"ميدل ايست أي" البريطاني يكشف عن حجم معاناة اليمنيين في صنعاء جراء أزمة الوقود

[ يحمل سائق دراجة نارية يمني زجاجة وقود بعد شرائها من محطة بنزين وسط نقص في الوقود في العاصمة صنعاء (أ ف ب) ]

برزت أزمة وقود مدمرة في العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، مما ترك الآلاف من السائقين والركاب محاصرين أو بلا نقود .
 
كان سامي أبو بكر ذو الـ 33 عاماً يستقل حافلة من منزله للعمل مقابل 100 ريال يمني (0.60 دولار) غير أنه خلال اليومين الماضيين تضاعفت هذه الأجرة وأصبح يتوجب عليه الآن دفع 200 ريال مقابل المشوار نفسه.
 
وقبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2015 - لتضع الحوثيين في مواجهة حكومة عبد ربه منصور هادي المدعوم من تحالف تقوده السعودية, كانت اليمن بالفعل أفقر دولة في العالم العربي.

وقد اشتد ذلك الوضع فقط خلال الصراع حيث وصفت الأمم المتحدة اليمن بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم ومنظمة إنقاذ الطفولة (غير الحكومية) تحذر اليوم من أن خمسة ملايين طفل معرضون لخطر المجاعة.
 
ويخشى أبو بكر من أن يؤدي الارتفاع الأخير في أسعار الوقود إلى تفاقم حالة البؤس التي يعاني منها اليمنيون، لأنه لا يستطيع الآن دفع تكاليف النقل وإطعام أسرته.

وقال أبو بكر لـ "ميدل إيست آي": "لجأت إلى الذهاب إلى العمل بالحافلات والعودة إلى منزلي سيراً على الأقدام لأن راتبي لا يكفي لدفع تكاليف النقل".. مضيفا "لقد اضطررت بالفعل إلى حرمان نفسي وعائلتي من أشياء كثيرة واليوم أجبرتني رسوم الاجرة الجديدة على المشي سيرا على الأقدام ".
 
ويعمل أبو بكر في شركة إلكترونية محلية ويتلقى 43 ألف ريال يمني أي ما يساوي (70 دولارًا) شهريًا. وفي ظل الرسوم الجديدة للتنقل؛ فإن نصف ذلك المبلغ من شأنه أن يصرف على وسائل النقل إذا لم يلجأ إلى المشي.
 
وعلى الرغم من أن رحلته تستغرق 15 دقيقة فقط بالحافلة فإن الرحلة سيرًا على الأقدام قد تستغرق ما يصل إلى ساعة.

وقال :"كمواطن لا أعرف من يقف وراء أزمة الوقود لكنني أعرف أن المدنيين هم ضحايا جميع الأزمات في اليمن وليس هناك من يساعدهم."
 
أسباب أزمة الوقود

 
قال مصدر في شركة النفط بصنعاء لـموقع "ميدل إيست آي" إن هنالك عدة أسباب وراء أزمة الوقود الحالية، واعداً بأنها ستحل قريباً.

وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لانه غير مخول بالتحدث لوسائل الإعلام "زيادة الدولار مقابل الريال اليمني والمعارك في الحديدة هما السببان الرئيسيان وراء هذه الأزمة."

وقد فقدت العملة اليمنية نصف قيمتها السوقية منذ اندلاع الحرب في عام 2015، وهوت بسرعة كبيرة في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع أنواع السلع الأساسية في البلاد.
 
وفي الوقت نفسه أدى هجوم القوات الموالية للحكومة على مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون والتي تستقبل ما يصل إلى 80 في المائة من واردات اليمن ، إلى تزايد النقص.
 
وقال المصدر "التجار يشترون الدولار مقابل أكثر من 620 ريالا من السوق السوداء، وهناك تهديدات بأن المعارك قد تستهدف شاحنات الوقود في الحديدة لذا فهم قلقون من استيراد الوقود وسط هذه المعارك."

ومع ذلك -بحسب المصدر - فقد منحت فترة الهدوء النسبي مؤخرا للقتال على جبهة الحديدة التجار باستيراد المزيد من الوقود ومن ثم المساعدة في تخفيف الأزمة.

ووفقاً للمصدر فإن الأزمة تفاقمت أيضاً بسبب قيام اليمنيين المتخوفين بشراء البنزين بدلاً من أخذ ما يكفيهم فقط لذلك الوقت.
 
وأضاف المصدر "الخوف من المستقبل يقود الناس إلى تخزين الوقود في منازلهم وهذا يزيد من تفاقم الأزمة."
 
على الصعيد الرسمي لا يمكن أن يدخل الوقود إلى الشمال قادما من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة حيث سيتم إيقافه عند نقاط التفتيش إلا أن البعض يتم تهريبه عبر الجبال.
 
خزانات فارغة
 
على امتداد المناطق التي يسيطر عليها الحوثي في ??اليمن والتي تشمل معظم غرب البلاد - بما في ذلك العاصمة صنعاء - تقبع محطات الوقود فارغة من الوقود، حيث تتحكم السوق السوداء في إمدادات الوقود وأسعارها وعندما يكون لدى محطات الوقود وقود للبيع فإنها تبيعه في أقل من ساعة.

وقبل بدء الأزمة في وقت سابق من هذا الأسبوع كان سعر 20 لترا من الوقود يكلف 8000 ريال. والآن ارتفع هذا الرقم إلى 16000 مع ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات التي تعتمد على الوقود نتيجة لذلك.

وتكلف شحنات المياه التي يعتمد عليها كثير من اليمنيين 7 ألف ريال لشاحنة بحمولة ألف لتر بعد كانت تكلف 4 ألف ريال، وحتى حجم أرغفة الخبز قد تناقص.
 
وبينما يكافح اليمنيون العاديون للتكيف مع الوضع الجديد, لا يعاني الحوثيون والأثرياء من مثل هذه المشاكل.

فعندما يتعلق الأمر بالحصول على الوقود حال وصوله، يكون للحوثيين الأولوية دائماً أما اليمنيون الأثرياء فبمقدورهم أن يلجئوا إلى السوق السوداء للحصول على ما يحتاجون إليه.
 
وقال أبو بكر: "أعتقد أنهم [بائعو السوق السوداء] يشترونها من محطات البنزين في السر ويبيعونها بسعر مضاعف ".

وعلى الرغم من أن الوقود يتدفق بحرية أكبر في السوق السوداء، إلا أن الطلب هناك هائل للغاية ونتيجة لذلك، يمكن للبائعين فرض أي سعر يرغبون فيه بدون وجود لوائح تنظم ذلك.
 
طوابير التعبئة
 
أصدرت شركة النفط، الخاضعة للحوثين في صنعاء يوم الثلاثاء قائمة تضم 20 محطة بنزين مقررة لبيع الوقود مقابل 9000 ريال لكل 20 لترا في اليوم التالي .

وفي محاولة مستميتة لعدم تفويت فرصة شراء الوقود بأسعار معقولة، ينام مئات من مالكي السيارات والدراجات النارية في الشوارع خارج محطات البنزين لضمان مكانهم في قائمة الانتظار.

لكنه عندما افتتحت محطات البنزين يوم الأربعاء، لم يكن بمقدورها سوى بيع الوقود لبضع ساعات قبل أن تغلق بسبب نقص الإمدادات.

نجيب المسوري ذو الـ49 عاماً، أمضى ليلة الثلاثاء نائماً في سيارته ضمن صف من مئات السيارات التي تصطف للحصول على الوقود. حيث على الرغم من احتياطاته فقد فشلت محاولاته لشراء البنزين.

وقد تحدث نجيب لموقع ميدل ايست أي البريطاني بالقول "بدأت المحطة بضخ البنزين في السابعة صباحاً، وبحلول الثامنة قدم بعض الرجال المسلحين إلى المحطة وأطلقوا أعيرة نارية في الهواء وأخافوا الناس حتى قاموا بفتح الطريق أمامهم".

وأضاف "ملأ الرجال المسلحون البراميل بالبنزين وغادروا ثم أغلقت المحطة. أنا متأكد أنهم سيذهبون لبيع البنزين في السوق السوداء".
 
ويعتقد المسوري أن الحوثيين مسؤولون عن هذه الفوضى في صنعاء لأنها تحت سيطرتهم.

حيث يقول "إذا كان هؤلاء المسلحون ليسوا من الحوثيين فينبغي على الحوثيين إيقافهم. لقد أمضيت الليل كله في الشارع ثم لم أحصل على البنزين".

ويعمل المسوري كسائق سيارة أجرة لذا فهو يحتاج إلى بنزين للعمل وكسب لقمة عيش لأفراد أسرته السبعة. وفي ظل الأسعار الحالية فلا يمكنه تحقيق الربح.

واردات غير قانونية

لا توجد مشاكل من هذا القبيل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في اليمن ومع ذلك يعود 20 لترا من البنزين ب10000 ريال في السوق السوداء.غير أن استيراد وقود أرخص إلى المناطق التي يديرها الحوثي يعد أمر صعبا وخطيرا.
 
ونظراً لأن الوقود لا يمكن أن يعبر من منطقة إلى أخرى تخضع لحكام آخرين بشكل رسمي، فانه يتوجب على تجار السوق السوداء أن يهربوا وقودهم من الجنوب عبر الجبال والوديان - وأحياناً يدفعون الرشاوى عند نقاط التفتيش للسماح بمرورهم.

وقال بائع للبنزين في شارع خولان وسط صنعاء لصحيفة الشرق الأوسط: "ابن عمي في لحج التي تسيطر عليها الحكومة يشتري برميل نفط يومياً ... ثم يرسله لي إلى صنعاء.

وأضاف "نقاط التفتيش المؤيدة لهادي تعرقلنا أثناء قيامنا بتهريب الوقود من الجنوب لكن المهربين يمرون عبر الجبال وأحيانا يدفعون الرشاوى في حال ضبطتهم قوات مؤيدة لهادي".
 
وفي الوقت نفسه، يأمل أبو بكر في تخفيف القيود التي تفرضها الحكومة اليمنية وحلفاؤها السعوديون على الواردات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

وأضاف "أي حصار على الغذاء والوقود إنما يؤثر على المدنيين وليس الحوثيين، لذلك آمل أن يتمكن الناس من نقل الوقود من الجنوب إلى الشمال بسهولة لأننا جميع سكان نفس البلد".

المصدر الأصلي:موقع ميدل ايست أي البريطاني  
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر