مرضى الفشل الكلوي بتعز.. مأساة مركبة لواقع فرضه حصار الحوثيين والحرب في اليمن 

[ مرضى ينتظرون دورهم في مركز الغسيل الكلوي بمدينة تعز (يمن شباب نت) ]

بشكل اعتيادي يجلس "عبده علي فتى" (65 عاماً) يومين من كل أسبوع أمام بوابة مركز "الغسيل الكلوي" في مستشفى الثورة بمدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية بانتظار خروج زوجته من جلستها التي تستغرق ساعات. 
 

اضطر الحاج "فتى" وزوجته وطفليه، ناصر وحسناء (13 و10 أعوام) للإقامة في مدينة تعز بسبب مرض زوجته، وحاجة طفليه لرعاية طبية مستمرة كونهما يعانيان من تكسر الدم، فيما أسرته في مديرية المخا الساحلية (غرب تعز)، في قصة تعكس جانباً قاسياً من المعاناة التي خلفتها الحرب والحصار الذي قطع أوصال مدينة تعز عن أطرافها. 
 

ومنذ نحو ثمانية أعوام تفرض مليشيات الحوثي المدعومة من إيران حصار خانقا على مدينة تعز، الأمر الذي فاقم معاناة المرضى في المديريات الريفية والمحافظات الأخرى الذين يقصدون مركز الغسيل الكلوي في المدينة، بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية للسكان. 


       الحاج "عبده على فتى" ينتظر زوجتة حتى تكمل الغسيل الكلوي في مدينة تعز (يمن شباب نت)


معاناة مضاعفة

بمرارة وألم يقول فتى لـ"يمن شباب نت"، "كنا نأتي إلى هنا مرتين أسبوعيا لنقوم بغسيل كلوي لزوجتي ومتابعة حالة أبنائي الصحية وتغير لهما الدم بين حين وآخر، ومسافة الطريق لا تزيد عن ساعتين وتكاليف المواصلات لا تصل إلى 2000 ريال". 
 

وقال: "لكن المسافة تضاعفت عدة مرات والتكاليف أيضاً بسبب الحرب والحصار، ولم نعد قادرين على الذهاب والعودة". وإلى جانب معاناة زوجته بالفشل الكلوي وطفليه بتكسر الدم، يعاني هو الأخر من مشكلة صحية في صمامات القلب. 
 

وتابع فتى حديثه، "كان لدي سيارة أعمل بها وأعيل أسرتي. كان حالنا مستورا نوعا ما ولكن المرض والحرب سلبوا منا الحياة وكل ما نملك وها نحن نعيش على دعم فاعلي الخير". 
 

يقاطعه طفله ناصر:" بداية الحرب كان الحوثة يوقفونا في النقاط ويمنعونا من العبور إلى المدينة وأبي يهرب بسيارته فيرموا علينا الرصاص، كنا نموت من الخوف فتحضننا أمي وتحاول تهدئتنا". 
 

ويواصل الأب حديثه: "بكل الحالات نحن أموات، فتلك المخاطرة كانت الطريقة الوحيدة للعبور والهروب من الموت وإلى الموت ربما". 

 

صراع مع المرض والحرب
 

عام 2017، وعند خروجها من مركز الغسيل الكلوي، أصيبت زوجة فتى بشظية قذيفة حوثية سقطت في فناء المستشفى، لتدخل مرحلة جديدة من المعاناة، لمريضة مصابة بالفشل الكلوي تعيش حياتها على الغسيل مرتين اسبوعياً بحدود الإمكانيات المتاحة رغم حاجتها لأكثر من 3 غسلات أسبوعياً. 
 

يعيش فتى مثقلاً بتبعات الحاجة المستمرة للعلاج لزوجته وأطفاله وهو، فأنى لعجوز مريض وعاطل عن العمل مثلي كل هذا المبلغ". 

منذ نحو شهرين، انتقل فتى وأسرته للسكن في "دكان" قرب سوق "الأشبط" بالقرب من مستشفى الثورة، ويدفع أحد فاعلي الخير ايجاره عنهم.

عاش فتى خمسة أعوام داخل هيكل سيارة معطلة في فناء المستشفى. زوجته وطفلاه عاشا معه لبعض الوقت فيها قبل أن ينتقلوا لسكن خيري وفرته جمعية معاذ الخيرية للنساء، فيما بقي هو داخل السيارة.
 

لم يحصل فتى مساعدات من قبل أي منظمة إنسانية كونهم كانوا يعيشون بسيارة داخل مستشفى بعيداً عن الأحياء السكنية، وليسوا محسوبين على أي حارة، على حسب قوله. 
 

مرض وفقر

ويصف مدير مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة بتعز فهمي الحناني حال المرضى بأنه "مؤلم جداً"، يجتمع الفقر والمرض والتشرد في رجل مسن يحمل على عاتقه أسرة مريضة".
 

وقال الحناني لـ"يمن شباب نت"، إن المريضة فاطمة (زوجة فتى) من أقدم الأمراض الذين أتوا إلى هنا فهي تعاني من الفشل الكلوي منذ مطلع عام 2011، وبسبب الحصار على المدينة استقرت هنا مع أطفالها وزوجها، حيث كانت تأتي قبل ذلك من المخأ". 


"فاطمة" هي واحدة من بين 226 مريضا مسجلون بمركز الغسيل الكلوي بشكل رسمي بالإضافة إلى الحالات الطارئة التي تأتي إليه ويجري المركز 88 جلسة غسيل يوميا رغم إمكانياته الشحيحة.
 

"كان الحاج عبده وطفلاه يبتون تحت الشجر أحيانا لتنام فاطمة داخل السيارة، أو يتم استدعاؤها إلى قسم الطوارئ في الساعات الأخيرة من الليل لتنام فيه في حالة عدم وجود أمراض"، وفق الطبيب الحناني. 
 


مناشدة إنسانية

ويناشد الحناني المعنيين وفاعلي الخير والمنظمات الإنسانية الالتفات إلى مثل هذه الحالات المأساوية التي تحتاج إلى رعاية صحية ودعم مادي، وإمكانيات علاج ومأوى فوق قدرتها على التحمل، إضافة لدعم المركز الذي يعمل بدعم فاعلي الخير، وإذا توقف فإنهم حياة جميع المرضى سيهددها الموت.  
 

يودعنا الحاج "عبده فتى" بدموع تنحدر بألم على وجنتيه قائلا:" المرض يفتك بنا والفقر يقتلنا ولا جهات داعمة، يأتوا إلينا الصحفيين فنرى بهم باب أمل ويغادروا محملين بأسى أوجاعنا بلا عودة أو فائدة ولا رجع صدى". 
 

ثمة قصص كثيرة هنا في مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة في تعز أو في غيره تختلف عن معاناة أسرة فتى أو تشابهها في بعض أوجهها، لكنها الحياة السوداء القاسية لمن يعيشها بانتظار تعاون وتعاطف الآخرين.  
 

ويعكس هذا جانباً للمأساة التي يعشيها اليمنيين منذ ثمان سنوات من الحرب التي لازالت مستمرة، في ظل غياب الأفق لانتهائها، في ظل توسع الكارثة والمعاناة التي يفرضها الحوثيين بشكل مضاعف بمواصلة حصارهم على مدينة تعز، ورفض الحلول الأممية. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر