الأخبار
Image Description

سلمان الحميدي

العودة إلى فبراير

‫كتابنا‬| 10 فبراير, 2025 - 5:57 م

إن كان هناك من درس يجب أن نتعلمه من أحداث سوريا، فهو العودة إلى مسار ثورة 2011.

في 2011 توحد صوت اليمنيين كما لم يتوحد من قبل، خفتت أصوات الغضب الجهوية، هتفت عدن لصنعاء وهتفت صنعاء لعدن، لاح مستقبل جديد للبلاد: وطن موحد، اقتصاد مزدهر، مواطنة متساوية، لا فساد أو محسوبية، وصدحت الثورة بمئات الأناشيد الممجدة للحياة. 

من بعد 2012، بدأت المكونات السياسية تجر الثورة بعدها، بدلاً من أن تضع نفسها بعد الثورة. وهكذا تقاسمت جميع المكونات السياسية (أحزاب المعارضة والحاكم)، المكاسب وفق مبدأ لا غالب أو مغلوب. 

ورغم الواقع السياسي الجديد القائم على الوفاق، إلا أنه لم يتمكن من إخماد صوت الثورة: بدأت الثورة ضد الفساد في مؤسسات الدولة، وظفت الحكومة الآلاف، استقرت أسعار الصرف.

وأظهر مؤشر الاستقرار المالي للدول العربية، اليمن مرتين من حيث التحسن والاستقرار، الأولى كانت في السبعينيات في عهد الرئيس الحمدي، أما الثانية فكانت سنة 2013 في عهد باسندوة.

ورغم وجود حزب المؤتمر في تشكيلة المكاسب، إلا أن رئيسه عاد تدريجياً للانتقام من المكونات الأخرى التي منحته باسم الثورة، ما يضمن له كل ما يريد، ولم تأخذ منه غير صفة الرئيس ومنحته لنائبه. وفي 2014 اندلعت الحرب وبدأت بالتهام الجميع. 

أثناء الحرب، خرج قادة المكونات السياسية إلى خارج البلاد، وبقي الثوار الصادقون ـ رغم انتماء الغالبية إلى المكونات السياسيةـ في خطوط النار من المسافة صفر، بينما ممثلو الدولة اليمنية من المهاجرين الذين تصدروا مشهد رسم تكتيكات معركة الخلاص من الخارج، بمن فيهم المؤتمريون العفاشيون، تعلموا كيف يرتصون في طابور طويل أمام لجان الإعاشة والإكراميات، وأمناء الصناديق لاستلام رواتبهم بالعملة الصعبة.

أظهر مؤشر الاستقرار المالي للدول العربية، اليمن مرتين من حيث التحسن والاستقرار، الأولى كانت في السبعينيات في عهد الرئيس الحمدي، أما الثانية فكانت سنة 2013 في عهد باسندوة.

وبعد اندلاع الحرب، وجد اليمنيون الذين يقاومون المليشيا، وجدوا أنفسهم مقسمين على نحو غريب، إما وفقاً للانتماءات السياسية، أو الجغرافية، أو الولاء للداعم الخارجي، وعاد الصوت الجهوي المنادي بالانفصال بأقوى مما كان عليه قبل 2011، وتحولت اليمن إلى مصدر قلق للأمن القومي العربي، وتدهور الاقتصاد بشكل مريع، والطبقية المستوردة تفرض نفسها على عدد كبير من اليمنيين. الفساد يتوسع بزيادة المكونات ولا يبالي، وبهذا الوضع خرجت مئات الزوامل الممجدة للموت. 

***

رغم تحاصص المكونات السياسية للشرعية؛ كان صوت الثوار عالياً وصمودهم في مختلف الجبهات حاضراً وبقوة، ضباط الثورة الصادقين مع أعداد من الجنود ومثلهم من المدنيين، رغم انتماءاتهم السياسية، هم من انبرى لمواجهة جماعات إيران في أول الأمر. لم يخرج الثوار بأية مكاسب ومازالوا يدفعون ثمن الأحلام من أعمارهم. 

سنة 2017 وتكريماً لتضحيات آلاف اليمنيين، أعلنت الحكومة اليمنية، يوم 11 فبراير إجازة رسمية.

هذه الرمزية هي كل ما ناله الأبطال لتذكر أحلامهم في يوم من أيام السنة، وانشغالهم بقية أيام السنة، حتى أيام الجُمع، بالنضال ضد المليشيا الكهنوتية، من أجل الحرية والحياة الكريمة.

المكونات السياسية الثائرة وغير الثائرة، رحبت بالقرار، حتى المؤتمريون الذين قفزوا من مركب صالح بعد اندلاع الحرب آثروا الصمت على فقدان الرواتب، كان جميع الممثلين في الفنادق المريحة مستفيدين ولا غالب أو مغلوب. 

ما هي إلا أشهر، حتى يقف علي صالح بنفس الخط الذي يقف عليه الثوار الصامدون في مواجهة الحوثي. وشاءت الأقدار أن يقتله الحوثيون. ومنذ ذلك الوقت، وكلما مرت سنة، ينظر المؤتمريون الحانقون وأنصارهم الجدد، بمن فيهم أدعياء الثورة، ينظرون إلى 11 فبراير بنصف عين.

وفي كل مناسبة يتدهور الوضع الاقتصادي سلقونا بألسنة حِداد مصقولة على المعايرة والتشفي، وكأنهم ليسوا مشاركين فاعلين في إدارة المشهد حيث تحاصص الحكومة وتقاسم الرئاسة، ومناصفة غرف الفنادق غرفة بغرفة وجناحاً بجناح. 

الثورة لا تقبل الصفقات المشبوهة بتحاصص البلاد مع أعدائها، الثورة مشروع إنصاف للإنسان اليمني، وحفظ جغرافيا بلاده، ولا تتوقف عند مصالح مجموعة من المنتفعين ولا تقبل بأنصاف الحلول.

طوال الحرب، تعرض الذين خرجوا في 2011 لهجمات معنوية بلا هوادة. في السنتين الأخيرتين كانت الهجمة تشتد. حتى أن بعض الأدعياء الذين غيروا جلدهم بحثاً عن مُستقطِبٍ دسم، شرعوا بلعننا من فرط الحماسة، وهذا مالم يفعله صالح الذي كان يرى أن مطالب الشباب مشروعة! ولكنه غاضب من انخراط الأحزاب مع المحتجين كما كان يقول. في نهاية المطاف؛ ذهبت قيادات المكونات السياسية للاحتفال بيوم انتفاضة 2 ديسمبر، في السنة التي خفتت حماستها، بيوم الإجازة الذي يرمز لتضحية اليمنيين: 11 فبراير.

ولعمري لو أن صالحاً قام من قبره لمات ضحكاً من غباء التحولات. ذلك لأنه يعرف أن من سيكسر قاتله، هو الذي انبرى لمواجهته منذ اللحظة الأولى.

***

في سوريا، الثورة قادت السياسة. وفي اليمن، خاضت الثورة وجماهيرها المنتمين للمكونات السياسية، صراعاَ على من يقود المشهد ويتحكم به. لم تستطع قيادات المكونات السياسية تغييب 11 فبراير وإخماد صوتها رغم محاولات إغفال أي مسميات تشير إلى أحداث 2011 باعتبارها حدثاً جيداً للبلاد. 

الذريعة التي تشهرها المكونات السياسية أمام 11 فبراير هي أن العالم لن يقبل بكم، دول الإقليم، الجيران، لا أحد يرحب بكم. ويهمسون محذرين: الأشقاء في المملكة العربية السعودية لا يريدونكم البتة.

سنة 2022، جرى تقاسم آخر ما تبقى من وظائف المستوى الأعلى في سلم الوظيفة العامة: الرئاسة، وذلك بتشكيل المجلس الرئاسي بقيادة ثمانية رؤوس، وفق معيار مزدوج يجمع بين قبول المكون خارجياً من الجهة الداعمة، والانتماء السياسي والجغرافي.

بدا الغرض من التشكيلة هو خوض المعركة الفاصلة وإنهاء التمرد المدعوم من إيران، حرباً أو سلماً. ما حدث، ربما، كان مفاجئاً حتى للمملكة العربية السعودية، إذ بدلاً من التوحد حول الهدف الواحد، برزت ثمانية أهداف أخرى، جانبية لكل عضو. والمفاجأة ظهرت حين أبدى أعضاء المجلس الرئاسي، والمكونات السياسية التي يمثلونها، مرونة غير متوقعة في مفاوضاتهم مع المليشيا برعاية أممية.

كانوا على وشك تقاسم البلاد مع المليشيا تماماً، كما كان المجتمع الدولي قد شرع بالعودة للتعامل مع نظام الديكتاتور بشار الأسد، الذي حول سوريا إلى ساحة لاستهداف الأمن القومي العربي بالقتل والطائفية ومعامل الكبتاجون!.

يبرر المقربون من ثمانية المجلس الرئاسي، موقفهم من الاتفاقية التي كانوا على وشك التوقيع عليها أواخر 2023، أنهم يتعرضون لضغوطات دولية، ويشيرون إلى الدعم السعودي الذي تتلقاه اتفاقية السلام، وكأنهم يريدون من المملكة العربية السعودية أن تقول: لا.. بالنيابة عنهم. وفي الحقيقة إن السعودية تنتهج مساراً رسميا يتماشى مع توجه أي دولة تحت نظر العالم. وعلى أساس قانوني، فإن أي دولة، مهما كان دعمها لك لن تقبل على الأقل من ناحية ظاهرية، أن تدعم موقفاً صداميا في دولة مجاورة، ناهيك عن قبولها بفصائل مازالت خارج السلطة مهما توحدت الأهداف.

الثورة لا تضع في اعتبارها الحسابات السياسية هذه. العالم سيتعامل معك إن أثبت قوتك على الأرض، ولم تضع أي اعتبار للإدانات الدولية عندما يتعلق الأمر بمستقبل البلاد وأجيالها. كن صادقاً مع الناس، مع بلادك، وواجه الأعداء الذين يمثلون خطراً حتى على الآخرين خارج الحدود، وسيأتي العالم إليك.

الريمونتادا التي قامت بها فصائل الثورة السورية، أنقذت بلاد الشام. فرض الثوار الحل على الأرض، وخرج الشرع من قوائم المطلوبين إلى مطارات العالم. لم تفرض المكونات السياسية الحل في سوريا، حتى مكونات المعارضة المغتربة في الخارج وكثرة نقاشاتها وتنظيراتها، لم تنفع. وكان حالهم مثل حالة مسؤولينا خارج البلاد.

***

هل يدرك الجميع الآن، أن الثورة هي طوق نجاة الجميع، نظراً لتبنيها المواقف التي لا تجرؤ المكونات السياسية على اتخاذها؟

الثورة لا تقبل الصفقات المشبوهة بتحاصص البلاد مع أعدائها. الثورة مشروع إنصاف للإنسان اليمني، وحفظ جغرافيا بلاده. الثورة لا تتوقف عند مصالح مجموعة من المنتفعين ولا تقبل بأنصاف الحلول، الثورة نضال على الأرض لتحقيق الهدف، من التحق بها منحته الشرف، ومن شذ عنها فقد خلصها من الأذى.

الثورة تصر على تحقيق الهدف، غداً أو بعد عقد أو حتى ربع قرن، وهدف ثورتنا بناء بلد على أساس المساواة وإحداث تغيير اقتصادي نحو الأفضل وعدم تحويل البلاد إلى ساحة للأجندة الإيرانية وتهديد الأمن القومي العربي.  

الثائر الحقيقي لا يتوقف في منتصف الطريق، تحت تأثير اللصوص، أو الاغراءات الأخرى، ولا يعكس الطريق لأن شخصاً يتنعم بمُتع الحياة وآخر يتجرع بؤسها، وكلاهما في نفس الخط.

نؤمن بثورتنا كما آمن ساروت سوريا.. 
ونعرف أن هناك ألاف اليمنيين يشبهونه. إيمان بالهدف والصبر على المآسي وسط إحباط المحبطين وإجرام المجرمين ولمزات المتشفيين، بهؤلاء نضمن مستقبل البلاد وأجيالها وإن طال الزمن.

وبهم سيأتي النصر، ويلتحق الجميع بالثورة، ونجد آلاف المكوعين والمعارضين والصامتين، وهم يجترحون تفاصيل من العدم حتى يلتصقوا بالثورة وتاريخها، وإذا كنا قد اختلفنا حول البدايات، فإن سنتفق عند النهايات، ونجعله عيداً للبلاد.

والجميع يعرف الحدث المفصلي للنهاية.

| كلمات مفتاحية: 11 فبراير

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024