













غزة

كان بنيامين نتنياهو يشتهي بالتأكيد مشهداً آخر. كان يتمنَّى أن يعلنَ من القدس نهاية الحرب بعد استسلام أعداء إسرائيل. لم يحدث ذلك. الضَّربات القاضية شديدة الصعوبة في هذا النّزاع الطويل. سيشق اليوم طريقه إلى موعد صعب. موعد يشبه الاستدعاء من قبل سيّد البيت الأبيض الذي لم يبخل عليه بالدّعم. الرّجل الذي شاركه معاقبة إيران وهاجمت طائراته منشآتها النووية.

لا يتوقّف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مثل معظم القادة الغربيين عن الحديث عن "الرهائن"، أي أسرى الحرب الإسرائيليين العشرين في قطاع غزّة، بل يستخدمونهم، كل مرة، لتبرير تقاعس الغرب، والمجتمع الدولي عموماً، عن لجم جرائم الحرب الإسرائيلية الأبشع في عصرنا، الإبادة الجماعية والعقوبات الجماعية، بما فيها التجويع والتطهير العرقي الأخطر في عصرنا.

يفركُ بنيامين نتنياهو عينيهِ. لا يصدّق ما يرى. ولا يصدّق ما يسمع. كأنَّ العالمَ يقصفُه بقذائفَ لا يمكن ردُّها. يقصفُ جنونَه الدَّموي. وأحلامَه المتهوّرة. وأوهامَه الوافدةَ من كهوفِ التاريخ. آخرُ القذائفِ جاءته من كندا وأستراليا وبريطانيا. وللاعترافِ البريطانيّ مرارةٌ خاصة؛ فوعدُ ستارمر يخفف، إن تحقّق، العذاباتِ التي أنجبَها وعد بلفور.

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومه الهمجي على مدينة غزّة، بقصف الأبراج السكنية وإزالتها من الوجود في مشهدٍ يذكّرنا بما جرى لبرجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر (2001)، في ما تحوّل إلى مبرّر شن الولايات المتحدة حروباً متتالية، واحتلال بلدان، وقتل ملايين، وتحطيم أنظمة الاقتصاد العالمي وإعادة هيكلتها.

منذ أسابيع وكلّما اجتمعنا لاختيار صورة الصفحة الأولى أو الخبر الرئيسي على الموقع ينتابني حزن شديد وخجل فظيع. مشاهد الجثث الصغيرة التي تبحث عن قبورها الصغيرة في غزة أشد قسوة وإيلاماً من مشهد حامل جثة طفله.

الفترات الموسومة بالانكسارات الجمعية والخيبات الكبرى في قضايا مركزية، هي من أهم ما يدفعنا إلى الاطلاع ومدارسة كل ما يمكن أن يقدّم إجابات، أو على الأقل يثير تساؤلات صحيحة. فالتساؤل الصحيح هو البوابة الأولى نحو البحث عن إجابات هامة ومرشدة، تضعنا على مسار التفكير الواقعي بعيدًا عن التنميط واستسهال التصورات الجاهزة.