جاءوا من الحزن!


محمد علي محروس

 لا أعرف الكثير عن حمزة، ابن عمتي، الذي سجّل بالأمس هدفين قاد بهما اليمن إلى نهائيات آسيا للناشئين؛ كوني غادرت قريتي وهو صغيرًا، لكن موهبته كانت ذائعة الصيت في قريتنا، وهي قرية تقع شرق مديرية الجراحي الواقعة جنوب الحديدة، حيث يتجمع صغارها والشباب لممارسة شغفهم الكروي هواية للعبة الشعبية الأولى في البلاد.

قبل نحو ثلاثة أعوام اضطرت الحرب حمزة معية أسرته للنزوح إلى مدينة تعز، غير مدرك لما يمكن أن يقوم به، لمواجهة مستجدات الحياة الجديدة، والغريبة عليه في آن واحد.. لكنه لازم شغفه الكروي ولعب في نادي الطليعة ومنه إلى أهلي تعز؛ ليصبح لسان حال الكرويين في المدينة، وهو ما فتح له الباب لتمثيل اليمن في تصفيات الناشئين، بعد أن قدّم أداءً مبهرًا خلال الدوري التنشيطي في تعز.

لو بقي حمزة في قريته لما وصل إلى ما وصل إليه، هذه حقيقة مسلّمة، لكن في المقابل لم يصل إلى هذه النجومية محض صدفة، بل واجه الكثير من المعاناة، في مدينة لا تزال محاصرة، عايش آلامها وأحزانها، وذلك دافع كاف لأن يبدو كما بدا، حاملًا على عاتقه همّ صناعة الفرحة التي يفتقدها اليمنيون منذ خمس سنوات، لذا سارع للقول بأنه يمثل كيان اليمن برمته، في رسالة ضمنية لقادة الحرب في البلاد، وصنّاع الحزن الذين لا يدّخرون جهدًا في تنويع أساليبهم وابتكار طرق جديدة للتنكيل باليمنيين.

حال حمزة لا يختلف عن زملائه الذين كابدوا المشقات وتجاوزوا الصعاب؛ حتى يستطيعوا الوصول إلى قطر؛ كي يتمكنوا من صناعة الفرحة المغيبة..

لقد جاءوا من الحزن والألم، جاءوا من المأساة والشتات، جاءوا من ويلات الصراع ونوائب النزاع، ولم يستسلموا لأي شيء من ذلك، فهدفهم المرسوم، أنجزوه على أكمل وجه، ورسموا ابتسامةً عريضةً على وجه اليمن العابس، وأوجدوا مساحة واسعة للتآلف والالتفاف الوطني، ليصطف الجميع خلفهم، في صنعاء وعدن، حيث عُزف النشيد ورفرف العلم، واغرورقت أعين اليمنيين المتابعين بالدموع، وساد الحماس مدرجات الملعب تحت هتاف الفداء لليمن بأنفس ما يملكون، وهو ما عجز عنه السياسيون على مدى سنوات من المباحثات والمفاوضات العقيمة!

جدير بالمعنيين أن يهتموا بهذا الجيل الناشئ، ويوفرون له كافة مستلزماته؛ ليتمكن من تحقيق فرحة كبرى، ينتظرها اليمنيون كي يستطيعوا تجاوز واقعهم المرير المليء بالآهات التي لا تتوقف، ومثلهم منتخبنا الأول أيضًا المستحق للدعم والمساندة، فتغلّبهم على كل ما يواجهونه كفيل بأن نرفع لهم القبّعة، وأن يلقوا حقهم من الرعاية والاهتمام، فقد أبدعوا وقدّموا مستويات لائقة بهم، رغم قصر فترة التحضير وقلة الإمكانيات مقارنة بالمنتخبات الأخرى.
هذه الجوانب الجامعة تستحق أن نحتشد خلفها، ونشيعها، ونصطف إلى جانب أصحابها، فواقع حالنا بحاجة لأن نتكاتف أكثر، ونتآلف ونتحد، لا أن نقحم السياسة وسوادها المفزع في كل تفاصيلنا، ولا أن نجعل للحرب يدًا في كل شيء؛ إذ يكفيها ما فعلته وتفعله بنا منذ سنوات.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر