني هلال" بالمحافظة.
 
لماذا دربت الإمارات هذه القوات؟
وتباينات المعلومات والتصريحات بشأن الدور الحقيقي لهذه القوات، التي دربتها وتديرها الإمارات العربية المتحدة في اليمن. 

ففي حين كان المصدر القبلي الذي تحدث لـ"يمن شباب نت"، عقب وصول الدفعة الأولى، أشار إلى أن "مهمة القوات الشبوانية، حماية خط انبوب النفط الممتد من العقلة-بمديرية عرماء، الى شركة الغاز الطبيعي المسال في منطقة بالحاف- بمديرية رضوم". فإن اللجنة الأمنية بمحافظة شبوة، مع أنها المحت تلميحا إلى مثل هذا الدور، ضمن بيانها الصادر في 4 أغسطس/آب، أي بعد يوم واحد على وصول الدفعة الثانية، من خلال الإشارة إلى انتشار تلك القوات في "مواقع الشركات النفطية بالمحافظة"، إلا أنها ذهبت إلى تأكيد طبيعة دورها الأمني المتمثل بدرجة رئيسية في "تطبيع الاوضاع في المديريات المحررة من شبوة، واستعادة الامن والاستقرار فيها".

يأتي ذلك في حين، تشير بعض الوقائع إلى أن تلك القوات يرجح استخدامها في محاربة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في محافظة شبوة.

[أقرأ: شبوة: مقتل أربعة من قوات النخبة الشبوانية في هجوم مسلح]

  
مخاوف من أهداف الإمارات
 وتعليقا على تشكيل هذه القوات، أبدى المحلل السياسي صالح الجبواني، ترحيبه المبدئي بتجنيد شباب المحافظة، التي ينتمي إليها، في إطار قوات الجيش والامن، إلا أنه أعرب عن مخاوفه من عدة أمور تتعلق بطبيعة تشكيلها وتبعيتها.

 وضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، أبدى الجبواني تحفظه على هذه القوات، من حيث انها "مُشّكًلَة من مناطق محددة"، مستدركا: "والصحيح ان تشكيلها لا يجب ان يكون مناطقي، بل وطني"، معربا عن تخوفه من أن "لون النخبة هذا قد يفجر صراع مناطقي قبلي في المحافظة".

الملاحظة الثانية، في نظر الجبواني، أن قوات النخبة "تأخذ اوامرها من الضباط الاماراتيين، وليس للدولة الشرعية بقيادة الرئيس هادي أي سلطة عليها، وهذه مشكلة اخرى في ظل دور مشبوه تقوم به الامارات في الجنوب". حسب قوله.
 
النخبة قوات نظامية أم مليشيات؟
ضمن بيانها الصادر في 4 أغسطس/آب الجاري، أشارت اللجنة الأمنية بمحافظة شبوة إلى أن قوات النخبة التي أثير حولها الجدل، "تتبع في الاساس قيادة محور عتق".
إلا أن مصدرا عسكريا، تحدث مع "يمن شباب نت" شكك في شرعية تلك القوات، وأعتبرها "مليشيات مسلحة، ولا تتبع القوات العسكرية اليمنية، بل تأتمر بأمر الضباط الاماراتيين، وبعيدا عن أي تنسيق مع قيادة الجيش في شبوة، او المحافظات الأخرى".

 كما لفت المصدر، الذي مع تحدث "يمن شباب نت"، شريطة السرية، إلى أن هذه القوات "شُكلت على أسس قبلية ومناطقية، الأمر الذي يتنافى بالأساس مع قوانين ولوائح تشكيل القوات المسلحة اليمنية".

وأوضح أن هذه القوات عند تحركها باتجاه العاصمة عتق، لم تقم بالتنسيق مع الاجهزة الامنية بالمحافظة، وكانت تصل معلومات تحركاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأعتبر التأكيد الوارد ضمن بيان اللجنة الأمنية بالمحافظة بأن هذه القوات تتبع محور عتق، ليس أكثر من "مجرد تصريحات اعلامية لا غير"، مضيفا: "وكان اول اختلاف مع القوات النظامية على محاولة قوات النخبة السيطرة على تأمين شركة OMV النمساوية بمنطقة العقلة التي قوبل بالرفض من قبل الكتيبة المكلفة بالحماية والتابعة للواء21 ميكا التابع لمحور عتق.

 وفي السياق، أيضا، كشف المصدر أن ما تقوم به النخبة من اقتحامات ومداهمات وسط المدينة، يتم "دون علم الجهات الامنية أو السلطات المحلية"، مضيفا: "وهذا ما يؤكد على أنها مليشيات ليس الا، من خلال ما تمارسه من أعمال".

وكان المصدر، فيما سبق، يشير إلى ما قامت به قوات النخبة الشبوانية في السادس من أغسطس/آب الجاري، من عملية مداهمة واختطاف المواطن "ناصر بن شرن العولقي" وابن شقيقة "مختار"، إلى جانب خمس نساء وطفل كانوا جميعهم على متن السيارة التي تقله بينما كانوا متجهين إلى عاصمة المحافظة "عتق".

وأفادت المصادر حينها أن طائرة مروحية، تتبع الإمارات، وصلت وأقلت المختطفين إلى جهة مجهولة. ولم تعرف حتى الأن أية معلومات عنهم. وهي العملية التي أثارت استهجانا واسعا لدى أبناء شبوة، ذات الأعراف القبلية الراسخة- بشكل خاص، ولدى اليمنيين عموما.
 
العلاقة بتحرير شبوة من الميليشيات
 ولعل من المهم الإشارة إلى أن هذا كله يأتي، في وقت ما تزال فيه محافظة شبوة تخوض معارك شرسة ضد الميليشيات الانقلابية التابعة للمتمردين الحوثيين والمخلوع صالح، في مديريتي بيحان وعسيلان، الواقعتين على حدود المحافظة الغربية.

وفي الوقت الذي كان أبناء تلك المديريات ينتظرون بفارغ الصبر أن تصلهم تلك القوات التي ذهبت لتلقي التدريبات قبل عام، إلا أنهم بدلا من ذلك تلقوا الصدمة إذ تأكد للجميع أن لا علاقة لقوات النخبة الشبوانية بتلك المواجهات، لا من قريب أو من بعيد.

ولفت المصدر العسكري، الذي اشترط السرية، الى أن تسليح تلك القوات هو "تسليح قوات بوليسية وامنية ليس الا. حيث أن الاسلحة التي صرفت لهم لا تزيد عن الدوشكا عيار 12.7، وهو ما يتم تسليح القوات الامنية به، أو ما يسمى الشرطة البوليسية، والتي يقتصر عملها على الجوانب الامنية داخل المدن"، مشيرا إلى أن هذا "يؤكد عدم نية القائمين على هذه القوات التوجه الى بيحان لمقاتلة المليشيات الانقلابية هناك".

وهو ما يؤكده أيضا، المحلل السياسي صالح الجبواني، قائلا: "لا أظن أن تذهب قوات النخبة الى بيحان، لأن مهمتها هو السيطرة على المنشآت الحيوية كالنفط والغاز والموانئ والمدن الرئيسية، كما تتراءى لنا اهداف الامارات".

هاهي قد وصلت أخيرا..ولكن..!!
إذا، فقد عكست تصرفات ما تسمى بـ"قوات النخبة الشبوانية"، خلال الأسبوع الأول فقط من وصولها محافظة شبوة، كل تلك المخاوف والفظائع التي ارتكبتها وكرستها ما تسمى بـ"قوات الحزام الأمني" في محافظتي عدن ولحج، ومثلها "قوات النخبة الحضرمية"، بمحافظة حضرموت، وجميعها تشكيلات أمنية أنشأتها ودربتها دولة الإمارات العربية المتحدة، لتديرها خارج نطاق مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، في سبيل تحقيق أهداف ومصالح خاصة.   

 واليوم، هاهي محافظة شبوة أيضا، قد وصلتها قوات النخبة الشبوانية، وبدأت بالانتشار في العديد من مديريات المحافظة الغنية بالنفط.

 ولعل ما يزيد السوء أكثر، هنا، أن هذه القوات مُشَكّلَة على أسس قبلية ومناطقية، في الوقت الذي أفادت فيه مصادر أمنية "يمن شباب نت"، أنها تعمل تحت إمرة قيادات عسكرية سابقة، أو موظفين كانوا سابقا في السلك المدني وتحولوا إلى قادة الوية أو كتائب، معظمهم إما ينتمون الى المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس المخلوع،وإما إلى الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، ممن اختارتهم دولة الإمارات ووثقت بهم ليعملوا تحت اشراف مباشر من ضباطها واستخباراتها.
 
شاهد أيضا:
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر