تقرير لـ"الفورين بوليسي" عن الحرب الخفية بين الحكومة والحوثيين للسيطرة على الأنترنت في اليمن (ترجمة خاصة)

في يونيو من هذا العام، تسلل مزود جديد لخدمة الإنترنت بهدوء إلى شبكة الإنترنت في اليمن. والتي أنشئت بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة وبمعدات صينية، وأطلق عليها اسم "عدن نت"، لتفتح من خلالها حكومة عبد ربه منصور هادي في اليمن جبهة أخرى جديدة ضد خصومها الحوثيين.
 
وفي حين ركزت تغطية الحرب الأهلية في اليمن على الدمار المادي الهائل- حيث عشرات الآلاف من القتلى والمجاعة التي تلوح في الأفق- فقد برز صراع آخر في الخفاء، هي: حرب من أجل السيطرة على الإنترنت في البلاد.
 
بدأت تلك الحرب الخفية، عندما اجتاح المتمردون الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014. حيث لم يستولوا على كرسي السلطة فحسب، ولكنهم استولوا على البنية التحتية الرئيسية للإنترنت في البلاد، مما سمح للجماعة الحوثية بتصفية (فلترة) الإنترنت، ومراقبة حركة المرور على الشبكة، وحتى القيام بعمليات التشفير الخفية، وفقا لتقرير جديد أصدرته شركة ريكورديد فيوتشر Recorded Future للأمن السيبراني (أمن الأنترنت).
 
وقال غريج ليسنويش، وهو محلل في مجال تهديد المعلومات الاستخباراتية لدى شركة ريكورديد فيوتشر، إنه وفي "خضم الحرب الأهلية اليمنية، تتنافس الاطراف أيضًا على التحكم في الوصول إلى الإنترنت". وليسنويش هو أحد مؤلفي التقرير المذكور، والذي سيقدم الأربعاء في حفل تدشين مؤتمر الحرب السيبرانية CyberwarCon
 
وفي حين أن السيطرة على الإنترنت في مناطق النزاع ربما تطلبت في السابق قدرات عسكرية متقدمة، فإن انتشار تكنولوجيا المراقبة والوعي المتنامي بالإنترنت كأداة للحرب قد جعلت الجماعات المسلحة حتى في أكثر البلدان فقراً تنظر الى شبكة الانترنت باعتباره سلاح يمكن  تسخيره.
 
وبالنسبة للحوثيين، المدعومين من إيران، فقد وفر لهم الانترنت اليد العليا في تشكيل التصورات حول الحرب. حيث يقول آدم بارون، وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وأعد تقارير كثيرة من اليمن، إن "الحرب الإعلامية هي جبهة أخرى متكاملة للحرب الحقيقية".
 
ومن أجل التحكم في الوصول إلى الإنترنت في اليمن، لجأ الحوثيون إلى حل تجاري بسيط عبر شركة نيتس ويبر- Netsweeper الكندية، التي تبيع تكنولوجيا خاصة بتصفية (فلترة/ تنقية) صفحات الويب وحظرها. ومنذ أن استولى الحوثيون على السلطة، قاموا في بعض الأحيان بحجب كل من فيسبوك وواتساب وتليغرام وتويتر بالإضافة الى مواقع أخرى، بما في ذلك بعض المواقع التي تنشر تقارير ترصد تحركات قوات الحوثي.
 
وبلا شك، فإن الرقابة على الإنترنت ليست جديدة على اليمن ولا هي فريدة من نوعها بالنسبة للحوثيين. حيث تم حجب العديد من مواقع المعارضة في ظل حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ولا يزال من الصعب الوصول إلى مثل هذه المواقع في ظل سلطة  الحوثي.
 
وتعد هذه القيود المفروضة على المحتوى نسخة ممتدة من السيطرة على الإنترنت في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. حيث حجبت مصر العديد من المواقع الإخبارية، كما تحظر لبنان الوصول إلى 11 موقعًا إسرائيليًا وفقًا لبنود مرسوم صدر عام 1963 والذي يدعو إلى مقاطعة (اسرائيل)، كما تحظر المملكة العربية السعودية المستخدمين من الوصول لمجموعة واسعة من المواقع التي تعتبرها مزعجة.
 
لكن في بعض الأحيان بدى المتمردون الحوثيون أكثر تطرفا وتجاوزا للحدود. ففي كانون الأول 2017، قطعت الجماعة خدمة الإنترنت في البلاد لمدة 30 دقيقة بالكامل، في محاولة لمنع انتشار أشرطة الفيديو التي تظهر الفظائع التي ترتكبها قوات الحوثيين. وفي يوليو، قطعت الجماعة خدمة الانترنت عن  80 في المائة من مستخدمي شبكة "يمن نت"، وهي الشركة التي توفر خدمات الإنترنت وتسيطر عليها الجماعة، وذلك عندما تسببت الجماعة الحوثية بتمزيق كابل الألياف الضوئية في مدينة الحديدة أثناء قيامها بتحصين الدفاعات الحوثية هناك.
 
وتمثل الحديدة نقطة ساخنة رئيسية في الحرب الأهلية- سواء في الصراع الحقيقي أم الرقمي. وفي الوقت الذي يُعد فيه ميناء الحديدة نفسه المنفذ الرئيسي لدخول الإمدادات الإنسانية فهو أيضا يعتبر المكان الذي تنتهي فيه اثنين من أربعة كابلات بحرية تربط اليمن بالإنترنت. في حين أن الخطين الآخرين يخرجان من البحر في محافظة عدن، الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي المدعومة من السعودية.
 
وفي حال استعادت القوات المدعومة من المملكة العربية السعودية السيطرة على الحديدة، فإنها ستسيطر أيضاً على جميع كابلات الألياف الضوئية التي توفر الوصول إلى الإنترنت للبلاد، مما يعزز من قدرتها على قطع أو مراقبة استخدام الإنترنت.
 
ومن خلال الإشراف على البنية التحتية للإنترنت في صنعاء، فقد امتلك الحوثيين القدرة على اعتراض حركة المرور (الالكترونية) والتطفل على العديد من مستخدمي الإنترنت في البلاد، وفقاً لما يقول ألان ليزكا، وهو محلل أمن إلكتروني مخضرم، وأحد معدي تقرير شركة ريكورديد فيوتشر (Recorded Future).
 
إن مدى نشر الحوثيون لهذا النوع من تكنولوجيا المراقبة لازال غير واضحا، لكن الباحثين يقولون إن سكان صنعاء يخشون بشدة من قدرات التجسس الخاصة بالحوثيين.
 
وقال الصحفي والباحث غريغ جونسن الذي كتب الكثير عن اليمن، إن "لدى الحوثيون فهم ومعرفة جيدة لما يحدث في صنعاء". ويؤكد أن جزء من ذلك "يأتي من الاستخبارات البشرية"، لكن "المتوقع هو أن بعضًا من ذلك يحدث من خلال الإنترنت".
 
وقال ليزكا إنه أيضاً جمع أدلة على أن الولايات المتحدة وروسيا تقومان بنشر أجهزة المراقبة الرقمية الخاصة بهما في اليمن، وبأنه لاحظ توقيعات البرامج الضارة- وهي نوع من البصمات الرقمية- لأدوات المراقبة المرتبطة بالبلدين على الشبكة اليمنية.
 
كما يظهر أن الحوثيين أيضا قد تمرسوا على استخدام تقنيات أكثر غرابة ذات صلة بالإنترنت. فعند فحص الإنترنت اليمني، لاحظ الباحثون لدى شركة ريكورديد فيوتشر Recorded Future حدوث عملية تشفير صغيرة تعمل على أجهزة التوجيه الخاصة بشركة يمن نت اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون.
 
وتنطوي عمليات التشفير الالكترونية على حلول لمسائل حسابية رياضية مكثفة تشكل أساس هذه العمليات التشفيرية. وفي المقابل، تتم مكافئة الكمبيوتر الذي يكمل تلك الحسابات بحدوث التشفير الخفي.
 
وبحسب شركة ريكورديد فيوتشر "Recorded future"، لا يمكن ربط عملية التشفير بشكل نهائي بالحكومة الحوثية. غير أن احتمالية أن الحوثيين يعملون على استكشاف استخدام مثل هذه التكنولوجيا هو أمر يتوافق مع هذه النزعة المتزايدة. بحسب الباحثة وينونا ديسومبر، وهي واحدة من معدي التقرير المذكور.
 
وقالت ديسومبر "هذه حكومة أخرى- (تقصد حكومة الحوثيين)- معزولة من قبل المجتمع الدولي وتعتقد أنها يمكن أن تقوم بعمليات التشفير كوسيلة للحفاظ على دعم نظامهم المالي". وأضافت "لقد استخدمت كوريا الشمالية أيضًا عمليات التشفير في الماضي كوسيلة للالتفاف على العقوبات الدولية."

- للوصول إلى التقرير الأصلي على موقع مجلة الـ"فورين بوليسي" الأمريكية.. هنا
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر