بعد انقلاب سبتمبر/أيلول 2014، وما لحقها من اندلاع للحرب في مختلف أنحاء البلاد، أواخر مارس/ آذار 2015، أضطر عدد من اليمنيين إلى النزوح الداخلي أو الهجرة الخارجية، بينهم أكاديميين تركوا جامعاتهم بعد أن ضاقت بهم سبل العيش وفُقدوا الأمن والأمان كسائر المواطنين.
 
ومن تبقى منهم، لم يسلم من مضايقات مليشيات الحوثي الانقلابية التي لم تقتصر مضايقاتها على مناوئيها فحسب، بل طالت مختلف شرائح المجتمع، فزجت بالألف في معتقلاتها، كما فصلت العديد من أعمالهم.
 
 ومن لم يطاله التضييق والفصل من أساتذة الجامعات، تم حرمانهم من مرتباتهم الشهرية، مصدر الرزق الوحيد لمعظم اليمنيين، والتي توقف صرفها عن سائر موظفي الدولة منذ أكثر من عام ونصف، إثر نهب الحوثيون للاحتياط النقدي للبنك المركزي، وتبديدهم أموال الدولة، والاقتصار على صرف الموارد التي يتحصلونها بالملايين، على مقاتليهم في الجبهات.
 
وتشير الإحصائيات بأن عدد النازحين داخليا تجاوز عددهم أربعة ملايين، حتى نهاية مايو/ أيار العام الماضي (2017). فيما بلغ عدد النازحين خارج اليمن أكثر من 312 ألف نازح، موزعين على عدد من الدول العربية والأجنبية. وفق تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين.
 
بيئة صعبة
 
وتتبع "يمن شباب نت"، هجرة بعض الأكاديميين اليمنيين خارج البلاد، بعد الانقلاب. بينهم عميد كليه الإعلام سابقا عبد الرحمن الشامي، الذي التحق بالعمل الأكاديمي بجامعة صنعاء في 2004.

بعد اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن، هاجر الشامي إلى دولة قطر "رغبة بالعيش في بيئة تعليمية أفضل، تتحقق فيها فرص تطوير الذات على المستوى المهني"، كما يؤكد لـ"يمن شباب نت". حيث توجد هناك جامعات رائدة على مستوى العالم، منها جامعة قطر التي تحرز تقدما في ترتيب الجامعات، وأصبحت في المرتبة الخامسة والثلاثين من بين 378 جامعة.
 
 
لكن ذلك لم يكن هو السبب الرئيسي لهجرته، كما يقول، بل وأيضا "البحث عن حياة آمنة، وكريمة"، والخروج من دائرة العيش الضيق في اليمن بعد انهيار الدولة، وغياب الخدمات الأساسية، كان أحد أبرز أسباب هجرته.
 
يضيف الدكتور الشامي: "كان اهتمامي كمواطن، ينحصر في توفير الماء والكهرباء والوقود للسيارة.. وغيرها من متطلبات الحياة الأساسية، في حين أن هذه الأشياء هي حق إنساني وأساسي، ويجب أن تتوفر تلقائيا، ولا تكون هي الشغل الشاغل للإنسان اليمني، فهذه أبسط مقومات الدولة، وأدنى حقوق المواطنة".
 
حياة الفوضى وغياب القانون، كان لهما أيضا دورا في هجرة الشامي "بحثا عن حياة إنسانية آمنة وكريمة ... وبيئة مناسبة لتنشئة أسرية سليمة، وبخاصة ما يتعلق بتوفير تعليم نوعي ومتطور، ورعاية صحية، والعيش في أمن وأمان".
 
بين معاناتين

وعلى العكس من ذلك، قد يضطر بعض الأكاديميين اليمنيين إلى الهجرة خارج اليمن، هربا من التضييق والمعاناة، لكن أوضاعهم في المهجر لم تكن بأفضل حال إلا من بالأمن والأمان تقريبا.
 
الدكتور عبد الباقي شمسان، الأستاذ المشارك بكلية الآداب- صنعاء، والمتخصص بعلم الاجتماع السياسي، فقد هاجر إلى تركيا عقب انقلاب 2014. وكان دافعه لمغادرة اليمن- كما يؤكد: معرفته بثقافة المليشيات الحوثية، وما ستفرضه من إجراءات في سياق الثورة المضادة للجماعة الإمامية.
 
ويشير شمسان، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى أنه تعرض كذلك لمحاولة اغتيال قبل الانقلاب، رغم أنه والعديد كانوا يتحدثون بخطاب متزن، متسائلا: فكيف الحال بعد الانقلاب، وما يتوجب القيام به في وسائل الإعلام بهدف كشف الحقائق وتعبئه الجماهير؟
 
وإثر الانقلاب، زار شمسان جامعة صنعاء، حيث كان يقوم بالتدريس، وبعض المؤسسات، فوجد أنه من الصعب أن الصمت (على ما يحدث)، لذلك قرر أنه ولابد أن يكون في مكان آخر هو وأسرته- كما يقول- حتى يتمكن من القيام بدوره بعيدا عن الضغوط والتهديدات.
 
تم فصل شمسان من الجامعة، نتيجة أرائه المناهضة للانقلابين الحوثيين، كما تصله العديد من التهديدات، حسب تأكيده.
 
صعوبات
 
ويؤكد الدكتور عبد الرحمن الشامي، على أن قرار الهجرة "ليس بالقرار اليسير، ومغادرة الوطن والأهل والأصدقاء ليس بالأمر السهل، والانتقال من بيئة إلى بيئة أخرى، من الطبيعي أن تكتنفها بعض المعوقات".
 
واستدرك "لكن بحمد الله، لم تكن هناك صعوبات تذكر، فقد ذللت لنا كافة الصعوبات، وتوفرت لنا سبل العيش الكريم من أول لحظة وصولي مطار الدوحة، وحتى اليوم".
 
أما الدكتور عبد الباقي شمسان فبيَّن أن الكثير من الأبواب كانت مغلقة أمام اليمنيين للسفر إلى العديد من البلدان، ويعاني هو شخصيا من انقطاع التواصل مع السلطة الشرعية ونخبها، "علاوة على عدم التعامل معنا تماما من قبل المسئولين المتواجدين في الرياض: لا مرتبات، لا دعم، لا تواصل بخصوص العمل حاليا".
 
ويقوم شمسان حاليا بالتدريس بالساعات في بعض الجامعات العربية، بهدف الاستمرار في مجال تخصصه، إضافة إلى إعداد الدراسات والتحليلات للمراكز البحثية ووسائل الاعلام.
 
لكن ذلك- كما يقول "لا يوفر أدني متطلبات الحياة"، الأمر الذي دفعه إلى اتباع ترتيب تدريس دائم، خاصة وأن الأوضاع في اليمن تحتاج إلى وقت طويل، لافتا إلى أنه حتى وإن تم الذهاب نحو تسوية قسرية، فهو ومن تصدروا المشهد العام لديهم الكثير من الخصوم، وقد يكونون هدفا للاغتيال..
 
وما تزال الهجرة حتى اليوم طريق العشرات من الأكاديميين والسياسيين والنشطاء، نتيجة استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد، في ظل غياب أي أفق لحلول سياسية نحو سلام دائم.
 
قالت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إن ما يقرب من 1.5 مليون شخص فروا من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل البلاد، وأوضاعهم صعبة وهم في حاجة إلى مساعدات طارئة.
 
وقال رئيس الصليب الأحمر الدولي إن حدة الصراع، في خمسة أشهر فقط، جعلت من اليمن يبدو مثل سوريا بعد خمس سنوات.