الأخبار
Image Description

سلمان الحميدي

وقفات العبسي مع القرآن

‫كتابنا‬| 11 مارس, 2025 - 9:42 م

في شهر القرآن؛ أتذكر الصديق الصحفي محمد عبده العبسي، ووقفاته مع المقرئين الذي كانوا يعجبونه.

سورة مريم بصوت فارس عباد

سورة الزخرف بصوت محمود الحصري

سورة الحج التي حفظها من كثرة تعلقه بها

سورة الرعد وجميع تلاوة الشيخ محمد رفعت.

كلما قرأت سورة مريم؛ أو سمعت من يقرأها، تذكرت الصديق الراحل محمد عبده العبسي. في جلسة ما، من الجلسات الأولى التي عرفت فيها العبسي، في 2011، كان يتحدث عن سورة مريم، وعن حبه للاستماع لها بصوت المقرئ فارس عباد. لا أفهم في المقامات، كان العبسي يتحدث بعمق عن تلاوة عباد. وعن الإحساس الذي يوصله للمستمع من خلال استشعار معنى كل كلمة.

عقب اغتيال الصحفي العبسي في ديسمبر 2016، كتب الأستاذ محمد الغابري عن وقفات العبسي مع القرآن الكريم: «قال لي إن أكثر السور التي تشده وتشعره بالرهبة سورة الحج التي من تعلقه بها حفظها. وكان يستمع لسورة الزخرف بصوت محمود خليل الحصري».

أما أشهر وقفات العبسي فكانت مع الشيخ محمد رفعت.

في نوفمبر 2013 كتب العبسي تحت عنوان: «في رحاب وملكوت الشيخ محمد رفعت». بالنسبة لي عرفت المقرئ المصري الشهير لأول مرة من مقال محمد العبسي الذي أرشدنا إلى الكتاب الرائع "ألحان السماء"، للصحفي المصري محمود السعدني.

كان كتاب السعدني، أول كتاب من نوعه مخصص لفن التلاوة. وكان السعدني أول، وربما الوحيد، من ابتدع هذا الفن الصحفي الذي يتناسب مع أجواء رمضان. الكتاب أشبه بقصص نشرت في الصحافة. في مقدمة الكتاب يعبر السعدني عن صدمته من الفرق الرهيب بين مشايخ الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وبين ما نسمعه الآن «في منتصف التسعينيات وهو زمن إعادة طبع الكتاب الذي صدر لأول مرة سنة 1959». وصف السعدني الأصوات التي سادت في التسعينات بأنها «أصوات ملساء وأخرى صلعاء وأغلبها بلا نبض ولا إحساس.. ما الذي جرى؟ وكيف تغيرت الأحوال؟ ولماذا انحدر المستوى على هذا النحو الذي لم يكن يتوقعه أحد على الإطلاق؟ أين لجان الاستماع بأجهزة الإعلام؟ أين الأساتذة الكبار الذي كانوا حجة في علم القراءات..».

مجالس القرآن الرمضانية، لم تكن وليدة في منتصف القرن العشرين، اشتهرت من زمان في مجالس الخلفاء والأمراء والأثرياء والعامة، قرأت أطروحة حول التطريب في القرآن الكريم وجواز ذلك للتأثير في السامع. يُعتبر فن تلاوة القرآن «عمل جليل يقتضي من المرتلين وقارا وشعوراً بالمسؤولية ودراية كبيرة بفن التجويد وقد كانوا يتدربون عليه بكامل الدقة والعناية»  ويتطلب من المقرئ «القدرة على استحضار حجة القرآن في الصوت وبثها في الأفئدة، ليستشعر المستمعون جلال المعنى القرآني في حضرة تلاوة المرتل».

تتبع السعدني تفاصيل أشهر المقرئين من الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، ميزات أصواتهم، تقصى تفاصيل عن حياتهم الشخصية. سنعرف أن الملك محمد الخامس، طلب في منفاه من السلطات الفرنسية، السماح له الاحتفاظ بأسطوانات الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، أما الشيخ الشعشاعي وزميله الشيخ شعيشع فقد ذهبا إلى بغداد لإحياء مآتم ملك العراق "الملك غازي" وتتبع السعدني سر دعوتها، كما أصر أحد أمراء الهند الأثرياء على دعوة الشيخ محمد رفعت لإحياء شهر رمضان في قصره مقابل أي كمية من الذهب يطلبها رفعت.

كان رفعت متعففاً، لا تغره عروض الأمراء أو القراءة في مجالس السلاطين، ولهذا وضعه السعدني في مقدمة المقرئين وأطلق عليه: صوت الشعب.

واقتبس العبسي من الكتاب ما قدمه الشيخ الشعراوي: "إن أردتَ قمة الإحكام فالشيخ محمود الحصري وإن أردت قمة الجمال فالشيخ عبدالباسط عبد الصمد، وإن أردتَ الفن الرفيع فالشيخ مصطفى إسماعيل، وإن أردتَ هؤلاء جميعاً في صوت واحد، لا يعلوا عليه صوت، ولا فن، ولا موهبة، ولا عقل جامع، ولا دراية وفهم عميقين لما يقرأ: فالشيخ محمد رفعت".

وكتب العبسي:«إنه صوت خارق من السماء.

مثل سطح الجبل كلما صعدنا إلى الأعلى نحو قمته، يضمُر وينكمش للداخل، كذلك يحدث لمعظم الأصوات البشرية: ما إن تصعد إلى أعلى طبقات الصوت وسلالمه الموسيقية حتى تقل قوتها ويبهت بريقها، وتهتز ذبذباتها وتنكمش إلى الداخل، كما في مقام الرست مثلا.

بعبارة أخرى: معظم الأصوات البشرية، أكانت لمقرئين أو مطربين، في الطبقات المرتفعة تخرج من الحنجرة على شكل مثلث بزاوية قائمة أو على شكل جبل يضمر وينكمش إلى الداخل بالصعود أكثر فأكثر إلى قمته. وحده شيخ المقارئ المصرية الشيخ الراحل محمد رفعت الوحيد، الذي يكاد يخرج صوته مستقيماً ثابتاً على شكل "خزْنة" دون اهتزاز أو أدنى ذبذبة.

أنا اعتبر النظر نوعاً من التشتيت. عندما يسمع أحدنا عملاً عظيماً ومؤثراً، ألا يغمض عيننه تلقائياً كيما يتذوقها، أو يراها بعينيه الداخليتين: ببصيرته. ولهذا أقول إن الذين حرموا من نعمة البصر، امتلكوا مخيلة خرافية". هذا ما ينبّه إليه الموسيقار العراقي وأشهر عازف للأوركسترا العود نصير شمة أثناء حديثه عن شيخ المقارئ المصرية الشيخ الراحل محمد رفعت».

«ويضيف نصير شمة: "إن ذبذبات صوت الشيخ رفعت كانت تصل الى 3000 الف شخص سواء في القاعات المفتوحة والمغلقة رغم صعوبة وصول الصوت عملياً في الأماكن المفتوحة».

«وفي مقابلة إذاعية قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذي كان من أقرب المقربين من الشيخ رفعت، ككثير من مثقفي وفناني ذلك العصر ولعل أكثرهم اثارة للاندهاش المؤرخ اللبناني الشهير أمين الريحاني المسيحي ديانة.

يقول محمد عبدالوهاب في تواضع الكبار: "لقد كنتُ صديقه وتحت رجليه" في الوقت نفسه. ويضيف: "كنا أصدقاء حميمين في معظم الأوقات، فإذا قرأ الشيخ القرآن أتحول من صديق إلى خادم».

في نهاية المقال، يضع العبسي رابطاً لسورة الرعد بصوت رفعت ويدعو الصحفي سامي غالب إلى الاستماع: «استمع يا صديقي، وأنت السمّيع المرهف، إلى وقع ونطق حرفي القاف والعين خاصة وشدة وضوحهما ومدى تلونهما في التلاوة كما في جل تلاوته الآسرة».

مقالات ذات صلة

[ الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها ولا تمثل في أي حال من الأحوال عن رأي إدارة يمن شباب نت ]
جميع الحقوق محفوظة يمن شباب 2024