47 عاماً على يوم الأرض الفلسطيني: الاستيطان يبتلع الضفة ويغيب عن المفاوضات

يزداد المشهد قتامة في الضفة الغربية، مع حلول الذكرى السابعة والأربعين ليوم الأرض، فلا أمل يلوح في الأفق لقيام دولة فلسطينية متصلة ومتواصلة في بحر المستوطنات التي تقطّع أوصال الضفة، فيما يتواصل هجوم المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية في ما يُشبه "حرب المستوطنين"، الذين تضاعف عددهم عشرات المرات منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وباتوا قادرين على مهاجمة القرى وحرقها، كما فعلوا في حوارة جنوب نابلس مساء 26 فبراير/ شباط الماضي.
 
وبينما يبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو ثلاثة ملايين فلسطيني، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يقترب عدد المستوطنين من المليون، أي ما يعادل ثلث عدد الفلسطينيين، ويسيطرون على 61 في المائة من الضفة الغربية والشوارع الرئيسية بين المدن البلدات، وهم مسلحون بالكامل فيما يشبه الجيش غير نظامي. ومنذ انتهاء اجتماعي العقبة (26 فبراير/ شباط الماضي) وشرم الشيخ (19 مارس/ آذار الحالي)، لم تتوقف حكومة الاحتلال عن مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح الاستيطان؛ بل قامت بإلغاء فك الارتباط، وسمحت بعودة المستوطنين إلى أربع مستوطنات مخلاة شمال الضفة الغربية.
 
غياب ملف الاستيطان عن المباحثات

وفي الوقت الذي انتقدت فيه بعض الفصائل الفلسطينية غياب وقف الاستيطان عن طاولة الاجتماعين الأخيرين، يؤكد سياسيون ومحللون أن ملف الاستيطان غائب عن طاولة أي اجتماع فلسطيني إسرائيلي منذ اتفاق أوسلو، وأن هذا الاستيطان لن يتوقف، بل سيزداد.
 
وفي الوقت التي تدين فيه القيادة الفلسطينية التوسع الاستيطاني المتسارع يومياً في الضفة الغربية عبر بيانات الشجب والاستنكار، فإنها وافقت في 20 فبراير الماضي على سحب مشروع قرار يدين الاستيطان من طاولة مجلس الأمن الدولي، وقبلت بدلاً منه ببيان رئاسي "غير ملزم بوقف الاستيطان".
 
تقول السياسية الفلسطينية حنان عشراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "القيادة الفلسطينية المحلية ترى أن حديث حكومة الاحتلال معها يُعتبر مكسباً، وأن هذه اللقاءات تخلق أفقاً سياسياً"، متسائلة "كيف سيكون هناك أفق سياسي من دون أن يكون هناك انسجام مع متطلبات السلام على الأرض الذي يتجلّى بوقف الاستيطان؟".
 
عشراوي، التي كانت من أبرز أعضاء وفد منظمة التحرير الفلسطينية المفاوض في مدريد وواشنطن (1991 ـ 1993) تعتبر أن "القيادة الفلسطينية الحالية تخلّت عن كل مصادر القوة، وصرنا نحن من نطلب الحديث مع الاحتلال"، مضيفة "هناك خلل كبير صعب إصلاحه اليوم في ما يتعلق بملف الاستيطان".
 
وترى عشراوي أن "القيادة الفلسطينية كانت لديها أكثر من فرصة تاريخية للتعامل الجدي مع الاستيطان، منها يوم مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، وفي مفاوضات فك الارتباط (2003 و2004) وفترة خريطة الطريق، وكلها محطات فارقة كان بالإمكان الضغط الجدي فيها لوقف الاستيطان"، مضيفة "لكن لأن تحديد الأولويات لم يكن واضحاً عند القيادة، والاختلال الكبير في ميزان القوى لصالح إسرائيل، لم يحدث ذلك، أما الآن فلم يعد ممكناً الحديث عن وقف الاستيطان".
 
وتؤكد عشراوي أنه "يجب إصلاح كل الأسلوب وكل طريقة صنع القرار في النظام السياسي الفلسطيني، ونحن بحاجة إلى تعديل جذري على الوضع القائم فلسطينياً حتى نقول إننا نريد أن نضع المستوطنات على الطاولة، لأنه لا توجد طاولة أساساً".
 
وتشير عشراوي إلى أن "الاستيطان توسع والمستوطنون أصبحوا أصحاب قرار وشركاء في الحكومة بقوة لا يستهان بها، وسيطروا على الخطاب العام في إسرائيل". وتذكّر بأنها قالت قبل 20 عاماً "إن المستوطنين سيصبحون السلاح المفضّل لدى إسرائيل لإرهاب الشعب الفلسطيني، وهذا ما يحدث اليوم، لأن ما يفعله المستوطنون أكثر من مجرد جريمة حرب وإنما قضية سيطرة وضم كامل".
 
ورداً على سؤال إن كان المفاوض الفلسطيني قد وضع الاستيطان منذ البداية على طاولة المفاوضات مع الاحتلال، تقول عشراوي: "موضوع وقف الاستيطان تم طرحه في مفاوضات مدريد وواشنطن، وكان رئيس الوفد حيدر عبد الشافي حينذاك واضحاً بقوله: إذا لم يتوقف الاستيطان لن يكون هناك حوار مع إسرائيل"، لكنها تضيف أن "الخلل حصل عندما بدأت القيادة الفلسطينية بمفاوضات سرية في أوسلو، قادها أحمد قريع (أبو علاء) وحسن عصفور، وهذا قَلَب كل شيء".
 
وتشرح أنه "بعد الحديث عن القضايا الجوهرية في مفاوضات مدريد 1991 وواشنطن، وافق المفاوض الفلسطيني (في أوسلو) على تأجيل القضايا الجوهرية (القدس، والاستيطان، والحدود، والمياه) من دون ضمانات، ليتم التفاوض عليها لاحقاً كقضايا حل نهائي، واتفقوا على القضايا الفنية والإجرائية (إدارة التعليم والصحة وجمع النفايات)، وهذا ما بقي حتى الآن بسبب تعنّت إسرائيل بعدم العودة للمفاوضات التي بدأت في أوسلو عام 1993 لاستئناف المفاوضات على قضايا الحل النهائي".
 

لقاءات لا جدوى منها

من جهته، يرى المفاوض الفلسطيني، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سابقاً، ياسر عبد ربه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي أخيراً (في العقبة وشرم الشيخ) لا جدوى منها سوى تمكين الجانب الإسرائيلي من ممارسة الخداع على المطالب الفلسطينية.
 
ويتساءل عبد ربه مستنكراً: "الجانب الإسرائيلي وضع شرطاً لوقف الاستيطان مؤقتاً لأربعة أشهر، ما الذي يتوقع أن يحصل بعدها؟ أن تعود ماكينة الاستيطان؟ هل هذا نوع من المساومة التي تمتلك الحد الأدنى للمصداقية؟ هذه خديعة لا يبتلعها سوى الشعب الفلسطيني والسلطة".
 
ويصف عبد ربه، المفاوض الفلسطيني الأسبق (في أوسلو ومدريد)، ما حصل بملف الاستيطان في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ الأخيرين بالسخيف والهزلي، قائلاً: "وكأن الاستيطان حق إسرائيلي توقفوا عنه مؤقتاً! مهما بلغت الضغوط والوعود، آن الأوان أن نتعلم الدرس، وهذه الخديعة التي تتكرر معنا سنة بعد سنة".
 
ويضيف: "إما تتوفر في اللقاءات مع الجانب الإسرائيلي ضمانات مسبقة، وفي مقدمتها القضية الرئيسية المتعلقة بالاستيطان الوحشي، وأن يكون هو الموضوع المقياس لتقدّم أو عدم تقدّم العلاقة بين الطرفين (في إشارة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي)، أو لا يكون هناك لقاء أصلاً، لأن هذا سيدفع السلطة لخسارة شعبية لا رجعة فيها".
 

إجراءات إسرائيلية تقضي على مشروع الدولة

وينطلق مدير الخرائط في جمعية الدراسات العربية، الخبير في الاستيطان خليل التفكجي، مما سبق، ليقول "إن اتفاق أوسلو جعل 61 في المائة من أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة الاحتلال الكاملة، ليفعل فيها ما يشاء، وهذا هو الخزان الاستيطاني لإسرائيل التي تقوم بمصادرة الأراضي فيه بشكل مستمر لصالح بناء بؤر استيطانية وتوسيع المستوطنات القائمة وبناء الطرق الالتفافية للمستوطنين".
 
ويشير التفكجي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك ثلاثة إجراءات جوهرية على الأرض قامت بها إسرائيل أخيراً على صعيد الضفة الغربية تؤكد أن إقامة دولة فلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967 بات أمراً مستحيلاً، وجميعها تتم في مناطق ج، حسب تصنيف أوسلو".
 
ويستعرض التفكجي هذه الإجراءات قائلاً: "أولها إعادة فك الارتباط 2005 وإعادة المستوطنين إلى أربع مستوطنات تم إخلاؤها في شمال الضفة الغربية".
 
وثانيها، وفق التفكجي، "فتح المزيد من الشوارع الالتفافية، والتي تهدف إلى تطويق المدن الفلسطينية بالشوارع الطولية والعرضية، مثل مشروع الطرق الضخم الذي يتم الآن على أراضي حوارة وبيتا جنوب نابلس، وهي شوارع خاصة بالمستوطنين، والهدف منها تطويق القرى الفلسطينية ومنع أي تمدد طبيعي لها، واختراق الضفة الغربية بالبؤر الاستيطانية، وصولاً إلى التشتيت، أي تحويل المدن والقرى الفلسطينية إلى أرخبيلات أو مجموعة جزر مشتتة في بحر المستوطنات والأراضي التي تصنفها إسرائيل مناطق نفوذ مستوطنات".
 
أما الإجراء الثالث فيتمثل بـ"الاستيطان الرعوي"، والذي يتلخّص في سيطرة أقل عدد من المستوطنين على أكبر مساحة من الأرض، وهذه سياسة إسرائيلية غير معلنة للسيطرة على مناطق "ج" من دون صدام مع المجتمع الدولي، إذ يقوم مستوطن بصفته "راعي أغنام أو أبقار" بتسييج مئات الدونمات وطرد الرعاة والبدو الفلسطينيين منها وإعلان أنها مرعى خاص به بحماية جيش الاحتلال. ويلفت التفكجي إلى أن هذا يحدث يومياً في الأغوار الفلسطينية ومسافر يطا جنوب الخليل ومنطقة "معرجات" محافظة أريحا.
 
أما على صعيد القدس الشرقية المحتلة، فيقول التفكجي: "رصدنا هذا العام ومن باب فرض الأمر الواقع، إقامة حكومة الاحتلال البنى التحتية للمستعمرات، لتخلق أمراً واقعاً جديداً يصعب التخلص منه مستقبلاً، خصوصاً في القدس، أي إقامة أنفاق وجسور وتوسيع الشوارع العريضة الضخمة وعملية دمج القدس الغربية والشرقية، ليصعب الفصل بينهما وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية".
 
ويرى التفكجي أن الاعتداءات الوحشية للمستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية في السنوات القليلة الماضية تعود إلى الكثافة السكانية الكبيرة للمستوطنين، ما أدى إلى "انتفاضة يهودية إسرائيلية" أو "حرب مستوطنين" ضد الفلسطينيين.
 
من جهته، يرصد مدير معهد الأبحاث التطبيقية - القدس (أريج) جاد إسحق تضاعف أعداد المستوطنين في الضفة الغربية، ما يزيد من قتامة المشهد، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد": "عام 1992 بلغ عدد المستوطنين 248 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس، وكانوا يسيطرون على 77 كيلومتراً مربعاً، أما عام 2022 فقد بلغ عدد المستوطنين 950 ألف مستوطن يسيطرون على 200 كيلومتر مربع، فيما بلغ عدد البؤر الاستيطانية حتى نهاية العام الماضي 243 بؤرة استيطانية".
 
ومنذ عام 1967 وحتى نهاية 2017 أقيمت في الضفة الغربية (من دون القدس الشرقية) أكثر من 200 مستوطنة يسكنها نحو 620 ألف مواطن إسرائيلي، حسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم".
 
وعلى الرغم من تضاعف أعداد المستوطنين، إلا أن إسحق يرى "أن إصدار قرار تفكيك الاستيطان هو قرار دولي ممكن فعلياً، لأن ما بني على باطل فهو باطل".

 
(العربي الجديد)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر