الشحن يخنق أسواق اليمن: اختفاء الكثير من السلع لامتناع التجار عن استيرادها

[ اختفاء الكثير من السلع لامتناع التجار عن استيرادها ]

طالما حلم اليمنيون بانحسار جائحة فيروس كورونا عالمياً للتخفيف من المعاناة المعيشية التي أفرزتها وامتدت تداعياتها إلى قوت يومهم، إلا أن هذا الحلم قد يبدو بعيد التحقق مع خروج معظم الاقتصادات العالمية من الإغلاق، ما أفرز أزمات جديدة تطاول قطاعات شحن السلع وأسعارها، ما ألقى بظلال سلبية إضافية على الأسواق اليمنية التي امتنع التجار فيها عن استيراد الكثير من السلع تجنباً للمزيد من التكاليف وعدم القدرة على تصريفها في ظل انهيار القدرات الشرائية لمعظم اليمنيين.

وتزايدت شكاوى التجار والمستوردين من تكاليف الشحن التجاري المتصاعدة إلى الموانئ اليمنية، خاصة ميناء عدن الذي يستوعب النسبة الكبرى من الشحن التجاري إلى البلد الذي تمزقه الحرب وتردي وضع الموانئ الأخرى بصورة كبيرة، ما انعكس على قدراتها الاستيعابية وتأخر خروج السلع منها لفترات طويلة، ما يؤدي إلى تلفها والتأثير على جودتها ويكبد التجار خسائر جسيمة، لا سيما أن النقل البري بين المدن أيضاً يمر بصعوبات تتعلق بالتفتيش المتكرر وصعوبة الطرق.

ويقول تجار إن تكاليف تداول السلع تفاقمت، إذ إن الشحنات التي كانت تصل في غضون شهر تستغرق الآن ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، مما يزيد من تكلفة الشحن البحري على المستوردين المحليين.

ويؤكد التاجر جمال الحداد من العاصمة صنعاء لـ"العربي الجديد" عزوف معظم التجار والمستوردين عن استيراد نسبة كبيرة من السلع والاكتفاء ببعض المواد الغذائية الضرورية أو السلع الاستهلاكية التي تتيح وضع هامش ربح أو عائد يغطي النفقات التي تسبب فيها تردي وضع الموانئ اليمنية وارتفاع تكاليف الشحن التجاري العالمي ليصل حاليا إلى خمسة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب.

ويقول حافظ الحسني، الذي يملك شركة للشحن التجاري والاستيراد والتصدير، إن الشحنات التجارية تنتظر لفترة تضاعفت بنسبة تفوق 50% منذ منتصف العام الماضي على وجه التحديد قبل الدخول إلى الموانئ اليمنية، مثل ميناء عدن، وهناك تواجه مشقات واسعة من تأخير وإتلاف واختفاء وتكدس لفترات طويلة، الأمر الذي دفع القطاع التجاري إلى مراجعة سياسته التجارية في عملية الاستيراد والاستغناء عن كثير من السلع التي بدأت الأسواق منذ مطلع العام الحالي تعاني من انخفاض عرضها بشكل تدريجي، وقد يصل الأمر إلى اختفاء كثير منها في حال استمر هذا الوضع كما هو عليه.

ووصلت زيادة الأسعار في العديد من السلع، وفق مواطنين، إلى 300% مقارنة بمستوياتها منذ بداية العام الجاري. بينما يعاني البلد من تفاقم الفقر الذي ارتفع من 55% عام 2014 إلى 70% في 2019، إذ يعيش حسب الأمم المتحدة 17 مليون يمني على وجبة واحدة في اليوم.

وضاعفت الحرب أعداد البطالة في البلاد، حيث وجد نحو 5 ملايين شخص أنفسهم دون عمل عقب اندلاع الحرب في 2015، إذ تظهر البيانات الرسمية المحلية ارتفاع نسبة البطالة لأكثر من 32% من إجمالي القوة العاملة، بينما لم تكن تتجاوز 14% في آخر عام قبل الحرب.

وإلى جانب تصاعد تكاليف الشحن، تتزايد الإجراءات والترتيبات الإدارية واللوجستية نتيجة الظروف العامة الصعبة التي يمر بها البلد بسبب انقسام المؤسسات، خاصة في قطاع النقل، إذ تستغرق السفن القادمة إلى الموانئ وقتاً أطول من الوقت الطبيعي للدخول إلى الأرصفة ومن ثم النقل والتفريغ.

وذكر تقرير حكومي صادر حديثاً، اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن عملية الشحن والتفريغ تتطلّب وقتاً أطول في ميناء الحديدة، حيث يتعين على السفن التي تحمل بضائع تجارية وإنسانية بصفة عامة تقديم طلب للحصول على تصاريح عند المغادرة من ميناء المنشأ وفق الإجراءات التي تتطلبها آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة من جهة، كما أن هناك بحسب التقرير إشكاليات وإجراءات أخرى البعض منها ناتج عن عدم تطبيق اتفاق استوكهولم الذي جرى تحت رعاية الأمم المتحدة قبل نحو ثلاثة أعوام.

ويتعين على جميع السفن الإنسانية التي تذهب إلى أي ميناء يمني وجميع السفن القادمة إلى موانئ عدن والمكلا أن تقدم طلب الحصول على تصريح دخول عبر وزارة النقل الحكومية قبل وصول السفينة.

وتسببت المشاكل المتفاقمة لقطاع الشحن التجاري في خسائر جسيمة لبعض التجار، ما أدى إلى إفلاسهم أو التوقف عن الاستيراد وتقليص نسبة كبيرة من المنتجات المستوردة والاكتفاء بمجموعة محدودة من الاحتياجات السلعية الضرورية.

ويقول الخبير الملاحي فيصل العبادي لـ"العربي الجديد" إن جزءاً كبيراً من الصراع الدائر في اليمن تركز في المياه اليمنية ومنافذ البلاد البحرية والبرية والجوية، وهو ما أدى إلى انخفاض تصنيفها دولياً وارتفاع مضاعف لأقساط التأمين على الشحنات المتجه إلى اليمن، إذ يتم التعامل مع اليمن كبؤرة صراع، وهذا ما يؤدي إلى فرض اتفاقيات وشروط استثنائية في التعامل الدولي في الشحن التجاري وتكاليف التأمين.

ودفعت مختلف هذه الأزمات وتردي وضع الموانئ اليمنية وتأخير الشحنات التجارية العديد من المستوردين والتجار إلى البحث عن خيارات بديلة، كاستخدام ميناء صلاله في سلطنة عمان القريب من المنفذ البري اليمني، ومنفذ شحن في محافظة المهرة شرقي اليمن المحاذية لعمان.

وتعرضت الطرق والجسور والموانئ والمطارات لأضرار بالغة تقدر بنحو 1.2 مليار دولار، كذلك حال موانئ البحر الأحمر، وأهمها ميناء الحديدة والصليف والذي كان يستقبل حوالي 70% من واردات الغذاء في اليمن، قبل أن يتم تحويل خطوط الشحن التجاري إلى ميناء عدن في عام 2018.

ولا يختلف الأمر في ميناء عدن الذي تعرض لأضرار وتردي وضعية ميناء المعلا للحاويات ومنشآت أخرى في الميناء أثرت بشكل بالغ على قدراته في الاستيعاب والتعامل مع 80% من الشحن التجاري إلى اليمن.

ويشكل النقل البحري أهمية كبيرة للتجارة في اليمن الذي يستورد ما يقرب من 90% من الوقود والأدوية والمواد الغذائية كالقمح والأرز والسكر.

وتظهر مؤشرات أداء الخدمات اللوجستية الصادر عن البنك الدولي أخيراً تراجع ترتيب اليمن منذ اندلاع الحرب قبل نحو ست سنوات إلى المركز 151 بعد أن كان في المرتبة 63 في عام 2012.

ووصلت خسائر نمو الاقتصاد بسبب الحرب إلى 93 مليار دولار في نهاية العام الماضي، ارتفاعاً من 66 مليار دولار في عام 2019، وفق أحدث نسخة من تقرير قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية (حكومي)، والذي يصدر تقاريره بالتعاون مع منظمة "اليونيسف".

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر