هجمات حوثية من اليمن اعترضتها البحرية الامريكية.. هل استهدفت إسرائيل وما أهدافها؟ (تحليل خاص)

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية مساء الخميس الماضي، 19 أكتوبر الجاري، أن قواتها البحرية في البحر الأحمر اعترضت صواريخ حوثية وطائرات مسيرة في أحدث تطور للعدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة، بعد عملية طوفان الأقصى التي وقعت في السابع من أكتوبر.
 
الرواية الأمريكية التي نقلتها عدد من وسائل الإعلام الأمريكية ثم مؤتمر صحفي للمتحدث باسم البنتاغون، لم يحدد بدقة عدد الصواريخ التي أسقطت، لكنه ذكر أن الهجوم الحوثي اشتمل أيضا على طائرات مسيرة دون ذكرها، وتنقل بعض وسائل الإعلام الأمريكية على أنها من صاروخين إلى ثلاثة، أما وول ستريت جورنال فتقول إن الهجوم نُفذ 20 طائرة مسيرة.
 
الرواية الأمريكية ظهرت مجددا الجمعة بمعلومات متضاربة، سفينة حربية أمريكية اعترضت 4 صواريخ و15 طائرة بدون طيار أطلقها الحوثيون على مدى 9 ساعات الخميس من اليمن.
 

ما الذي حدث؟
 
شنت مليشيا الحوثي هجوما بصواريخ غير باليستية وطيران مسير استهدفت الأرخبيل اليمني في شمالي حجة، قبالة ساحل ميدي على بعد عشرات الأميال من الملاحة الدولية، ووصلت بعض الصواريخ الحوثية وطائراته المسيرة إلى أهدافها في عدد من الجزر اليمنية.
 
ويسيطر التشكيل البحري في المنطقة العسكرية الخامسة على 30 جزيرة صغيرة هناك معظمها غير مأهولة، وحدث الهجوم تزامنا مع زيارة رئيس هيئة الأركان في الجيش اليمني، الفريق صغير بن عزيز.
 
تشير المعلومات وصور حطام أحد الصواريخ الحوثية التي سقطت هناك أنها ليست باليستية، بل صاروخ روسي بحري قديم جرى تعديله لكن قوته التفجيرية صغيرة. وفق مصادر عسكرية.
 
وتؤكد المصادر "أن الهدف من الهجوم هو قيادات الجيش، تزامنا مع مفاوضات سعودية حوثية وجهود دبلوماسية مكثفة تبذلها سلطنة عمان التي تستضيف قيادة الحوثي منذ سنوات طويلة، بالإضافة إلى تحركات مكثفة يجريها المبعوثان الأممي هانس غروندبيرغ والأمريكي ليندركينغ".
 


تأكيد أمريكي وصمت حوثي
 
الرواية الأمريكية حددت بدقة أن الحوثي هو المسؤول عن الهجوم، وأن السفينة الأمريكية يو إس إس كارني اعترضت الصواريخ، ولم تجزم ما إذا كانت السفينة هي الهدف من الهجوم، أم دولة الاحتلال الإسرائيلي.
 
لم يحدد البنتاغون الأمريكي بوضوح مكان إسقاط الصواريخ، بين شمالي البحر الأحمر أو قبالة السواحل اليمنية. إلى ذلك يتخبط الإعلام الإسرائيلي بين إن هناك مؤشرات على أن الهجوم كان يستهدف إسرائيل، وأفادت صحيفة يديعوت أحرنوت الاسرائيلية "ليس مؤكدا أنها كانت تستهدف إسرائيل لكن المؤكد أنها تمت بأمر من إيران في اليمن عبر الحوثي".
 
التزمت مليشيا الحوثي الصمت حيال التصريحات الأمريكية، ولم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم، غير أن جماعة ألوية الوعد الحق في الجزيرة العربية، أعلنت في حسابها على تطبيق إكس "تويتر سابقاً" مساء الخميس "أن القوة الصاروخية للحوثي استهدفت موقع غوش دان جنوب فلسطين المحتلة".
 
ونشر الحوثيين في قنواتهم غير الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم التعليق على الحدث، وعدم تصديق أي خبر لم تبثه قناة المسيرة الحوثية وقنواته الرسمية، لكن ناشطوه بدأوا يوظفون الهجوم لصالحهم باعتباره إيفاء بوعودهم بالمشاركة في أي حرب بغزة.
 
بالتزامن مع الهجمات التي كشف عنها البنتاغون من اليمن، كانت هناك هجمات على عدد من مواقعه في الأنبار بالعراق، وهجمات أخرى على قاعدة عسكرية أمريكية بسورية، أسفرت عن وفاة مقاول لدى الجيش الأمريكية بأزمة قلبية وفق تصريحات البنتاغون الذي أكد أن قواته قادرة على الدفاع عن نفسها وحماية منتسبيها.
 
وكان زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، قال في كلمة له في 10 أكتوبر الماضي، بعد ثلاثة أيام من المجازر الصهيونية بحق قطاع غزة "ردا على اقتحام مقاتلي القسام مواقع عسكرية إسرائيلية ودمروا في هجومهم الحاسم والأكبر من نوعه منذ إعلان دولة إسرائيل فرقة غزة العسكرية بالجيش الإسرائيلي التي تتمركز في محيط غزة". وقال الحوثي، إن "الشعب اليمني" - ولم يقل جماعته - ستشارك في الحرب بتنسيق مع محور "المقاومة الإيرانية" بشروط أهمها إذا تدخلت الولايات المتحدة فيها.
 
ولم يحدد بالضبط ماهية هذا التدخل، مع أن الولايات المتحدة أرسلت كل أنواع الأسلحة بما فيها حاملتي طائرات وسفنا حربية وسفينة تحكم وسيطرة ومليارات الدولارات وخبراء عسكريين وأسلحة وذخائر. كما اشترط الحوثي أن تتجاوز إسرائيل الخطوط الحمراء في قطاع غزة كشرط لتدخله بتنسيق مع محور إيران.
 
في كل خطاب حوثي تقريبا منذ سنوات كان الحوثي يؤكد أنه جزء من محور إيران، وأنه سيشارك في أي معركة من أجل القدس أو معركة إقليمية، غير أنه في خطابه الأخير بعد طوفان الأقصى، قال إن جماعته بعيدة جغرافيا عن فلسطين ولا تمتلك حدودا معها، وبالتالي فإنه سيشارك بالمتاح بطيران مسير وصواريخ باليستية.
 
وبينما لم يكشف الحوثي حقيقة ما حدث فإن ناشطيه ووسائل إعلامه يحتفون بالأخبار التي أعلنتها الصحف الأمريكية والإسرائيلية وتصريحات البنتاغون، عن هجمات حوثية اعترضها البحرية الأمريكية، ويقولون إن ذلك مساهمة حوثية بالمشاركة وأن الصمت عنها وعدم نفيها جزء من استراتيجية اعتمدوها من قبل.
 


في أي سياق جاءت الضربات؟
 
اعتمدت إيران خطابا يقول إن المليشيات الشيعية الموالية لها في كل من لبنان والعراق وسوريا والحوثي في اليمن سيتدخلون، بقرارات من أنفسهم، بينما كان الخطاب الرسمي الإيراني يقول بأن إيران لم تشارك بأي شكل في هجوم السابع من أكتوبر، وهو الأمر الذي تؤكده كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة.
 
غير أن أمير عبداللهيان وزير الخارجية الإيراني أصدر عدة تصريحات غامضة، أحدها قبل أيام بأن الصراع قد ينفجر خلال ساعات، ثم أصدرت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة أن إيران لن تتدخل إذا لم يشن الجيش الإسرائيلي أي هجمات ضدها ومصالحها.
 
في جنوب لبنان سمح حزب الله لعدد من فصائل المقاومة الفلسطينية بشن سلسلة مناوشات محدودة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتبادل الحزب نفسه سلسلة من إطلاق النار معه، أسفرت الهجمات عن قتلى وجرحى من الطرفين، غير أن الاشتباكات ماتزال محدودة.
 
في سوريا شنت مليشيات عسكرية سلسلة هجمات محدودة على قواعد عسكرية أحدها استهدفت خط نقل الغاز إلى إحدى القواعد العسكرية الأمريكية كما أن قاعدة عين الأسد في الأنبار غربي العراق تعرضت لهجمات من المليشيات العراقية التابعة لإيران، ضمن استراتيجية إيران الحرب غير المتماثلة بالوكلاء ضد خصومها مع قدرة معقولة من الإنكار عن مسؤوليتها. وتقع ضمن هذه الاستراتيجية تجنب الحرب المباشرة في أراضيها أو مع الولايات المتحدة.
 
على الأرض يبدو أن إيران بدأت تعمل على تعزيز مصالحها الاستراتيجية مستغلة طوفان الأقصى إذ أرسلت بعض المليشيات الشيعية آلافا من عناصرها إلى الحدود العراقية الأردنية بزعم التوجه إلى الحدود الأردنية الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، رغم امتلاكها طريقا واضحا آمنا بين العراق وسوريا وصولا إلى الجولان المحتل.
 
في اليمن نشرت مليشيا الحوثي عناصر عسكرية جديدة لها في كل من محافظة تعز وإب والبيضاء والجوف، بطرق مختلفة سواء عبر الاستعراضات العسكرية أو المسيرات الراجلة لعناصرها العسكريين، ما يشير إلى أن التركيز الحوثي يقع بالدرجة الأولى على المحافظات اليمنية وخاصة جبهتي تعز ومأرب، بالتزامن مع تقدم في المحادثات التي تجريها مع السعودية منذ فترة طويلة.
 
وقال الباحث العسكري الدكتور على الذهب "يبدو أن هجمات الحوثيين كانت نحو إحدى الجزر التي حط فيها مجموعة من كبار قادة الجيش، وقد أدى تزامن هذا مع أحداث غزة إلى تأويلات غير دقيقة".
 
 
واشنطن لم ترد على هجمات الحوثي
 
اعتمدت الولايات المتحدة خطة عسكرية واضحة لمواجهة طوفان الأقصى، دعم إسرائيل كليا بما تحتاجه من أموال وذخائر وأنظمة اتصالات واستخبارات وتوفير غطاء سياسي وقانوني ودولي، ونشرت أقوى حاملتين للطائرات لردع أي أحد قد يشترك في المعركة، خاصة على الجهة الشمالية حيث حزب الله أقوى وكلاء إيران.

ورغم الهجمات الحوثية التي كشفها البنتاغون إلا أنه لم يصدر أي رد أمريكي على تلك الهجمات أو تعهد بالرد عليه، واكتفى بالقول عن هجمات الحوثي وهجمات المليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا "هذه الهجمات مثيرة للقلق وخطيرة وإذا قررنا الرد فسنفعل ذلك عندما نقرر ذلك".
 
رغم الهجمات فإن أولوية بايدن واضحة، عدم تصعيد الصراع مع إيران ووكلائها، وإنجاز تسوية سياسية مع الحوثي في اليمن، حيث كان مبعوث الولايات المتحدة في اليومين الماضيين يجري مفاوضات مع قادة لحكومة اليمنية ومسؤولين سعوديين وعمانيين وغيرهم لإنجاز تقدم في التسوية اليمنية التي يراها بايدن أحد أهم أولوياته الخارجية.
 
سبق أن شنت مليشيا الحوثي عدة هجمات على قوات أمريكية وسفن في 2016 و2017 منذ فترة أوباما لكنها لم تواجه سوى برد محدود على ما تصفه الولايات المتحدة بأنها قواعد رادار.
 
وكانت حكومة الولايات المتحدة أخرجت جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بعد أن أدرجها الرئيس الأمريكي ترامب في أخر يوم له بالبيت الأبيض مطلع 2021 لكن بايدن ألغاها مباشرة، وهي المنظمة الإرهابية الوحيدة حتى التي خرجت عن التصنيف بتلك السرعة و"لأسباب إنسانية خاصة بالشعب اليمني" وفق الرواية الأمريكية.
 
لكن الموقف الأمريكي من الحوثي وهجماته، يظل رهن التحركات الإيرانية تماما، التي ستتحرك عندما تشعر بأن مصالحها ووكلائها يتعرض للخطر، وأدى الهجوم الشديد على قطاع غزة والوعيد الإسرائيلي وخلفه أوروبا والولايات المتحدة بضرورة تدمير حماس وفصائل المقاومة إلى وضع إيران ومحورها في حرج شديد بعد عقود من التهديد والوعيد الإيراني بهزيمة إسرائيل ووحدة الساحات.
 

نتائج الهجمات

يرى الباحث اليمني إبراهيم جلال "أن تلك الهجمات لا تزال نتائجها غير واضحة على مسار التفاوض، لكنها تشير إلى نتائج فورية على اليمن، منها أن إيران لديها القدرة على توظيف وكلائها وتوزيع المسؤولية، وهي خطوة تزيد من نفوذها في القنوات المباشرة والخلفية المفاوضات وتأثيرها الإقليمي"، بحسب تقرير نشره معهد الشرق الأوسط الأمريكي.
 
كما قد تؤدي إلى عسكرة المياه البحرية اليمنية، وتعقد الصراع وتفتح التساؤل مباشرة عن جدوى التفاوض مع الحوثي الذي استسلم آلاف الطائرات المسيرة والصواريخ من إيران.

أدت التصريحات الأمريكية عن الهجمات إلى دعاية ضخمة للحوثي الذي يفتقد للشعبية في اليمن، وواجه مظاهرات عارمة له على مدى يومين بمناسبة ذكرى الجمهورية في عدة محافظات، ويواصل شن حملات خطف ودهم واعتقالات على عدة ناشطين يتهمهم بأنهم معارضون له، كما اختطف عددا من قيادات نادي المعلمين، ولم يعد الشارع يراقب التغيير الجذري الذي أعلنه الحوثي على خلفية التظاهرات لإصلاح مؤسسات الدولة، بعد ضغط شعبي هائل للمطالبة بالمرتبات.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر