تداعيات النزوح.. الأمراض المعدية تفتك بالفلسطينيين في غزة

[ الأمراض المعدية تفتك بالفلسطينيين في غزة (فرانس برس) ]

مع دخول الغزيين منتصف الشهر الخامس من العدوان الإسرائيلي المتواصل، يستمر تدهور الواقع الطبي، وتردي مستوى الخدمات الطبية المتوافرة، بسبب استمرار استهداف الاحتلال للمؤسسات الصحية، والمساعدات الشحيحة التي تدخل إلى القطاع، والتي تندر من بينها المساعدات الطبية والأدوية، بينما لا يتوافر الكثير من سبل العلاج للكثير من الأمراض، أو للحالات الطارئة، بما فيها الأمراض المعدية.

وحسب بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، سُجِّل أكثر من 700 ألف إصابة بأمراض معدية منذ بدء العدوان الإسرائيلي، ويرجع هذا العدد الهائل من الإصابات إلى الظروف المعيشية المتدهورة، وموجات النزوح المتكررة، وعدم توافر وسائل النظافة، بما في ذلك المياه، والاكتظاظ الكبير، خصوصاً خلال الشهرين الأخيرين.

من نقطة طبية أنشأتها وزارة الصحة في غزة بالقرب من تجمّع لخيام النازحين، يقول الطبيب العام، إياد سعدية، إن "الاكتظاظ الشديد، وتدني مستويات النظافة، وشحّ الأدوية والغذاء، كلها أسباب تؤدي إلى الانتشار الكبير والسريع للأمراض المعدية التي وصلت إلى نسب خطيرة، مع بروز أمراض مثل الالتهاب الرئوي، والإسهال، وعدة أنواع من الأمراض الجلدية، وعدوى الالتهاب الكبدي الوبائي من النوع الأول، وحالات الحصبة وغيرها".

يضيف سعدية لـ"العربي الجديد": "العديد من العوامل التي تتفاقم مع استمرار العدوان تؤدي إلى تفشي العدوى، خصوصاً الازدحام الشديد في مراكز الإيواء، إذ يتجاوز عدد النازحين في كل مركز 13 ألف شخص، وفي كل غرفة صفية بالمدارس ما يقترب من 50 شخصاً، وتضم بعضها 60 شخصاً، وقد أجريت زيارات تفقدية لتلك المراكز، وحذرت من خطورة هذا الاكتظاظ، وقدمت تقارير إلى وكالة أونروا، وإلى وزارة الصحة حول المخاطر، لكن الواقع شديد الصعوبة، ولا يمكن توفير أماكن بديلة، أو مراكز إيواء جديدة".

يتابع: "هناك ازدحام في البيوت التي تكتظ بالنازحين، وكذلك في الخيام، ونعاني من نقص المياه الصالحة للشرب، والمياه اللازمة للنظافة الشخصية، ومن سوء التغذية الذي يسهم في إضعاف مقاومة الجسم، وكل يوم يزيد الزحام والتلاصق، والأخطر أنه لا إمكان لعزل الأشخاص المصابين، فلا إمكانات متوافرة، ولا أماكن صالحة للعزل، كذلك إن عدم توافر الأدوية التي تساعد على عملية الشفاء يزيد الخطورة. يتحدث كثيرون عن عدم وصول المساعدات الغذائية إلى القطاع، وهذا أمر ضروري، لكن هناك أيضاً حاجة كبيرة إلى المراهم الطبية لعلاج الأمراض الجلدية المنتشرة، خصوصاً بين الأطفال، والذين تصاب بشرتهم بشكل سريع بالعدوى".

ولا يتلقى من يعانون من الأمراض المعدية إلا قدراً محدوداً من رعاية طبية داخل المستشفيات والمراكز الطبية في ظل عدم توافر الأسرّة لاستيعاب الحالات التي تحتاج إلى المتابعة الطبية المستمرة، إذ بلغت نسبة الإشغال بالمستشفيات نحو 350 في المائة، ولا توجد إمكانية لعلاج الحالات الباطنية، في ظل تحول جميع المراكز الطبية إلى مستشفيات طوارئ وجراحة.

من بين أصعب الأمراض المعدية المنتشرة، مرض التهاب السحايا، الذي أصاب مئات الأطفال النازحين إلى الخيام ومراكز الإيواء. الطفلة ميان جبر (23 شهراً) من بين المصابين بالتهاب السحايا، ويقول عمها، أيمن جبر، إنه يتنقل بها بين مستشفى أبو يوسف النجار والمستشفى الكويتي وكل العيادات الصحية في مدينة رفح، وإن حالتها الصحية تتفاقم، وإن العائلة تقدمت بطلب لتحويلها إلى العلاج في الخارج، سواء في المستشفيات المصرية أو أي بلد آخر، وتنتظر الحصول على الموافقات اللازمة، إذ إنها تعاني من ارتجاف مستمر، وهي من ضمن آلاف الأطفال الذين ينتظرون الحصول على موافقة للعلاج في خارج القطاع.

يضيف أيمن جبر لـ"العربي الجديد": "نناشد كل المؤسسات، وليس فقط المؤسسات الصحية، أن تساعدنا. فابنة شقيقي في حالة خطرة، ولا يتوافر لها علاج في مستشفيات غزة، ولا توجد أية مقومات للتعامل مع حالتها المرضة، وهناك خطر حقيقي على حياتها في حال استمرار هذا الوضع، فمهما تناولت من أدوية لا تتحسن بعد، وحاولت وزارة الصحة إغاثتها من خلال إضافة اسمها في القائمة الأولى، لكننا ننتظر منذ 6 أيام، ولا يوجد أي رد، وهناك الكثير من الأطفال مثلها أيضاً".

ويقول رئيس لجنة الطوارئ الصحية في محافظة رفح، الطبيب مروان الهمص، إن قرابة 200 إصابة بالتهاب السحايا وصلت من جميع محافظات غزة، وهو مرض خطير، كذلك فإن الأمراض الجلدية والطفح الجلدي منتشرة بشكلٍ ملموس، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "بيانات الرصد الخاصة بحالات الإصابة بالأمراض المعدية في محافظات قطاع غزة بدأت تتفاقم منذ يناير/كانون الثاني الماضي، نتيجة تكثيف هجمات الاحتلال على مراكز الرعاية الأولية المتمثلة بمختلف المناطق، فيما تحاول وزارة الصحة تسجيل وتوثيق جميع الحالات المرضية من جميع الفئات في عيادات رفح الحكومية، ومراكز الإيواء التابعة لوكالة أونروا".

ويوضح الهمص: "وصلت الأمراض المعدية إلى مرحلة متقدمة من الانتشار خلال الشهر الأخير، خصوصاً في مدينة رفح التي تضم نحو مليون ونصف مليون نازح، وهناك أمراض جلدية خطيرة، وأدوية كثيرة تنقص الطواقم الطبية، من بينها أدوية أمراض البرد، ومسكنات الآلام، والعقاقير والمراهم الخاصة بالأمراض المختلفة، وكذلك المضادات الحيوية، ونحتاج من جميع تلك الأدوية إلى كميات كبيرة".

ويضيف: "الأدوية التي تدخل إلى القطاع قليلة، وبالتالي فإنها تنفد بصورة سريعة، لذا نريد آلية إدخال مستمرة، واتفاقاً على الكميات اللازمة، وتبقى المشكلة في الاكتظاظ الكبير في رفح، وأن الناس لا يستطيعون مغادرة المدينة لأنها الوحيدة التي تتوافر فيها رعاية صحية في القطاع، وإن نزحوا إلى أماكن أخرى لن يتمكنوا من الحصول على العلاج، لكننا نعمل تحت ضغط كبير، ومع تزايد أعداد النازحين، لا تتجاوز المساعدات الواردة نسبة 5 في المائة من احتياجات القطاع في أحسن الأحوال، خصوصاً خلال الشهرين الأخيرين، وقد وصل إلى قطاع غزة من 18 ديسمبر/ كانون الأول حتى العاشر من فبراير/ شباط الحالي 6964 شاحنة فقط، ووصل منها إلى وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية 1772 شاحنة، أي ما نسبته 25.4 في المائة، وقدر كبير منها أدوات صحية وملابس ومياه وأكفان".

ورُصدت "الدوسنتاريا" المعروفة محلياً بمرض الزحار في قطاع غزة، وهو إسهال دموي، ويقول طبيب أمراض المعدة محمد حسونة، إن المرض انتشر بشكل واسع خلال الفترة الأخيرة، وبصورة مقلقة بين النازحين، وكان في بداية العدوان يُصنَّف على أنه إسهال عادي، لكن تبين أنه يُحدث نوبة إسهال مع نزف دموي.

ويوضح حسونة أن "كل الظروف متوافرة لانتشار العدوى، فأعداد النازحين غير مسبوقة، والحمامات المتوافرة محدودة، وهي موجودة بالقرب من الخيام، وتنتشر الفيروسات والجراثيم والديدان الطفيلية في كل مكان، ما ينتج منه تهيج كيميائي بالأمعاء، وكثير من الحالات التي تصل إلى المستشفيات تعاني من آلام متواصلة، ويجري التعامل معها".

وكشفت سلطة جودة البيئة الفلسطينية في تقرير لها خلال شهر فبراير الحالي، حول واقع المياه، أن "نقص المياه الصالحة للشرب، وإغلاق جميع محطات تحلية المياه نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل، يؤديان إلى معاناة نحو 66 في المائة من أهالي قطاع غزة من انتشار الأمراض المنقولة بوساطة المياه الملوثة، ومنها الكوليرا والإسهال والأمراض المعوية".

لكن أخطر أنواع العدوى المسجلة بسبب النزوح والاكتظاظ كانت التهابات الكبد الفيروسي الوبائي من الفئة الأولى، وسجلت إصابة أكثر من 1100 غزي به خلال الشهرين الأخيرين. من بين المصابين عمر السموني (37 سنة)، الذي يتلقى أنواعاً قليلة من العلاج، ويشعر بضيق تنفس حاد، وهو يأمل أن تنتهي الحرب كي يسافر إلى مصر للعلاج.

يقول السموني لـ"العربي الجديد": "أعاني مثل كثيرين من الأمراض المعدية، وقد أصبت بالمرض في الخيمة، وأحاول إبعاد الناس عني حتى لا تصيبهم العدوى، وأريد العلاج خارج القطاع، وإلا فإن مصيري سيكون الموت في مدينة رفح، لأنه لا يتوافر في مستشفياتها أي علاج لي، كذلك فإن جميع المستشفيات والمراكز الصحية مكتظة بالمرضى والجرحى".

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر