القطاع الخاص اليمني في مواجهة الحوثي.. كلفة المقاومة أقل من الاستسلام (تقرير خاص)

[ مليشيات الحوثي تحتجز الناقلات التجارية في مداخل المدن الخاضعة لسيطرتها / ارشيفية ]

 انتفض القطاع الخاص في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثي، في بيان شديد اللهجة ضد المليشيا المدعومة من إيران، سرد فيه جملة من الجرائم والاعتداءات الحوثية ضد الشركات والمؤسسات التجارية بجميع مستوياتها.
 
وقال الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية بصنعاء في بيانه الصادر في 25 من مايو الجاري، إن مليشيا الحوثي تقوض نظام السوق الحر للاقتصاد الوطني، وتهدد برحيله وإغلاقه، كما تقوم بتأخير معاملات التجار، وتخالف القوانين والدستور، وتحتجز بضائع التجار في جماركها، في إشارة واضحة على ما يبدو إلى عدم استفادة التجار من فتح موانئ الحديدة، وكذا نهب البضائع واقتحام المقرات التجارية بالقوة وبيعها قسرا.
 
وأضاف البيان، -الذي اشتركت فيه معظم الغرف التجارية في مناطق سيطرة المليشيا-، إن "الحوثي يغلق الشركات بدون وجه حق ولا أمر قضائي ولا أي مبرر"، معلنا أنه يخلي مسؤوليته عن نفاد السوق من مخزونه الاستراتيجي، وتضرر الاقتصاد الوطني، وتوقف استيراد البضائع، وهجرة رأس المال.
 
تهديدات حوثية

بعد ساعات من نشر بيان الغرفة التجارية؛ شنت مليشيا الحوثي ضغوطا هائلة على الاتحاد العام للغرف التجارية وأجبرته على حذف بيانه، لكن بعد أن انتشر الخبر وطار سريعا في كل وسائل الإعلام.
 
وامتنعت المليشيا عن إصدار التعليقات إلى بعد ثلاثة أيام، حين ظهر وزير التجارة في حكومة الحوثي (غير المعترف بها) محمد المطهر، يرعد ويزبد على قناة المسيرة، ضد التجار، ويمهلهم أسبوعا واحدا لما قال إنه "فرصة لتصحيح أوضاعهم".
 
وأضاف المطهر في تصريحاته: "نؤكد أن القائمة السعرية التي حددتها المليشيا نافذة، وأنها ستلزم بها جميع التجار"، مدعيا أنها وفقا للقوانين!!.
 
وتنص المادة الأولى من الفصل الاقتصادي في الدستور على حرية النشاط الاقتصادي، وهو ما يخالفه قرار الحوثة.
 
أكثر من ذلك حصرت مليشيا الحوثة الهجوم على تجار السلع الغذائية، في مؤشر مهم على عزمها السيطرة على هذا القطاع بعد سلسلة من الهجمات التي أسفرت عن السيطرة على عدة قطاعات مثل قطاع الاتصالات، والوقود، والأدوية، والعقارات، والبنوك، والصرافة.
 
شمل الهجوم أبرز المجموعات التجارية الغذائية وخاصة مجموعتي هائل سعيد والكبوس. كما منعت مليشيا الحوثة في منافذها الجمركية الانفصالية المستحدثة مئات الشاحنات التي تحمل الدقيق من دخول المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
 
وبحسب مصدر خاص لـ"يمن شباب نت" فإن "هناك أكثر من 400 شاحنة تحمل الدقيق مازالت محتجزة في جمرك الراهدة الحوثي في جنوبي محافظة تعز، ومنعتها المليشيا من التوجه إلى الأسواق".
 
تحديد الأسعار لا يشمل سلع تجار الحوثي

دشنت مليشيا الحوثة هجماتها على القطاع الخاص غير المنتمي لها، بإصدار وزارة التجارة والصناعة في صنعاء أسعار تلزم التجار والشركات التقيد بها، بما يكبد التجار خسائر فادحة. وتقول الوزارة إن ذلك في صالح المواطن.
 
ويقول التجار كما في حالة تجار الكهرباء إن "مليشيا الحوثي تجبرهم على شراء الوقود من السوق السوداء، بسعر مضاعف، ثم تحدد الأسعار بناء على تكاليف المازوت، وهو الأمر الذي أدى إلى خسارة ملايين الدولارات على محطات الكهرباء".
 
وقال تجار لـ"يمن شباب نت" إن "مليشيا الحوثي ووزارة تجارتها ترفض تحديد أسعار السلع التي يحتكرها قادة الحوثة، مثل الاتصالات، والوقود، والغاز، حيث منعت مليشيا الحوثة مؤخرا نقل الغاز من مأرب إلى مناطق سيطرتها، واستوردت بدلا عنه شحنات غاز من إيران وأجبرت السكان على الشراء من المستورد بفارق الضعف على المنتج المحلي 4500 ريال وتبيع المستورد ب8000 ريال".
 
كما أن مليشيا الحوثة تبيع سعر قمح -تزعم أنه منتج محلي من شركة أنعام اليمن التابعة للقيادي في الجماعة صالح الشاعر- بسعر 22000 ألف ريال، بينما تجبر تجار المواد الغذائية على خفض مبيعاتهم من القمح المستورد بأقل من 13700 ريال بالطبعة القديمة.
 
وقال أحمد سيف حاشد القيادي عضو البرلمان الموالي للحوثي في تغريدة بـ"تويتر" إن "وزارة نفط الحوثة وشركتهم وكبار مستورديهم يرفضون إظهار فواتير أسعار شراء الوقود المستورد ويتجاهلون كل طلبات مجلس النواب فاقد النصاب والصلاحية في صنعاء تماما".
 
وقالت الحكومة اليمنية إن مليشيا الحوثي تستورد غازا مجانيا من إيران، بتعبئة أقل وتبيعه على المواطن قسرا لتمويل مجهودها الحربي ونظامها الاقتصادي.
 
تخفيض السعر.. ممنوع
 
في الأيام القليلة الماضية اقتحمت مليشيا الحوثي، عددا من محطات الكهرباء التجارية في أمانة العاصمة، بحجة مخالفة السعر المحدد من الوزارة، ومن بينها محطة تبيع بسعر أقل من سعر كهرباء الحوثي التي يسميها حكومي وتبيع بسعر تجاري.
 
وقال مصدر خاص لـ"يمن شباب نت" إن "مليشيا الحوثة اقتحمت محطة غراب في بيت معياد، بأمانة العاصمة، لأن سعرها أقل من سعر وزارة كهرباء الحوثي التجارية"، لافتا إلى أن محطة كهرباء بيت معياد تبيع الكيلو وات الواحد بسعر 265 بينما تبيعه المليشيا بـ280 ريالا.
 
واعترف عبدالكريم الحوثي الناطق باسم كهرباء الحوثي في تغريدة له على "تويتر" أن محطة غراب لم تخالف الأسعار، لكن المليشيا وجدت مبررا آخر بأن خزان وقود المحطة ليس موافقا لتعليماتها.
 
لم تكتف المليشيا بإغلاق المحطة فقط، بل داهمت مقر محطة غراب، واعتدت بعشرات المسلحين على موظفيها وضربت وخطفت مالكها، وفق صور ومقاطع انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، واستبدلت كهرباء الحي بكهرباء تبيعها المليشيا.
 
وحصل "يمن شباب نت" على نسخة من غرامة فرضتها مليشيا الحوثي منتصف مايو بتغريم أحد التجار مبلغ 100 ألف ريال من الطبعة القديمة لأنه باع بسعر مخفض على ما تبيعه مليشيا الحوثي.
 


ما الذي يريده الحوثة من التجار والقطاع الخاص؟
 
بعيدا عن حجج مليشيا الحوثة بأنها تريد تخفيض الأسعار لمصلحة المواطن، فإن كثيرا من السكان يتذكرون اسقطاها الجمهورية واقتحام صنعاء بحجة خفض أسعار الوقود حينها.
 
ازدادت قوة قيادات مليشيا الحوثي بفتح موانئ الحديدة، وبدأوا يسابقون الزمن في إنشاء شركات خاصة بهم، بالتزامن مع تدمير الشركات القائمة.
 
وقال مصدر خاص في مصنع إسمنت عمران لـ"يمن شباب نت"، إن "قرار مليشيا الحوثة توزيع أراضي المصنع لشقيق مهدي المشاط، ترافق مع حظر دخول الأسمنت المحلي المنتج في كل من أبين ولحج وحضرموت وحتى مصنع أسمنت عمران، ليحل محله أسمنت خارجي مستورد من باكستان".
 
ووفق مصدر حوثي فإن الهجوم على شركة سيستمز برودجي، يهدف للسيطرة عليها. وحصل "يمن شباب نت" على وثائق تفيد بأن مليشيا الحوثي تحاول إعادة العمل بالشركة عبر إدارة تعينها المليشيا، وقد عينت بالفعل قائما بأعمال مدير الشركة المخطوف في سجن المخابرات الحوثية بصنعاء.
 
وقال الدكتور هشام الصرمي أستاذ الاقتصاد المساعد في المعهد الوطني للعلوم الإدارية، "كما نعلم أن مليشيا الحوثي سعت خلال السنوات الماضية، لبناء اقتصادها الموازي على حساب القطاع الخاص اليمني الصناعي والتجاري والخدمي".
 
وأوضح الصرمي في حديث لـ"يمن شباب نت"، أن بيان الاتحاد العام للغرف التجارية يعني أن القطاع الخاص وصل إلى مرحلة عدم القدرة على التحمل، حيث أنهك القطاع الخاص جبايات ومصادرة، ولم يعد يستطيع البقاء.
 
وأشار إلى أن مليشيا الحوثي قد سيطرت فعلا منذ سنوات على حوالي 50% من القطاع الخاص اليمني عبر السيطرة على البنوك "العمود الفقري للعملية الصناعية والتجارية والخدمية هي البنوك.
 
وأضاف الدكتور الصرمي، أن "الحوثي صادر رأس أموال البنوك قبل ثمان سنوات، عندما تم تجميد أذون الخزانة، وصودر في قانون البنوك الأخير الذي أصدره الحوثي في مارس الماضي مستحقات أذون الخزانة، التي كانت يمكن أن تقلل من خسائر البنوك".
 
وأكد أن "الموجة الحالية من الهجوم الحوثي على القطاع الخاص تستهدف الشركات التي تتمتع برؤوس أموال حرة ونسبة الدين فيها منخفضة، وبالتالي استطاعت الصمود خلال السنوات الماضية من الحرب".
 
وأوضح الأكاديمي اليمني، أن القوانين التي تسير القطاع الخاص والنشاط الاقتصادي عموما في مناطق سيطرة الحوثي هي قانون الغاب: "سلطة الغاب هي السائدة في مناطق سيطرة الحوثي، فقط، لا غير".
 
وتابع:"سيطر الحوثي على كل قطاعات الاقتصادي اليمني، وبنوا اقتصادهم الموازي من خلاله علنا، مثل قطاع الاتصالات الذي سيطروا عليه  كشركة إم تي إن وغيروها إلى يو، وأيضا واي وسبأفون فيما يخص القطاع الخاص، كما سيطروا على  يمن نت ويمن موبايل من القطاع المختلط، ويمكن القياس على قطاع الاتصالات لمعرفة ما تعتزم مليشيا الحوثي القيام به".


 
من جانبه يقول الباحث الاقتصادي عبدالسلام الأثوري في تصريح خاص لـ"يمن شباب نت" إن "الحوثي يريد الاستحواذ على جميع الأنشطة الاقتصادية للقطاع الخاص، عبر التضييق على القطاع الخاص القائم".
 
ويشكل القطاع الخاص80% وفق التقديرات، التي يتوقعها الدكتور هشام الصرمي، نظرا لغياب الإحصائيات الرسمية من حجم الاقتصاد اليمني، وإذا ضرب القطاع الخاص، - كما يجري من ثمان سنوات- بقطاعاته الكبرى والمتوسطة والصغيرة والأصغر والأخيرة.
 
وتمثل المشاريع المتوسطة والصغيرة والأصغر  نسبة 90%، وسيكون هناك انعكاسات سلبية على مختلف المؤشرات الاقتصادية مثل دخل الفرد، والبطالة، وغيرها".
 
يؤكد تقرير مسح القوى العاملة التي أصدرته منظمة العمل الدولية مع الجهاز المركزي للإحصاء وعدد من الجهات الحكومية 2013-2014 تقديرات الدكتور الصرمي، وتشير إلى أن إجمالي القوى العاملة في ذلك الوقت تقترب من 4.850 مليون نسمة، نصفهم على الأقل تحت سن34، ويشكل العاملون في القطاع الخاص قرابة 80% بعد استبعاد موظفي الخدمة المدنية والجهاز الأمني والعسكري حينها.
 
وحسب تلك الدراسة، ينخرط  أقل نصف العمال اليمنيين في قطاع الخدمات، وحوالي 22% بقطاع التجارة، و14% على قطاع الصناعة، وقرابة  29 في قطاع الزراعة.
 

خيارات القطاع الخاص
 
وفق الدكتور الصرمي، فإن ما لا يقل  عن 25 مليار دولار من رؤوس الأموال نزحت من مناطق سيطرة الحوثي تجاه الخارج أو المناطق المحررة في الثلاث السنوات الأولى من انقلاب الحوثة، لكن ليس بمقدور جميع القطاعات الاقتصادية أن تنزح، رغم تهديد البيان الأخير للاتحاد العام للغرف التجارية.

وقال الدكتور الصرمي "رغم ذلك لم يعد القطاع الخاص ببنيته المتبقية يستطيع الرحيل إلى الخارج؛ بسبب صعوبة تسييل أصوله، والنهب المتواصل لمخزونه وبضائعه، وانخفاض مستوى الأسعار التي فرضتها مليشيا الحوثي،  وهي أهم ثلاثة أسباب تمنع القطاع الخاص".
 
وبحسب مسؤول كبير في أحد البنوك بصنعاء تحدث لـ"يمن شباب نت"، فإن "البنوك على سبيل المثال، لا يمكنها نقل أعمالها إلى عدن أو مأرب أو حتى خارج اليمن، لأن أنشطتها وأموالها قد صودرت، وكذلك توجد في صنعاء أصولها خاصة العقارات وأذون الخزانة، وغيرها".
 
وفي هذا السياق، يقول الدكتور الصرمي، إنه" منذ في الثلاث السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات الهجرة من صنعاء أكثر من ذي قبل، واتخذت تلك الشركات ورؤوس الأموال صورا متعددة منها إنشاء فروع لها في المناطق المحررة، لكنها فعليا، تحولت إلى المقرات الرئيسية".
 
ويؤكد أحد التجار العاملين في قطاع الأدوية لـ"يمن شباب نت" أن كبار مستوردي الأدوية قد نقلوا فروعهم فعلا إلى عدن منذ سنوات. في حين يربط الدكتور الصرمي بين إمكانية نزوح الأموال نحو المناطق المحررة وطبيعة السياسات والإجراءات التحفيزية التي تتخذها الحكومة.
 
ولم تعلق الحكومة اليمنية حتى الآن على بيان الاتحاد العام للغرف التجارية بصنعاء، وتثير مخاوف الصراعات السياسية والأمنية تحديات حقيقية بالفعل أمام القطاع الخاص خاصة في عدن.
 
الإضراب والاعتصام والتظاهر
 
بدأت شركة سيستمز برودجي سلسلة من الحملات الإعلامية للإفراج عن مالكها عدنان الحرازي، ونظم موظفوها تظاهرة هي الأولى من نوعها للقطاع الخاص ضد الحوثي، في منتصف مايو في ميدان السبعين بأمانة العاصمة.
 
بينما هددت جمعية الصرافين في وقت سابق بأنها ستلجأ لخيار الاعتصام والتظاهر والإضراب إن استمرت الجبايات الحوثية بحقها، وقالت في بيان إنها ستدافع عن وجودها باستخدام الوسائل المشروعة.
 
أدى إضراب عام وتظاهرة قادها مزارعو القات في عنس بذمار إلى إجبار مليشيا الحوثة في مطلع مايو الجاري إلى تخفيض ضريبة القات المفروضة عليهم.
 
يقول الصحفي الاقتصادي محمد الجماعي، إن "بيانات الغرف التجارية والاتحاد العام للغرف التجارية يعني إشهار كلمة لا في وجه الحوثي ومبرراته".
 
وأوضح الجماعي لـ"يمن شباب نت"، أن الحوثي نقض عددا من الاتفاقات مع التجار ووصل التجار أخيرا إلى قناعة أن الحوثي يريد تدميرهم تماما، ولذا اعترضوا وقالوا لا عبر بيان الاتحاد العام للغرف التجارية.
 
في مارس الماضي، أصدرت نقابة منتجي المياه المعدنية بيانا حذرت فيه مليشيا الحوثي من أنها ستضطر إلى الإضراب والاعتصام ووقف جميع أنشطة مصانع المياه المعدنية.
 
ودعت الغرفة التجارية بأمانة العاصمة في أواخر أبريل الماضي جميع أعضائها وجميع التجار إلى التوحد في مواجهة التحديات التي تحيق بهم من كل اتجاه.
 
قال مصدر خاص في الغرفة التجارية بصنعاء لـ"يمن شباب نت"، إن "مليشيا الحوثي لم تكن تقر بشرعية مجلس إدارة الغرفة التجارية، وأن الغرفة استطاعت مؤخرا الانتزاع عبر حكم من المحكمة التجارية في أمانة العاصمة خلال الأسبوع الماضي".
 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر