التصعيد العسكري والحرب الدبلوماسية بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي (تحليل خاص)

[ مركبة دمرتها تابعة للجيش الوطني بمدخل مدينة عدن 30أغسطس 2019 (AP) ]

خلال الأيام العشر التي تلت سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، في 10 أغسطس/ آب 2019، شهدت المنطقة العسكرية الثالثة التابعة لوزارة دفاع الحكومة الشرعية، التي تضم محافطتي شبوة ومارب، حسب تقسيم مسرح العمليات العسكري للبلاد، تحركا عسكريا ملموسا، على المستويين التعبوي والتكتيكي.

وقد فُسر ذلك بأنه تحضير لخوض معركة كبيرة، لاستعادة مدينة عدن من قبضة المجلس الانتقالي، وأن المعركة ستشمل محافظة أبين الواقعة، جغرافياً، بين محافظتي شبوة وعدن، وعملياتياً ضمن المنطقة العسكرية الرابعة التي تضم، إلى جانب عدن، محافظات لحج، والضالع، وتعز.

المناورة عسكرياً والحرب الدبلوماسية

استباقا لذلك، شنت قوات تابعة للمجلس الانتقالي، في 20 أغسطس/ آب 2019، هجوما مباغتا على معسكرين لقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقا)، والشرطة العسكرية في زنجبار، مركز محافظة أبين، وفي اليوم التالي، سعى المجلس الانتقالي، عبر قياديين تابعين له، إلى إجراء مفاوضات مع السلطة المحلية بمدينة عتق، مركز محافظة شبوة.

وتقضي بتسليم المدينة للمجلس، وإخراج قوات الأمن الخاصة، وقوات اللواء 21 ميكانيك، وبالمثل، كانت هنالك مفوضات لتسليم اللواء 115 بمنطقة لودر، محافظة أبين، للمجلس الانتقالي، في محاولة مشابهة لمسلك الحوثيين في السيطرة على عدد من وحدات الجيش أثناء انقلاب عام 2014.

جاءت هذه التحركات عقب وصول وفد المجلس الانتقالي إلى جدة، برئاسة عيدروس الزبيدي، في 20 أغسطس/ آب؛ لإجراء محادثات مع الحكومة الشرعية، بناء على دعوة التحالف للطرفين، وفي وقت كانت فيه الحكومة الشرعية لا تزال تفاوض على انسحاب قوات المجلس من معسكراتها في عدن، كشرط أساسي للدخول في هذه المباحثات.


[إقرأ أيضاً: لماذا يُعد حوار الحكومة الشرعية مع "الانتقالي الإماراتي" شرعنة للانقلاب في عدن؟]

وقد كشف هذا المشهد، أن المجلس الانتقالي، انتهج، حرفيا، استراتيجية "الحرب الدبلوماسية" أو استراتيجية "فاوض أثناء التقدم"، التي أشار إليها "روبرت غرين"، في كتابه الموسوم بـ "33 استراتيجية للحرب"، والتي يتحقق معها حالة الضغط الدائم على الخصم، بما يحمله، في كثير من الأحيان، على التسليم.

الملاحظ أن تحركات المجلس الانتقالي، العسكرية والسياسية، نشطت أكثر بعد عودة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، من زيارته القصيرة والمفاجئة إلى السعودية، في 12 أغسطس/ آب 2019 التي، كما يبدو، لم تحقق غايتها في الضغط على الحكومة الشرعية، للقبول بالتفاوض مع المجلس الانتقالي دون شروط، وقد أكد ذلك إعلانها، خلال تلك الفترة، بأنها عازمة على قمع تمرد المجلس الانتقالي، بالوسائل المكفولة لها دستورا وقانونا، وحمّلت الإمارات مسؤولية هذا التمرد، والتداعيات الناشئة عنه.




انكسار غير متوقع للانتقالي

في 22 أغسطس/ آب، باغتت قوات حكومية مراكز تجمع لقوات النخبة والحزام الأمني في مناطق من شبوة أبين، وسيطرت، على نحو غير متوقع، على قطاع من الطريق الدولي الممتد، بمحاذاة الساحل، بين عدن وحضرموت والمهرة، بما في ذلك المدن الواقعة فيه، مثل: بلحاف، وشقرة، وزنجبار.

وفي 28 أغسطس/ آب، كانت طلائع هذه القوات تتمركز في نُقطة العَلَم، الواقعة على بعد 12 كم شرقي عدن، فيما كانت مناطق من عدن، مثل: دار سعد، وخور مكسر، ومحيط مطار عدن، تشهد مواجهات مسلحة عنيفة بين قوات الحزام الأمني، ومقاتلي اللجان الشعبية المؤيدة للحكومة، الذين خرجوا فجأة للقتال، في عملية تبدو منسقة مع القوات الحكومية، كتمهيد لدخولها دون مواجهة.



[إقرأ أيضا.. في ظل حراك شعبي ضد انتهاكات الإمارات في اليمن.. هل تنجح الحكومة بالتحرك الدبلوماسي؟]


فيما يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي، لم يوفق في تقدير الموقف القتالي لقوات النخبة الشبوانية، وقوات الحزام الأمني في أبين؛ حيث اعتقد أن بإمكانها مهاجمة القوات الحكومية، والتغلب عليها، على نحو ما قامت به قوات الحزام الأمني في عدن، أوائل أغسطس/ آب، وقد اعترف بسوء التقدير هذا، رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي الذي أعلن عن تحمل المجلس مسئولية انهزام هذه القوات، وغاب عنه في ذلك التقدير، أن قوات النخبة الشبوانية، انكسرت قبل ذلك أمام قبائل مرخة السفلى، غربي شبوة، وفي المواجهات مع القاعدة. ومهما يكن الأمر، فإن ثمة عوامل أخرى رئيسة لهذا الانكسار، ومن أبرزها ما يلي: -

1- تدني التدريب والخبرة القتالية والقيادية، خصوصا في قوات النخبة الشبوانية.
2- ضعف الخطة الدفاعية، وهي نقطة ضعف مشتركة مع القوات الحكومية التي خسرت معركة عدن، أمام قوات الحزام الأمني في 10 أغسطس/ آب؛ حيث لم تواجه قوات الجيش المهاجمة أي حقول ألغام، أو موانع وحواجز طبيعية وصناعية، مقارنة بالنهج الدفاعي الصلب المتبع من قبل الحوثيين. 
3- تفوق القوات الحكومية في القوى والوسائل، والخبرة المكتسبة من مواجهة الحوثيين طيلة أكثر من أربع سنوات.
4- انتماء أغلب قادة ومقاتلي الطرفين إلى قبائل شبوة وأبين؛ ولذلك لعبت مفاوضات التسليم السلمي لعدد من معسكرات النخبة الشبوانية، دورا في تحييدها عن القتال، حقنا للدماء.



استعادة الانتقالي زمام المبادرة والدور الإماراتي المكشوف 

مثّل اكتساح القوات الحكومية للمناطق غير الخاضعة لها بمحافظتي شبوة وأبين، وتقدمها نحو عدن، تهديدا وجوديا للمجلس الانتقالي الجنوبي، والوجود الإماراتي الداعم له ولتشكيلاته المسلحة؛ لذلك كانت ردة الفعل مشتركة وقوية؛ حيث دفعت الإمارات بتعزيزات آلية لدعم قوات المجلس، وشنت طائراتها الحربية بين يومي 28-30 أغسطس/ آب، أكثر من 18 غارة على القوات الحكومية المهاجمة، بمناطق زُنجبار، ودُوفَس، ونقطة العَلَم، مخلفةً نحو 70 قتيلا وجريحا، ومجبِرةً بقية القوات على التقهقر إلى منطقة العرقوب في الشمال الشرقي لمدينة شقرة الواقعة شرقي عدن بنحو 100كم.

ساعدت ضربات الطيران قوات الحزام الأمني المرابطة في عدن، وقوى الأمن الداخلي، وقوات مكافحة الإرهاب، وقوات الحزام الأمني بمحافظة الضالع، وتشكيلات من القوات المشتركة المرابطة في الساحل الغربي، من استعادة زمام المبادرة، والسيطرة على بؤر التوتر التي اندلعت في عدن، والسيطرة على المناطق التي انسحبت منها القوات الحكومية تحت قصف الطائرات الحربية الإماراتية.



[إقرأ أيضاً.. "واشنطن بوست" تضع ستة أسباب لتفسير أهمية الأزمة الراهنة في جنوب اليمن]


بالرغم من ذلك، لم يتمكن الهجوم المعاكس لقوات المجلس الانتقالي، من استعادة أي من المناطق التي استولت عليها القوات الحكومية بمحافظة شبوة التي باتت خاضعة، كليا، للحكومة الشرعية، بما في ذلك موانئها، وحقولها ومنشئاتها النفطية والغازية في بلحاف.

ويمكن إبراز أهمية هذه السيطرة في ما يلي:

1-  قطع الاتصال الجغرافي والعملياتي بين مناطق نفوذ المجلس الانتقالي والإمارات، شرقا وغربا.
2- تعطيل قوات النخبة الشبوانية المدعومة إماراتيا، بحلها ودمجها ضمن القوام البشري لوزارة دفاع الحكومة الشرعية.
3- تعطيل هيمنة مركز قيادة العمليات الإماراتي في محطة بلحاف لإنتاج الغاز المسال.
4- الحصول على واجهة بحرية خالصة السيطرة للحكومة الشرعية، على خليج عدن.



النتائج وآفاق المواجهة المتوقعة

كشفت هذه الأحداث هشاشة البنية العسكرية والقدرة الدفاعية لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، ومدى حاجته للدعم العسكري الإماراتي، أمام أي القوات الحكومية، لولا تدخل الطيران الحربي الإماراتي، الذي أنقذ قوات المجلس، بوصفها قوات محسوبة على الإمارات وتخضع لها تمويلا وقيادة.

استفادةً من درس ما حدث، باشرت قوات المجلس الانتقالي إلى تعزيز الدفاع في مداخل عدن، وفي المناطق ذات الاختراق السهل، وأمام المراكز الحكومية، فيما تقوم الإمارات بإمدادها بالأسلحة والمعدات، وتحاول استغلال الوقت لتمكين المجلس، سياسيا وعسكريا، من بقية المحافظات الجنوبية والشرقية، بما في ذلك جزيرة سقطرى، التي تثور شكوك حول سعي المجلس الانتقالي فيها، للانقلاب على حاكمها المعين من قبل الحكومة الشرعية.

من ناحية أخرى، يضاعف الموقف السعودي المخاتل، التحديات التي تواجه السلطة الشرعية، وقد تدفع السعودية هذه السلطة نحو مفاوضات لا تقل كارثية عن مفاوضات السويد مع الحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، التي مكنتهم من مدينة (ميناء) الحديدة، وأتاحت لهم التفرغ للجبهات الأخرى؛ وذلك ما قد يسلكه المجلس الانتقالي، وبدعم إماراتي، لتعزيز قبضته على عدن، واستكمال السيطرة على المحافظات الجنوبية والشرقية.

 

*?????¹???? ?????§???????°???????¨على الذهب: دكتوراه في تكنولوجيا النقل البحري، ومحلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، وكاتب دراسات في مراكز أبحاث عربية.

 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"  ©2019 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر