الأخبار
Image Description

نور ناجي

لم تكن مجرد قضية!

‫كتابنا‬| 19 أغسطس, 2024 - 5:14 م

ذكريات مازال الكثير منا يحملها, فما أن تستقيم صفوف الطابور المدرسي حتى تأخذ "فلسطين" مكانها المعتاد، هناك بجوار سارية العلم، رافعة جبينها بعزة في انتظار الإذاعة المدرسية التي تبارت الأصوات فيها لنشر أخبارها، كنا طلاب ربما لا نفقه الكثير من السياسة إلا أن الدروس الحية التي كنا نستقيها من أخبار الأرض المحتلة ورجالها الأبطال جعلتنا نفهم معنى قيمة الأرض وواجب الدفاع عنها!.

لم يتوقف الأمر على ذلك، مازالت الأنشطة تتبارى وهي تظن أنها حملت فلسطين على أكفها اما عبر المسرحيات او معارض الصور والمجسمات التي لم تخلو يوما من مجسم للمسجد الأقصى، حينها لم يكن المصروف المدرسي الذي كان الطالب منا يضعه في صندوق فلسطين – عن طيب خاطر – تبرعا منه، بل تمنى احتسابه نوع من أنواع الجهاد بالمال المفروض على كل مسلم!..

وحين يأتي المساء وتتجمع الأسرة لمشاهدة أخبار التاسعة مساءا كانت فلسطين بحقها في الحياة الخبر الأول الذي ربما ذرفنا لأجله الكثير من الدموع لكننا تعلمنا منه مبكرا أن الاستسلام للاحتلال هو نوع من أنواع الخضوع والذل الذي يصل إلى حد الخيانة للروح الإنسانية "الحرة"..

كانت فلسطين في وجداننا ولازالت القضية الأكثر وضوحا عبر التاريخ، فكل من طرفا الخير والشر كان واضحا لدرجة يصعب فيها اختلاط المفاهيم او تساوي كفتي ميزان فيها، فهناك طرف يدافع عن ارضه المحتلة وطرف آخر مستعمر ويباهي الكون بشره المطلق، حينها لم نكن نشعر بأن الحديث عن فلسطين قد يتحول الى نوع من الدعاية المجانية لكل من أراد دخول السياسة لكن مع الأيام أدركنا بان قضية فلسطين كانت غطاء مناسب اخذ منه حكام تلك الفترة وما قبلها شرعيتهم منها!..

حروب قامت كانت هزيمة أصحابها نذيرا لهم بفقدان عروشهم، وحروب أخرى جعلت من أصاحبها ابطالا -بلا ذنوب- حين يتعلق الامر بالدفاع عن فسطين، وفي اغلب الأحوال كانت قضية فلسطين سبب مباشرا لامتداد اعمار أنظمة هرمة بعد أن أغلقت أبواب الديمقراطية على شعوبها التي اعتبرت تلك المقايضة مناسبة طالما وأن قضية فلسطين ستكون الرابحة وإن بشكل معنوي..

كانت الصورة في اليمن أكثر نضجا بتعددية احزابها والتيارات السياسية المتنوعة فيها والتي اجتمعت غالبية القوى فيها على أن فلسطين هي الواجهة المشرفة لكل من يدافع عنها، وللأسف كان ذلك في الماضي!..

يفقد الإنسان الكثير حين يخسر دولته وتتحكم برقبة رجالات السياسة فيه قوى إقليمية لم تجاهر وحسب بأحقية الصهاينة بأرض فلسطين بل جرمت الحديث عن القضية الفلسطينية واعتقلت من يبدي تعاطفه تجاهها، لتغدو قضية فلسطين من المحرمات الموجبة للنفي او الإعدام في أحيان كثيرة!..

لم يكن هذا التحول نتاج صدفة بل جاء تدريجيا وعلى مراحل عدة، كان أكثرها وضوحا تلك الفترة التي تلت انقشاع غبار ثورات الربيع العربي، الثورات التي تم التآمر عليها وانقسمت المالات فيها, بين شعوب ارتبطت ارتباطا معنويا بدولة فلسطين وقضيتها وكانت ممانعتها ضد الكيان الصهيوني تنبض بالحياة بعيدا عن الحسابات السياسية لأنظمتها ليتم اسقاطها عمدا في مستنقع إيران الآسن، وبين دول استكانت لعملية التطبيع، تم تثبيت أنظمتها القديمة بوجوه جديدة أكثر خضوعا للكيان الصهيوني!..

عقاب فريد من نوعه جعل من السهل تخيل الخارطة الجديدة للمنطقة بين دول ستلحق ولا بد ركب إسرائيل وأخرى كتب عليها ان تكون امتدادا لنفوذ إيران في المنطقة!..

ومن سوء حظ اليمني ان يكون عقاب بلاده عقابا مضاعفا، فبعد سقوط دولته في يد الميليشيا واندلاع حرب إقليمية عليه "بكذبه" استرجاع دولته، تم تقاسم أرضه وانتماءاته الى منطقتي نفوذ، أحدها تحكمت به قوى الإقليم المسارعة للتطبيع مع الكيان وأخرى تشبثت بها أذرع إيران المتمثلة في ميليشيا الحوثي، ليقف اليمني حائرا بين هذا وذاك وقد عجز عن تحديد مصيره فكيف له ان يبدي رايا بمصير دولة فلسطين!.

ربما كانت هذه هي النهاية التي يراد للمنطقة ان تقبل بها، حتى أعادت غزة القضية مجددا الى الواجهة ليس في المنطقة العربية وحسب بل أعادت للعالم اجمع تعريف الحرية وقدسية النضال من أجلها!.

كان من الطبيعي ان تدافع قوى المنطقة عن مستحقاتها، فبينما ازدادت الهجمة الشرسة على مقاومي غزة من قبل الدول المطبعة او تلك التي تسعى للتطبيع، بدأت إيران وأذرعها من جهة أخرى باستغلال قضية فلسطين – مجددا- لفرضها كقوة لا يستهان بها في المنطقة، خاصة مع السمعة السيئة التي نالتها بعد سيطرة ميليشياتها على بعض العواصم العربية..

من غير المنطقي ان نطلب من دول اكتوت بنار الميليشيا الإيرانية أن تقف في صفها او حتى أن تصدق ادعاء مساندتها لغزة او لأي قضية عادلة بالمطلق, إلا أن من المعيب والمخزي فعلا أن نقف محايدين عاجزين حتى عن إصدار مجرد بيان مساندة وشجب للمجزرة التي تقع منذ ما يقرب العشرة شهور في حق الشعب الفلسطيني!..

صورة قاتمة تخيرنا المفاضلة بين شرين!..

اعتقدنا طيلة سنوات متابعتنا للقضية الفلسطينية انها بحاجة الينا وأنها تنتظر منا شيء ما, حتى اكتشفنا أخيرا أن العكس هو ما يحدث, وكانت فلسطين منذ البداية تحارب من أجلنا, نحن الشعوب المقهورة على نفسها, وقدمت لنا على مدى عقود أساليب متعددة لطرق النضال، بدءا من الكلمة والقلم مرورا بالحجارة حتى حمل السلاح والمواجهة به, منهاج يتوجب على اليمني إدراك بانه سيدفعه مضاعفا سواء من أجل التحرر من قبضة ذراع إيران او من تسلط دول الإقليم المتسلطة عليه!..

كل ما نمر به اليوم – مهما بدى صعبا وقاسيا – هو الخطوة الأولى لمسار انت ستختاره بملء إرادتك إما أن تكون حرا على أرضك او أن تقبل بان تكون محتلا مهانا عليها حتى يأتي جيل لا يقبل إلا بان يحقق ذاته..

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024