الأخبار
Image Description

عبدالله السامعي

طوفان الأقصى ومأزق إيران

‫كتابنا‬| 9 أكتوبر, 2024 - 2:49 م

 بعد السابع من أكتوبر كانت لدى الولايات المتحدة وإسرائيل قناعة بأن إيران ستكتفي بمساندة حماس إعلاميا فقط بما فيها التهديدات الساذجة بمحو الكيان الصهيوني، بينما كانت إيران ترى أن عملية طوفان الأقصى هزّت الكيان بالفعل وهددت مصيره، وكانت تريد أن تنسب هذه العملية لها فاستخدمت أذرعها للتدخل في المعركة بشكل محدود متوقعة بأن هذا التدخل لن يدفع إسرائيل لأي رد مباشر عليها.

بالنسبة لإسرائيل لم يكن الوضع مناسبا للدخول في معركة وهمية مع إيران لأن هيبتها ما تزال مهدورة، وهي التي كانت ترى نفسها الأقوى في المنطقة، فقررت ردع إيران بقصف قنصليتها في دمشق وفي الوقت نفسه لمعرفة مدى جديتها في المشاركة بالمعركة، لكن الرد الإيراني جاء باهتا لا يرقى إلى مستوى التهديد، وهذا شجّع إسرائيل للتمادي أكثر فقامت باغتيال أكبر الشخصيات بدءاً بالرئيس الإيراني ووزير خارجيته ثم هنية في طهران وصولا إلى قيادات حزب الله بمن فيهم أمينه العام ومعهم الكثير من القيادات الإيرانية.

هذه الاغتيالات كان يفترض أن تدفع إيران لرد أكثر حزما، لكنها ردت مجددا بشكل باهت كان صداه إعلاميا أكبر بكثير من تأثيره في الواقع، ولم تحدث صواريخها أي أضرار قد ترعب إسرائيل، بل أظهرت عدم نيتها في خوض أي معركة -حالياً- حتى وهي ترى أقوى أذرعها في المنطقة يتعرض للاجتثاث من قبل إسرائيل، وهذه الرسالة تحمل تفسيرين، الأول: أن إيران لا تنوي المجازفة وتخشى من الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، والثاني: أن إيران عاجزة بالفعل عن الدخول في حرب مباشرة وأن ردها الأخير هو أقوى ما يمكنها فعله.

مع استبعاد الاحتمال الثاني، فإن إسرائيل ربما تريد حربا مباشرة محدودة مع إيران، على الأقل حتى إبعاد أي تهديدات إيرانية بالقرب منها، ولذلك تواصل اجتثاث حزب الله مع السماح بصعود مليشيا الحوثي التي لا ترى فيها أي خطر عليها، بل على العكس قد تستخدم الحوثي كشماعة للتوسع في المنطقة بذريعة الحد من تهديداته، وهذا يفسّر عدم رغبة إسرائيل في القضاء على الحوثي حالياً وعدم توجيه أي ضربات قد تهدد وجوده.

كلما طالت مدة الحرب توسعت رقعتها، ويبدو أن هذا أحد السيناريوهات التي وضعتها حماس عند إطلاق معركة طوفان الأقصى، حيث يخفف ذلك من الضغط عليها في قطاع غزة ويمكنها من إعادة ترتيب صفوفها ورفع قدرتها على الصمود أكثر وربما رفع سقف مطالبها مقابل صفقة تبادل الأسرى باعتبارها الورقة الرابحة التي ضمنتها في اليوم الأول للمعركة والتي تعزز موقفها في أي مفاوضات قادمة، خاصة وأن حماس منذ تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران أظهرت عدم رغبتها في الجلوس على طاولة المفاوضات إلا بضمانات تجعل الاحتلال يوافق على وقف الحرب والانسحاب من غزة، وفي المقابل تزداد الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو الذي دخل الحرب بهدف القضاء على السنوار ويجد نفسه في نهايتها قد نصّب السنوار رئيسا لحركة حماس خلفا للشهيد إسماعيل هنية.

إيران التي دخلت المعركة بهدف السطو على الانتصار في عملية طوفان الأقصى، ها هي بعد عام تمنح إسرائيل انتصارا لم تستطع تحقيقه في غزة، وشجعتها بمعركتها الوهمية على تصفية قيادة حزب الله، وسمحت لإسرائيل بترويج رواية أنها أفشلت أكبر هجوم صاروخي باليستي في التاريخ كان على وشك حدوثه ضدها، وتقصد بذلك ما يمتلكه حزب الله من ترسانة صاروخية لم يكن أصلاً ينوي استخدامها، حيث بقي زعيم الحزب حسن نصر الله يستخدم سياسة الصبر الاستراتيجي حتى مصرعه وتدمير الكثير من مخازن الصواريخ التي كان يكدسها لمعركة لا تعرف ملامحها سوى إيران.

بعد عام من العدوان الإسرائيلي على غزة، اتضح مدى تماسك حماس في وجه كل محاولات الاختراق الإسرائيلية سواء في بنيتها السياسية والعسكرية أو حتى في منظومة اتصالاتها، وفي المقابل لم يعد الأمر مخفيا بشأن مدى اختراق إسرائيل لإيران عسكريا وسياسيا وهناك الكثير من الأدلة على هذه الاختراقات وليس آخرها اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة طهران بعد حضوره مراسم تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، وعجزها حتى عن تحديد حجم الاختراق الإسرائيلي، والأمر ذاته ينطبق على حزب الله الذي عندما قرر تغيير منظومة اتصالاته لمنع التجسس كانت إسرائيل قد جهزت شحنة المنظومة الجديدة، وما كان يظنه الحزب تحصينا قوياً أصبح أهم ثغرة مكشوفة للعدو، وهذا قد يثير الشك حتى في مصدر قرار تغيير منظومة اتصالات الحزب وليس في صفقة شرائها فحسب، وإذا كانت الاختراقات الإسرائيلية قد وصلت إلى هذا الحد بالنسبة لإيران وحزب الله فإلى أي مدى يمكنها الوصول بالنسبة للحوثي، وما الذي تستطيع إسرائيل فعله في الحوثيين؟!

وعند الحديث عن هذه الحرب فإن أطرافها المباشرة ليست وحدها الفاعلة إقليميا، بل تتأثر بسياسات الدول الكبرى، فالولايات المتحدة -مثلاً- ملتزمة بموقفها في دعم إسرائيل مهما كان الأمر، بينما يظهر التغير في موقف روسيا التي لم يسبق لها قبل طوفان الأقصى اتخاذ مواقف معادية لإسرائيل وحاولت التزام الحياد في البداية بإدانة عملية طوفان الأقصى ثم حاولت أن تكون وسيطا قبل أن تعلن موقفها ضد المجازر الإسرائيلية وتستضيف وفود حماس، ولكن بقي دورها مخفي بشأن تصاعد التوتر في المنطقة والذي يخدمها في تشتيت الانتباه عن حربها مع أوكرانيا وأيضا قد يخفف حجم الدعم الغربي عسكريا لأوكرانيا وتحويل جزء منه لإسرائيل.

تسعى روسيا للحفاظ على علاقاتها الجيدة مع إيران التي تعد شريكا استراتيجيا لها في سوريا، بينما تحافظ في الوقت نفسه على علاقاتها مع إسرائيل وتركز نقدها بشكل أكبر على الموقف الأمريكي من الحرب ومن القضية الفلسطينية ككل، وهذا يعيدنا للتساؤل عن علاقة روسيا بالضربات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، وما إذا كان لموسكو علاقة في إزاحة نظام بشار الأسد عما يحدث أو ربما لمنع المزيد من التضييق الذي قد يخنق إسرائيل أكثر، فالموقف الروسي يمكن وصفه بأنه مع الجميع وضد الجميع في نفس الوقت، وهذا الموقف حتى إذا لم يخدم حماس بشكل مباشر إلا أنه لن يضرها عل الأقل، كما أن النضوج السياسي لحماس جعلها قادرة على الاستفادة من أي مواقف مساندة لها حتى إذا كانت بسيطة، وتستطيع أيضاً الحد من تأثير المواقف المناهضة لها حتى إذا كانت كبيرة، ما يعني أن عملية طوفان الأقصى كانت ترجمة عسكرية لهذه السياسة.

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024